استقبل الرئيس فؤاد السنيورة في مكتبه بـ”السادات تاور”، وفدا بيروتيا برئاسة المحامي ميشال فلاح، ضم مخاتير ومصرفيين وتجارا وإعلاميين ومهتمين بالشأن العام.
وقال الرئيس السنيورة أمام الوفد: “إننا في لبنان، نمر بمرحلة دقيقة جدا وعلى مختلف الصعد، وكذلك هي الحال أيضا في العالم العربي. ويأتي ذلك أيضا انعكاسا لما يجري في العالم ككل من تغيرات وتحولات سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية أسهمت في زيادة حدتها الصدمات الكبرى والتغيرات التكنولوجية التي أسقطت وتسقط حواجز الزمان والمكان، وكذلك حواجز الصمت والخوف لدى الجميع. فلقد بات كل فرد في العالم وكأنه قد أصبح معلقا صحافيا وناشرا وصاحب محطة تلفزيونية وذلك بما يقدره على أن يتواصل مع من يريد ويقول ما يشاء، ووقت ما يشاء ويعبر عما يريده بالطريقة التي تلائمه”.
أضاف: “ان الأجيال العربية الصاعدة تتحرق وفي مختلف الأوطان العربية لاستعادة النهوض ولاسترجاع الأرض، وكذلك الكرامة بشتى جوانبها. وذلك بما يسكن هواجسها ويخفف من مخاوفها ويحقق لها التغيير المرغوب على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولربما تكون القمة العربية التي انعقدت مؤخرا في تونس وبوقوفها على عناوين القضايا الأساسية التي تشغل بال الكثيرين من العرب تسهم في تحقيق العودة إلى التأكيد على المرتكزات الأساسية وفي مقدمها مركزية قضية فلسطين، وكذلك في وقف التدخلات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية للدول العربية. وذلك بما قد يشكل خطوة على طريق الاستجابة لطموحات وآمال تلك الأجيال الصاعدة، وبما يؤمل أن يؤدي إلى إحياء وتحريك الروح العربية النهضوية المطلوبة من أجل جمع الجهود، وتجييش الطاقات والموارد ووضع البرامج اللازمة للتقدم على مسارات تحقيق ما تتمناه أوطاننا العربية وإنساننا العربي”.
وتابع: “أما في لبنان، فإنه من المؤسف أن الاحزاب الطائفية وغير الطائفية تتبارى وتتسابق في ما بينها على استتباع الدولة واقتسامها لمصالحهم، وهي تجهد في محاولتها دفع اللبنانيين بعيدا عن حضن الوطن والدولة الوطنية إلى مربعاتهم المذهبية والطائفية مثيرين لدى المواطنين الإحساس الخاطىء بأن ذلك يؤمن لهم حمايتهم من الخطر الآتي من الآخر في الوطن، وذلك بما يسهم ويؤدي في ذات الوقت إلى تراجع دور الدولة وانحسار سلطتها وهيبتها. وهو أيضا الأمر الذي أوصل البلاد الى الحال التي أصبح اللبنانيون عليها من تراجع وانقسام وخلاف. وهذا كله ينعكس ترديا كبيرا في مستويات الثقة لدى اللبنانيين بالدولة اللبنانية وبالأحزاب السياسية والطائفية. وهو ما يقتضي بدوره عملا دؤوبا من قبل الفئات المستنيرة ولدى الشعب اللبناني من أجل تمكين الدولة من تعزيز قدرتها من أجل التأكيد بالممارسة والمثابرة والالتزام العملي، وليس بالكلامي، على المبادرة إلى تنفيذ السياسات والإجراءات التي تمكنها من استعادة ثقة المواطنين بكفاءتها ومسؤوليتها وحياديتها في قيادة سفينة استعادة النهوض والاستقرار والنمو والازدهار”.
وشدد على أهمية “تبني لبنان لمبادىء وبرامج الإصلاح بعد مماطلة واستعصاء طويلين فيما بعد اتفاق الطائف، امتدا على أكثر من عقدين من الزمان، حيث لم تتمكن جهود الإصلاح من القيام بما كان ينبغي أن يصار إلى تنفيذه من برامج إصلاحية ضرورية في تلك الفترة”. وقال: “هناك حقيقة أساسية أنه وفي المبدأ فإن الدول تتبنى برامج الإصلاح، التي هي بحاجة ماسة إليها، وتبادر إلى تنفيذها عندما تكون قادرة عليها، وليس عندما تصبح مجبرة على تنفيذها. عندها تكون العملية الإصلاحية قد أصبحت أكثر تعقيدا وأكثر إلحاحا، ولكن عندها أيضا يكون تنفيذها قد أصبح أكبر كلفة وأكثر إيلاما وأكثر عرضة للأخطاء، وربما قد لا تكون تلك البرامج كافية لتأدية الغرض الذي تتوخاه الدولة. وهذا ما لم يحصل وهو ما أصبحت عليه حالنا في لبنان في هذه الفترة العصيبة بعد تلك المماطلة والاستعصاء”.
الوفد
بدوره، أكد الوفد على الدور الذي يقوم به الرئيس السنيورة في “رص الصف الوطني الداخلي، ومن ذلك ما يقوم به لناحية العمل على تدعيم مواقف الرئيس سعد الحريري بما يسهم في تعزيز صموده في مسيرته السياسية الإصلاحية والنهضوية”.
وشدد على أهمية “استعادة دور الدولة السيادي وحصرية سلطتها ودون منازع على كامل أراضيها، وكذلك على أهمية الالتفاف حول المؤسسات الوطنية”، معتبرا انه “من الواجب العمل الجدي على دعم كل محاولات الإصلاح بإعادة الاعتبار لمبادىء ومعايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق ضمن أطر احترام وتعزيز المؤسسات الرقابية والقضائية الدستورية، وذلك بكل تجرد وحيادية وبعيدا عن الاستهداف السياسي”، مؤكدا “أهمية وضرورة المبادرة إلى احترام التزامات لبنان الإصلاحية التي تبناها والتزم بها لبنان في مؤتمر سيدر، وفي مؤتمرات باريس السابقة. وهي الأمور التي تفترض شفافية في التعامل وجدية ومثابرة والتزاما من أجل اعتماد الإجراءات الصحيحة التي تحقق النهوض الذي يسعى إليه اللبنانيون”.