سركيس نعوم – جريدة النهار
شعور سنّة لبنان هذه الأيام مزيج من الإحباط والصدمة وقليل من اليأس الذي يمكن أن يصبح خطيراً إذا طغى على القلوب، ثم دفع أصحاب النفوس والعقول الضعيفة إما الى الاستسلام وإما الى الانتحار. وهو عتيق اذا جاز التعبير، إذ بدأ يتكوّن بعد فشل “الفريق السيادي” كما سمّي أو “فريق 14 آذار” في الإفادة من الدعم الدولي والعربي الذي أخرج قوات الوصاية السورية من الأراضي اللبنانية عام 2005، للعبور الى الدولة الحديثة بكل مقوماتها جرّاء تمسّك حلفاء سوريا بمواقفهم، وجرّاء مبادرة “حزب الله” وحليفته حركة “أمل” وأحزاب أصغر حجماً الى النزول الى الشارع “لشكرها”، ولإعلان الالتزام بالبقاء على العهد والوفاء. ثم ازداد بعد الانقلاب على نجله سعد الحريري بإسقاط حكومته وهو على أهبّة دخول المكتب البيضاوي للاجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد الاستعانة لتحقيق ذلك بأصحاب الطموحات الذين كانوا من رفقاء والده “الشهيد”. وتعمّق بعد اضطرار الإبن الى مغادرة البلاد لأسباب أمنية. لكن غيابه طال وأطلع اللبنانيون ومنهم السنّة على التطور السلبي لأحواله المالية والسياسية، وكوّن ذلك انطباعاً عند الكثيرين أنه إما لم يعد مهتماً بالعمل السياسي، وإما أنه لا يمتلك جدارة سياسية. استمر مزيج المشاعر المشار إليه أعلاه في أثناء الفراغ الرئاسي الذي دام سنتين وسبعة أشهر. لكنه لم يتفاقم لأن الرئيس تمام سلام كان صامداً على رأس الحكومة، ولأن الفريق الشيعي بقيادة “حزب الله” لم يتمكن في حينه من الوصول عبر حليف له الى قصر بعبدا. علماً أن الحريري أيضاً وفريقه لم يتمكنا من إيصال مرشحهم الرئاسي الدكتور سمير جعجع. وعندما اتفق زعيم “المستقبل” والسنّة مع عون على ترشيحه، ثم تمّ انتخابه بأكثرية كبيرة رغم اعتراضات البعض اعتقد السنّة أن الوضع قد يتغيّر إيجاباً. فالسعودية دعمت عون لأنها صدّقت ما قاله لها الحريري من أن هدفه هو “أخذ” عون من “حزب الله” حليف إيران، وتشكيل تحالف معه من شأنه تغيير معادلات الأمر الواقع المفروضة على لبنان بقوّة السلاح. هذا فضلاً عن ترؤس الحريري أول حكومة في العهد الجديد. لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر. فرئيس الحكومة عجز عن تشليح “الحزب” عون. (هل حاول؟) وتكوّن انطباع شعبي سنّي وإقليمي وتحديداً سعودي أن ربط “النزاع” مع “حزب الله” الذي برّر به الحريري اشتراكه و”الحزب” وعون وحلفائهم في حكومة واحدة، كان مجرّد تبرير للعودة الى الرئاسة الثالثة واستخدامها لاستعادة موقع مميّز كان له في السعودية، وللتشارك في المحاصصة السياسية والوظيفية و”المشاريعية” مع الفريق الآخر. وبدأ الكلام عن استسلامه لـ”الحزب” أو لعون، والاثنان واحد، يتداوله الاعلام بكثرة والاجتماعات السياسية والشعبية. وترافق ذلك مع الحرب المستعرة التي شنّتها السعودية على اليمن قبل سنتين ونصف، بعد استيلاء الحوثيين وعلي صالح على معظمه بدعم مباشر من إيران، والتي لم تحقّق النصر الذي كان مؤملاً خلال وقت قصير. وتحوّل التساؤل السعودي غضباً فاستُدعي الحريري الى الرياض واحتُجز واستقال، ثم أعاده الى لبنان رئيس فرنسا بعد تهديد بنقل القضية الى مجلس الأمن. وقام عون ووزير خارجيته بجهد بارز للوصول الى هذه النتيجة. فلم تُقبل استقالة الرياض لأنها كانت قسرية، لكنه “تريّث” في العودة عنها حفاظاً على ماء وجه السعودية ووجهه، علماً أنه كان اتفق مع “حلفائه” الجدد على عدم الاستقالة. هذه التطورات وما تلاها معروف. وحيالها خاف السنّة خسارة زعيم غالبيتهم سعد الحريري. لكنهم في الوقت نفسه لم ينبسطوا من اختياره عون و”حزب الله” حليفاً له أي لهم في ظل استمرار الثاني في تأسيس العصر الشيعي في لبنان، والاستعداد الدائم للأول لتغطيته مسيحياً وتالياً وطنياً. اذ اعتبروا ذلك خسارة لهم لمدة طويلة رغم اقتناعهم بأنهم سيربحون على المدى البعيد، لأنهم الغالبية في العالم العربي والاسلامي. ولم ينبسطوا أيضاً لأنهم حريصون على بقاء المملكة العربية السعودية صاحبة دور في لبنان لأنها مرجعيتهم المذهبية مثلما صارت إيران مرجعية شيعة لبنان. علماً أنها لم تكن يوماً مرجعيتهم قبل الثورة الاسلامية فيها عام 1979. ولأن اضعافها واقصاءها عن لبنان يزيد من تهميشهم ويضعف دورهم. وهذا أمر خبروه أيام الراحل حافظ الأسد عندما طرد العرب كلهم من لبنان (ومن “قوّة الردع العربية) بما فيهم السعودية بعدما كلفته قمتان في 1975 و1976 عربيتان تكوينها من غالبية سورية وإرسالها إليه لوقف حروبه.
هل خبروه أيضاً بعد اتفاق الطائف؟