السِمة العامة للمشهد الداخلي انه لا يثبت على صورة واحدة، فما ان تظهر صورة سياسية او غير سياسية وتضبط المشهد على إيقاعها، حتى تظهر أخرى تلغي الاولى وتفرض إيقاعاً آخر مختلفاً كلياً عن سابقه، وآخر تجليّات عدم الثبات هذا ما أحاط موضوع سلسلة الرتب والرواتب وسلة الضرائب المكمّلة لها، إذ كما تكوّنت الغيوم السياسية فجأة في الفضاء الداخلي وخلقت افتراقاً حاداً بين المستويات الرئاسية والسياسية المرتبطة بها ودفعت بها الى خلف متاريس التقاصف والسجال، حلّ التفاهم السياسي والرئاسي فجأة وانقشعت الغيوم ونزع فتيل التوتر الذي تفاعل وتمدّد من السياسة الى تحركات واعتصامات وتصعيد نقابي في الشارع.إذاً، قالت التسوية السياسية كلمتها، من دون ان تتوضّح الاسباب التي أدّت الى تفاقمها من الاساس وإدخال البلد الى حلبة اشتباك سياسي دار على أكثر من جبهة خلال الايام القليلة الماضية، ولا الاسباب التي أدّت الى اعادة اجواء الوئام بين المشتبكين.
لكن ما تمّ تظهيره بالأمس، تجاوز قرار المجلس الدستوري بإبطال سلة الضرائب، وأعاد إدخال هذه الضرائب من الشباك السياسي بالتكافل والتضامن بين كل القوى السياسية سواء المؤيّدة لمبدأ تمويل السلسلة من الضرائب، او تلك القوى التي صَمّت آذان الناس طيلة الفترة الاخيرة برفضها للمنحى الضريبي وإثقال الناس بضرائب تُجبى من جيوبهم.
المخرج لعقدة السلسلة تمّ تظهيره في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وتلخّص بإحالة مشروع قانون معجل الى المجلس النيابي بالمقترحات الضريبية المعدلة (التي تضمنها القانون المطعون فيه)، لإقراره في أقرب وقت ممكن على حد ما أعلن الحريري بعد الجلسة، مشيراً الى توافق على مخرج لصيغة قطع الحساب بما يمكّن من إقرار الموازنة بمعزل عنه.
وكشفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ التعديلات شملت ثلاث نقاط اساسية: اولاً، تغيير عنوان القانون بحيث لا يكون مخصصاً لتمويل السلسلة، في اعتبار انه لا يجوز تخصيص ضريبة بعينها لتمويل بند محدد. ثانياً، تعديل المادة 11، وثالثاً تعديل المادة 17، والمتعلقة بوجود ازدواج ضريبي.
واوضحت المصادر انّ التعديل شمل فقط المهن الحرة، في حين انّ الضريبة على المصارف ظلّت كما هي، في اعتبار انّ المجلس الدستوري لم يعتبر انّ هناك خللاً دستورياً لناحية الضرائب المفروضة على القطاع المصرفي.
وكشفت المصادر انّ وزراء «القوات اللبنانية» حاولوا تسجيل موقف من خلال اعتراضهم على عدم تعديل المادة 87 في الدستور، المتعلقة بقطع الحساب لإصدار الموازنات، وانّ وزير الصحة غسان حاصباني خرج من الجلسة، وبعد مشاورات مع معراب إكتفى بتسجيل تحفّظ وزراء «القوات» في محضر الجلسة، فيما سجّل وزيرا «اللقاء الديموقراطي» ايمن شقير ومروان حمادة تحفظهما على البند المتعلق بالأملاك البحرية.
وفي هذا السياق، قال مصدر وزاري إن وزراء «التيار الوطني الحر» تحفظوا بدورهم عن موضوع تسوية قطع الحساب وعن الطريقة التي اعتمدت لإحالة قطع الحساب الى مجلس النواب.
(الجمهورية)