قال الرئيس فؤاد السنيورة في حديث الى قناة “سكاي نيوز”: “بعد استقالة الرئيس سعد الحريري يفترض برئيس الجمهورية من حيث المبدأ وتقيدا بالدستور، أن يبادر إلى دعوة المجلس النيابي الى استشارات نيابية ملزمة لرئيس الجمهورية، أولا بإجرائها وثانيا بنتائجها. الذي جرى انه قد مضى 19 يوما ولم يبادر رئيس الجمهورية إلى إجراء الاستشارات النيابية، بل هو قد استغنى عن ذلك، وإذ به يبادر الآن إلى القيام بمشاورات، هذا بحد ذاته يعتبر مخالفة صريحة للدستور”.
أضاف: “من واجب رئيس الجمهورية أن يقوم بالاستشارات النيابية الملزمة لا ان يقوم بالتعدي على صلاحية الرئيس المكلف بتأخير الاستشارات ومن خلال التدخل بتحديد طبيعة الحكومة وشكلها، لأن الرئيس المكلف هو، وحسب الدستور، من يقوم بالمشاورات النيابية وغير النيابية ويحدد طبيعتها وشكلها من أجل أن يتوصل إلى تأليف الحكومة، وهو الذي بالتالي يتحمل مسؤولية هذه المهمة. كذلك فإن رئيس الجمهورية عندما يقوم بتلك المشاورات ويحدد طبيعة وشكل الحكومة، فإنه يقوم بالتعدي على صلاحيات المجلس النيابي وفي ذلك مخالفة دستورية أيضا، وبالتالي أصبح فخامة الرئيس وكأنه يؤلف قبل التكليف”.
وتابع: “كان يفترض بالرئيس ان يجري الاستشارات قبل 19 يوما. ولذا، فإني أتمنى عليه أن يسارع ويبادر إلى إجراء الاستشارات النيابية وان يترك امر التأليف وتحديد طبيعة الحكومة وشكلها ليجري إقرار ذلك بناء على المشاورات التي سوف يجريها الرئيس المكلف بعد تكليفه، والذي يتحمل مسؤولية ذلك التأليف”.
وأشار الرئيس السنيورة الى أن “الأسباب التي دعت بشباب وشابات الحراك والذين يقومون بهذه الانتفاضة يصرون على ان تكون حكومة من غير السياسيين، هي أن اللبنانيين ضاقوا ذرعا خلال السنوات الماضية بالممارسات التي كان يقوم بها الوزراء السياسيون من ممثلي الأحزاب الطائفية والمذهبية، وذلك بأنهم سخروا الوزارات والإدارات التي تولوا المسؤولية فيها لمصلحتهم ولمصلحة احزابهم الطائفية والمذهبية”.
وقال: “إن ما يطلبه أولئك الشباب والشابات باسم اللبنانيين هو فترة من الزمن تشكل فيها حكومة استثنائية بكونها ستكون بوزرائها محصورة بالكفاءات من أصحاب الاختصاص من غير السياسيين. بهذه الطبيعة تشبه حكومة أهل الاختصاص مثلها مثل الحكومات الاستثنائية التي سميناها ائتلافية التي درجنا عليها خلال السنوات العشر الماضية، وهي حالة استثنائية في الأنظمة الديمقراطية. كذلك فإن حكومة الاختصاصيين هي أيضا حالة استثنائية في الأنظمة الديمقراطية، وذلك بأن تكون الحكومة العتيدة مؤلفة من أصحاب الكفاءات من أهل الاختصاص. والهدف أن يأخذ السياسيون مرحلة معينة من أجل إعادة التأهيل او ما يسمى بالمطهر بما يمكنهم من العودة بعدها إلى الأصول بأن الوزارات والإدارات هي لخدمة المواطنين والوطن وليس لخدمة الأحزاب. لأن الوضع الذي أمسينا عليه في لبنان أصبح غير قابل للاستمرار. فلقد ضاق المواطنون ذرعا في عملية تسخير الدولة ومؤسساتها واداراتها ومرافقها لمصلحة السياسيين واحزابهم. وهذا الوضع هو ما نعاني منه وهو بالفعل الذي أوصل لبنان الى الحال التي أصبحت عليه حالة الاقتصاد الوطني من ترد وكساد وتضخم في القطاع العام”.
أضاف: “اعتقد ان على الجميع ان يدرك حساسية ودقة المرحلة التي أمسينا عليها في لبنان وبالتالي ما يقتضيه هذا الوضع من تضحيات حقيقية للتوصل إلى مخرج من هذه الحال الصعبة ومن هذا الانسداد في الأفق. بتقديري الشخصي ان الاقدر على تولي هذه المسؤولية لرئاسة الحكومة هو الرئيس سعد الحريري والداعي إلى ذلك هو ما يتمتع به الحريري من مزايا ورمزية وأيضا من خبرة في شؤون الحكم. ولكن هذا الامر لا يتوقف عند ذلك، إذ لا يمكن الاكتفاء فقط بتسمية الرئيس سعد الحريري وينتهي الأمر الا كان الحال وكما يقول الشاعر: “القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء”. فهناك جملة من العناصر الواجب توفيرها للرئيس الحريري حتى ينجح في تأليف الحكومة”.
وإذا كان الرئيس الحريري اسما مقبولا في الشارع، قال: “في المقام الأول، إذا تابعت كل الحوارات وكل المواقف والهتافات التي كانت تطلق وما يزال يطلقها الشباب والشابات كان هناك تحييدا للرئيس الحريري عن تلك الشتائم والهتافات والمواقف. في المقام الثاني، ان امر تأليف الحكومة والتي هي مسؤولية الرئيس المكلف، فإنه ينبغي التوضيح أنه من الممكن ان تأتي حكومة أعضاؤها جميعا من أصحاب الكفاءات والاختصاص ممن ليست لديهم خبرة سياسية واسعة ولكن لديهم معرفة واسعة في حقول اختصاصاتهم ليكونوا وزراء، ولكن لا يمكن ان يكون سائق العربة أو قبطان السفينة من دون خبرة سياسية”.
أضاف” “نحن في لبنان لسنا في نظام رئاسي، نظامنا ديمقراطي برلماني والسلطة هي في يد الحكومة، وبالتالي اعتقد انه ينبغي على الجميع ان يأخذ هذه الحقيقة بالاعتبار. انا أدرك ان هناك تخوفا من قبل بعض السياسيين في خسارة مواقعهم، ولكن هناك حاجة لدى الجميع ومنهم السياسيون، لأن يستطلعوا ويتفهموا ويتقبلوا آراء الناس الذين يصرون على هذا النوع من الحكومات وعليهم أن يتبصروا في مواقفهم تجاه آراء المواطنين. ومن جهة أخرى، فإنه يتوجب على الرئيس المكلف دراسة جميع المواقف كما أن عليه ان ينظر في عدد من المسائل من أجل إطفاء الحرائق المشتعلة من حول اللبنانيين. وعليه أولا ان ينظر بعناية إلى المواضيع المتعلقة بمطالب الحراك والمنتفضين في الشارع، وما هي طلباتهم وكيف يمكن أن يهدىء من قلقهم وهواجسهم. وعليه ثانية ان ينظر أيضا الى حزب الله، وهذا الحزب موجود بقوة على الساحة اللبنانية وبالتالي هناك حاجة الى اجراء حوار حقيقي مع الحزب لطمأنته، ولكن أيضا للحصول من الحزب على الموقف الوطني الذي ينبغي على الحزب أن يحترمه ولا سيما مسألة النأي بالنفس أو تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية”.
وعن كيفية طمأنة “حزب الله” عندما تشكل حكومة استثنائية غير سياسية ما يعتبره سحبا للبساط من تحت أقدامه، قال الرئيس السنيورة: “أنا أتفهم هذا الموقف، ولكن الحزب يعرف أيضا أنه وحركة امل والتيار الوطني الحر ومجموعة من الأحزاب لديهم الامكانية في إسقاط الحكومة وسحب الثقة منها إذا جرى الخروج عن التفاهم. وهذا يعني أن هناك أيضا توازنا يسمى توازن الرعب في هذا الشأن. لذلك على الجميع التصرف بحكمة ودراية. ان الحراك يجب طمأنته وحزب الله يجب ان يصار إلى طمأنته. ولكن ينبغي على الرئيس المكلف أن ينظر إلى ما يريده اللبنانيون، هم يريدون من الحكومة ان تعيد لهم الثقة بالدولة وبمواقفها. وهناك الوضعان الاقتصادي والمالي الذي ينبغي التصرف إزاءهما بحكمة عالية وتبصر كبير لاستعادة الثقة بهذين الوضعين ويكون ذلك مقبولا من المواطنين ومن الأسواق. وكذلك خامسا ما يطمئن المجتمعين العربي والدولي”.
أضاف: “كل هذه الأمور بحاجة الى مواقف تستطيع ان تطمئن الجميع بما يشجعهم جميعا على تقديم التنازلات التي يمكن ان توصل الرئيس المكلف الى وضع يستطيع من خلاله ان يؤلف مجموعة حكومية متجانسة في ما بينها من اجل ان تشكل ويكون مصدر اطمئنان ووسيلة فعالة وحقيقية لاستعادة الثقة بالدولة وبالحكومة، هذا الوضع لم يعد يحتمل المزيد من تضييع الوقت”.
وعن الوضع الاقتصادي، قال الرئيس السنيورة: “ان الامر الذي وصلنا إليه هو نتيجة تراكم واستعصاء وابتعاد عن اعتماد السياسات الصحيحة وبالتالي سلوك الأساليب والممارسات التي تؤدي للاصلاح. فالأمور قد تفاقمت بسبب الأداء السياسي غير المتوازن على مدى سنوات عديدة ماضية ولا سيما خلال السنوات الثلاث الماضية. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية انخفض النمو الاقتصادي في لبنان الى 1 او اقل من 1% وزاد العجز في الموازنة والخزينة. كما بدأ العجز في ميزان المدفوعات ابتداء من 2011 وهو إلى مزيد من التفاقم. الأمور لم يعد بالإمكان معالجتها بالمراهم ولا يمكن أن تعالج فقط بالأدوية المالية والنقدية، بل تحتاج الى معالجات من نوع آخر. بالإضافة الى الأدوات المالية والنقدية هناك حاجة ماسة الى المعالجات السياسية لاستعادة التوازن في الداخل اللبناني وكذلك في سياسة لبنان الخارجية”.
أضاف: “إننا بحاجة الى استعادة الثقة بالدولة لدى اللبنانيين، فهناك مشكلة كبرى في هذا الشأن وهذا الامر ينبغي أن يكون واضحا للجميع، ولا يحاول أي أحد أن يبرىء نفسه من تحمل المسؤولية. كلهم مسؤولون عما جرى في هذا الشأن، وكلهم مسؤولون من أجل القيام بالمبادرات والمحاولات الجادة للعمل بشكل متضامن من اجل الخروج من هذا المأزق الكبير الذي ما زال باعتقادي حتى الآن، وبالرغم من كل الظروف الصعبة، بالامكان الخروج منه من خلال العمل المتضامن الذي يستعيد الثقة بالدولة والاقتصاد عبر السياسات الوطنية والسياسية الصحيحة. وكذلك عبر الأدوات الاقتصادية والمالية والعودة إلى فتح قنوات الاتصالات مع الأصدقاء والاشقاء. وكذلك العمل في الداخل على اجراء الإصلاحات التي بإمكانها ان تغير الأجواء والمنظور المستقبلي للبنان. عندما يبدأ القيام بهذه المبادرات الصادقة ويتلمسها المواطنون مباشرة يمكن توقع تغيير الأوضاع إلى الأفضل”.
وختم: “الامر الذي نحن عليه اليوم لم يعد بالإمكان التمتع بترف الانتظار والاختيار بوجود عدد من الخيارات لربما تتغير الأمور. هذا التصرف غير واقعي وغير سليم، لن تتغير الأمور الى الاحسن بل الى الأسوأ إذا استمر انتفاء المبادرة الوطنية اللبنانية للتوجه نحو الإصلاح الحقيقي