خاص Lebanon On Time – خالد أبو شام
تتعاظم ظاهرة السلاح المتفلّت في لبنان بشكلٍ لافت وغير مسبوق، فلا يكاد يمضي يومٌ إلا وتسمع فيه عن حادثة قتلٍ هنا، وحادثة سلبٍ هناك، في ظلّ انتشار واسع للسلاح على كافة الأراضي اللبنانية، يستعمله الكبير والصغير، الرجل والمرأة، أنّى شاء، وفي أيّ وقت يشاء، دونَ أن يقيمَ أي حساب لسلطة أو قانون.
ونتيجة تفشّي هذه الظاهرة المُخيفة في المجتمعات اللبنانية بشكلٍ مُثير للغرابة، تجد حوادث القتل والسلب في أزهى فتراتها، وسطَ غياب مُريبٍ للأجهزة الأمنية التي باتت شبه عاجزة عن معالجة هذه الحوادث بسبب قلّة إمكانياتها العددية واللوجستية الناجمة عن تقصير واضح من قبل الدولة بحقّها، حتى باتت هذه الأجهزة في شلل شبه تامّ بعدما قضت الأزمة الاقتصادية على أغلب تجهيزاتها وإمكاناتها، فلا محروقات للآليات إلا بالقطّارة، ولا رواتب للعناصر إلا بضع ليرات لا تكفي لخمسة أيام، ولا أيّ مقوّم يبعث على الصمود، ومواجهة الأخطار المُحدقة بالمواطنين.
وحِيالَ هذا الواقع المُطبِق، باتَ المواطن اللبناني لا يأمَن على نفسه لا في الليل ولا في النهار، ففي الليل يتحاشى السير على الطرقات خوفًا من السلب و التشليح خاصةً وأن الطرقات في لبنان، لا سيّما في مدينة طرابلس باتت مظلمة بمعظمها نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بشكل كُليّ، فأصبحت مُتَسَكَّعًا للعصابات، وأماكن خصبة للزعران والحشّاشين ومُتعاطي المخدّرات، وليسَ ذلك مُقتصرًا على الليل فقط، ففي النهار هناكَ حوادثَ مشابهة تتصاخبُ على أعين الأجهزة الأمنية من سلب وقتل وإطلاق نار “على الفاضي والمليان” وبشكل عشوائي يحصد يوميًّا خيرةَ شباب الوطن من الأبرياء الذين لا ذنبَ لهم سوى أنهم وُجِدوا في مستنقع الأزمات “لبنان” حيث الانحطاط، وتدنّي قيمة الإنسان، وحيث الظلم والطغيان وحكم المافيات وأرباب الفساد والإجرام.
وحدّثْ ولا حرجَ على إطلاق النار العشوائي الذي يطال المواطن في عقرِ داره، ويُفسد عليه أمنه ومعيشته حتى في بيته، فلم يعدْ إطلاق النار مقتصرًا على المشاكل والشجارات فحسب، بل تعدّى ذلك ليصبح فلكلورًا لبنانيًّا عامًا، يُرافق الناس في كل تفاصيل حياتهم؛ ففي العرس يُطلق الرصاصُ، وفي الموت يُطلق الرصاصُ، وإبّانَ صدور النتائج المدرسية يُطلق الرصاصُ، وفي الخطابات السياسية ذات الأمر، ولا نبالغ أن نقول، حتى في حالات خاصة مثل الولادة والطلاق وشراء المنزل والحصول على وظيفة يتمّ إطلاق النار أيضًا. وتجدر الإشارة إلى أنّه ثمَّة حالات يُطلَقُ فيها الرصاصُ ليسَ لأي سبب سوى مزاجية المُطلق العابث بأمن الناس وأرواحهم، و الضارب عرضَ الحائط بكلّ المعايير والقيم الإنسانية التي تُقدّس روح الإنسان وحياته وأمنه، وتمنع الاعتداء عليه وترويعه تحتَ أيّ ذريعة أو سبب، ولكنْ عندَ انهيار الدول، تتحوّلُ المجتمعات إلى غابة يأكل القويُّ فيها الضعيف، ولا يقيم وزنًا سوى لطغيانه وتسلّطه كما هو الحال تمامًا في لبنان، وفي طرابلس خصوصًا، حيث لا دولة تردع، ولا قضاء يحاسب، وإذا أوقفَ الجاني فإنّه يخرج بعد بضعة أيام وربّما تُضربُ له التحيّة، وكأنَّه لم يرتكب أي جرم، وسطَ فساد عميق جدًا جدًا جدًا، ينخرُ كلَّ مفاصل الدولة نخْرًا، ومحسوبيات هدّامة تقلب الحقَّ باطلًا وتقلب الباطلَ حقًّا، ما يوضح جليًّا، ويُثبت دون أي مجال للشكّ، واقعة إنهيار الدولة في لبنان، ونهاية مسلسل غرقها بشكل كامل، دونَ أن يقوم أصحاب القرار بأي عمل يوقف هذا الغرق، وكأنَّ ذلك لا يعنيهم في أي حالٍ من الأحوال.
فإلى متى سيبقى هذا التساهل بأمن الناس من قبل الدولة؟ وهل باتَ الإنسان في بلادنا رخيصًا لدرجة عدم التحرّك ولو شكليًا للمحافظة على أمنه وحياته؟