صحيفة نداء الوطن
مرّت 19 سنة على زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومن 14 شباط 2005 يفقد لبنان استقراره السياسي والأمني والاقتصادي، لكنّ تداعيات ذاك الزلزال الذي تفجّر في 14 آذار وساهم مع تنفيذ القرار الدولي بإخراج جيش الاحتلال السوري من لبنان، لم توصل إلى حلم بناء الدولة، بل أصبحت الدولة عام 2024 مفكّكة وفاقدة الرأس، ويسيطر على قرارها الاستراتيجي «ح.ز.ب. ا.ل.ل.ه».
أمور كثيرة تبدّلت من عام 2005 حتى يومنا هذا، لكن ما يشغل الطائفة السنّية هو غياب الزعامة، فقبل انتخابات 2022 اختار رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري الابتعاد عن العمل السياسي، ودعا إلى المقاطعة. ليست المرة الأولى التي يغيب فيها سعد الحريري عن الساحة السياسية، فهو ابتعد بعد إسقاط حكومته عام 2011، وعاد إلى الحياة السياسية بعد التسوية الرئاسية عام 2016. والفارق بين المرحلة الماضية والآن، هو في تعليق «تيار المستقبل» عمله السياسي حالياً، فقد سدّ صقور «المستقبل» الفراغ في تلك المرحلة، بينما اليوم لا صقور ولا حمائم عند التيار الأزرق.
ورغم ضياع الزعامة، فقد أثبت سنّة لبنان منذ ابتعاد الحريري الأخير اتّجاههم نحو الصفّ السيادي و»لبنان أولاً» على الرغم من تمايز بعض الحالات الفردية. فأول استحقاق كان انتخابات 2022 النيابية، وبعد صولات وجولات أصبح المشهد النيابي السنّي على الشكل الآتي: 8 نوّاب يدورون في فلك 8 آذار و»ح.ز.ب. ا.ل.ل.ه»، يتوزّعون بين 3 في تكتل «الثنائي الشيعي» و5 في كنف تكتل «التوافق الوطني»، إضافة إلى النائب جهاد الصمد الذي يحاول التمايز.
وعلى الضفة المقابلة هناك 18 نائباً يتوزّعون بين المعارضة السيادية والتغييرية والمعارضة الوسطية، وبالتالي فقد ناصر النواب السنّة بأغلبيتهم الخط السيادي والمعارض لسلطة «ح.ز.ب. ا.ل.ل.ه» ولو كان كلّ على طريقته. يعترف الجميع بالفراغ الذي تركه الحريري باعتكافه، لكن لا أحد يستطيع الجزم بأن حضوره سيُغذّي صمود المشروع الذي يواجه تمدّد «الدويلة»، وبالتالي تحاول الأرضية السنّية مواجهة تحدّيات المرحلة وتأمين الحضور في كل المراحل. ولا يمكن مقارنة اختيار الحريري هجرة الحياة السياسية بالمرحلة التي عاشتها الساحة المسيحية بين عامَي 1990 و2005، فالقيادات المسيحية عانت من الاضطهاد السوري بينما قرّر الحريري ترك الحياة السياسية طوعاً. وهناك اتّهامات لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتخطّي الصلاحيات والسيطرة على صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي لم يتأثر دور السنّة في النظام باهتزاز «الحريرية السياسية»، بل توسّع دور رئيس الحكومة في هذه المرحلة.
ويعمل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لمنع الفراغ في الساحة السنّية وذهابها في غير اتجاه، وإذا كانت الإمكانات ضئيلة وسط محاولة «ح.ز.ب. ا.ل.ل.ه» التمدّد سنّياً عبر «سرايا المقاومة»، إلا أنّ قيادة المفتي المرحلة والتفاف النواب السنّة حوله، هما من العوامل التي ساهمت في تثبيت قواعد اللعبة الداخلية، حتى لو لم تكن الإدارة منظمة مثل الأحزاب والتيارات السياسية.
وتحاول كل شخصية وفق قدراتها وامتداداتها منع «ح.ز.ب. ا.ل.ل.ه» من قضم الأرضية السنّية، وشكّل دخول العاملين السعودي والمصري مجدّداً على خط الساحة السنّية مصدر اطمئنان سنّي، فالقاهرة تملك قيمة معنوية لدى سنّة لبنان وقادرة على التحرّك وجمع النواب والقيادات وهي على تنسيق مع دار الفتوى.
وإذا كانت الرياض غير راضية عن قيادة المرحلة السابقة، فهذا لا يعني إهمالها الملف السنّي واللبناني، فقد عادت إلى التواصل مع النواب السنّة وعقد السفير السعودي وليد البخاري لقاءات موسّعة مع النواب السنّة ويستمرّ بعقد اللقاءات الجانبية.
أثبت الشارع السنّي الذي يناصر قضية فلسطين تمسّكه بشعار «لبنان أولاً»، ولم تخرج دعوات من القيادات الدينية والسياسية تدعو إلى خرق سيادة لبنان وتشكيل ميليشيات للقتال نصرةً لغزة، بل القرار السنّي واضح وهو مناصرة غزة من دون توريط لبنان، ولم تشهد «قوات الف.ج.ر» توسّعاً لنفوذها، فهناك وعي سنّي يؤكد أن كل ما يقوم به «ح.ز.ب. ال.ل.ه» في الجنوب هو خارج عن إرادة الدولة ويصبّ في خدمة محور «الم.مانعة» وليس هدفه القضية الفلسطينية أو لبنان، وبالتالي، ورغم توزّع القيادة لم ينتزع «الحزب» الغطاء السنّي لتغطية قتاله وفتحه باب النار من بوابة الجنوب.