كتب ابراهيم حيدر في “النهار”:
بعد جلسة حكومة تصريف الاعمال التي أقرت بنوداً في جدول أعمال غير مقصور على التربية، يتركز النقاش في الأوساط التربوية على كيفية انقاذ السنة الدراسية أو ما تبقى منها تجنباً لخسارة ما تبقى من رصيد في التعليم الرسمي واستمراريته بالحد الادنى من التعويض. فمجلس الوزراء لن يعود إلى الانعقاد في ظل الانقسام السياسي في البلاد، ولن يكون قادراً أصلاً على رفع سقف التقدمات أو إقرار مطالب إضافية للمعلمين في القطاعين. وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واضحاً في السقف الذي حدده في الجلسة التي سميت تربوية، فلم يمنح الاساتذة ما يصبون إليه رغم إصرار وزير التربية عباس الحلبي على رفع التمويل وزيادة المساعدات، خصوصاً بعد تمنّع الجهات المانحة عن تقديم دعم لحوافز بالدولار للمعلمين، مرتبط بموقفها من الحالة السياسية في البلاد. ما قدمته الحكومة هو السقف المتاح الذي حصلت عليه التربية، ويتضمن استفادة المتعاقدين في المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس الفنية من بدل نقل يومي عن 3 أيام أسبوعياً كحد أقصى، بمبلغ 200 ألف ليرة حيث ُفتح اعتماد إضافي بقيمة 374 مليار ليرة لتغطية الكلفة وتأمين اعتماد إضافي بقيمة 24.6 مليار ليرة لبنانية لدفع المساعدة الاجتماعية للمتعاقدين. وهذا كان متوقعاً بخلاف الرهانات التي صارت بمثابة اوهام لدى قطاع المعلمين من أن الإضراب المفتوح والمقاطعة وإقفال المدارس ورفع شعارات شعبوية يمكن كلها أن تحقق المطالب، لكنها قوبلت بتجاهل لمعظمها، يعود في جزء منه لأسباب سياسية وأخرى مرتبطة بقدرة الدولة على منح تقدمات في حالة شبه إفلاس، وثالثة هي أن اي مساعدات إضافية للتعليم ستحرك كل قطاعات الموظفين لطلب المساواة.
تحديد سعر صيرفة خاص بالاساتذة على اساس 20 الف ليرة لبنانية، وفق ما تطالب به الرابطات، لم يُقر، وجل ما يمكن أن يوافق عليه حاكم مصرف لبنان هو حسم 20 في المئة من سعر صيرفة الحالي البالغ 42 الف ليرة مصرف لبنان، ليصبح 33 الف ليرة ويشمل كل موظفي القطاع العام، وهو اقتراح رفضه الأساتذة، مطالبين بتقدمات ايضاً بالدولار الأميركي تصل الى 200 دولار شهرياً تضاف الى الرواتب الثلاثة وبدلات النقل والانتاجية وزيادة الاستشفاء وغيرها، وهي مطالب لا يمكن تحقيقها في ظل الوضع الحالي، ما يعني أن الحكومة والمعلمين يتبادلان المسؤولية في المقامرة بالتعليم وبالسنة الدراسية.
إذا كانت الأزمة تطال كل قطاعات التعليم في الرسمي والخاص، إلا أن المدارس الرسمية باتت في وضع لا يمكن التغاضي عنه، وهي معرضة للإقفال وحتى انتهاء وظيفتها ما لم يشعر الجميع بحجم الاخطار والابتعاد عن سياسة المقامرة بالتعليم، من خلال البحث عن تسويات بتقديم تنازلات والتخلي عن الشعبوية في مقاربة المطالب وخفض السقوف، وإن كانت الاوضاع مزرية، إذ أن التمترس خلف مطالب تعجيزية ومحاولة استثمار قوى سياسية في آلام المعلمين، وتوظيف الاقفال لمصالح ضيقة، يضع التعليم الرسمي أمام منعطف مصير ي، ويُفقد في الوقت ذاته الحركة النقابية التعليمية مصادر قوتها واستقلاليتها.
يوم الإثنين المقبل يكون اضراب المعلمين وتعطيل الدروس في الرسمي قد دخل يومه الـ43، فإذا استمرت الامور على ما هي عليه، سنكون أمام نهاية مأسوية للسنة الدراسية بحيث لا يمكن تعويض الفاقد التعليمي لما تبقى من السنة، وفي الوقت ذاته تتراكم الخسائر في وضع المدرسة الرسمية ذاتها. لذا يمكن للرابطات التعليمية تلقف ما مُنح من تقدمات، وإن كانت غير كافية، كمخرج من دائرة المراوحة وربط النزاع استعداداً لتحصيل حقوق ومطالب إضافية، حماية للتعليم ولمستقبل الأساتذة والتلامذة. هذا يستدعي أيضاً الابتعاد عن النعي المسبق للسنة الدراسية وايضاً الشعارات الشعبوية التي تقول: إما إقرار كل المطالب أو نهاية المدرسة… وهو كلام يصب في خانة المقامرة بالتعليم كما يريد البعض في السلطة …
المصدر: النهار