أقوى من وقع الاستقالة نفسها، جاء موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم، مشرّعاً ابواب لبنان الرسمي على صفحة جديدة بالغة التعقيد في سجّل علاقات لبنان بالاشقاء العرب. ذلك انه اعلن للمرة الاولى منذ استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض في 4 الجاري، “ان ما حصل ليس استقالة حكومة بل اعتداء على لبنان وعلى استقلاله وكرامته وعلى العلاقات التي تربط بين لبنان والسعودية… وان استمرار احتجازه في المملكة يشكل انتهاكا للاعلان العالمي لحقوق الانسان، لان رئيس مجلس الوزراء محتجز من دون سبب ويجب عودته معززا مكرماً.ولفت الى ان دولا عربية ” تدخلت من اجل عودة الرئيس الحريري الا انه لم يحصل معها اي تجاوب لذلك توجهنا الى المراجع الدولية.” فالى اين ستقود المواجهة اللبنانية مع المملكة التي تشق طريق التدويل؟ وما المدى الممكن ان تبلغه تداعياتها على لبنان خصوصاً بعدما أعلن المجلس الأعلى الامني السياسي السعودي عن اجتماع سيصدر عنه رد قاسٍ على مواقف عون؟ وهل اختارت الدولة الجنوح نحو محور اقليمي ام ان لديها من المعطيات والحجج ما يكفي ليبني عليها رئيس الجمهورية موقفه “الصاعق”؟
حذار الانزلاق: وفي غياب الاجابات الشافية الى حين عودة الحريري الموعودة لتدحض نظرية احتجازه، اذا لم تكن صحيحة، فإن مصادر معارضة للنهج السياسي الرئاسي الجديد، حذرت عبر “المركزية” من دفع رئيس البلاد الى مواقف اولى ارتداداتها السلبية ستكون عليه وعلى عهده بالذات، معتبرة ان الفريق الذي حرف الاستقالة عن جوهرها ومسبباتها بقوة اعلامه، هو نفسه يدفع في اتجاه استمرار تصوير المشكلة على انها بين لبنان والسعودية، خشية ان تتظهر مع عودة الحريري الحقائق الساطعة، حينما يشرح خلفيات خطوته فتنتقل انذاك المشكلة بين لبنان وايران وهو ما يحاول هذا الفريق قطع الطريق عليه، لابقاء طهران محيّدة عن الشاشة فيما هي السسب الاساس خلف كل ما يجري، واستمرار الاستثمار في ورقة تجييش سنّة لبنان ضد المملكة من خلال اتهامها باحتجاز حرية زعيمهم. ودعت الى القراءة جيدا في تزامن المواقف اللبنانية العالية السقف ضد المملكة مع تلك الايرانية التي عبّر عنها اليوم الرئيس حسن روحاني بقوله ان “التدخل السعودي السافر في بلد كلبنان ودفع رئيس حكومته للاستقالة أمر غير مسبوق في التاريخ… ومن المعيب والمخجل أن يترجى بلد مسلم الكيان الصهيوني لكي يقوم بقصف الشعب اللبناني”. وجددت التأكيد ان نجاح هذه الحملة من شانه ان يدفع بلبنان الى قعر هاوية لم يبلغها في تاريخه، فتصبح حاله كحال قطر لا بل اسوأ باشواط.
اسرار لم تعلن: وفي سياق متصل، كشفت معلومات مستقاة من مصادر عليمة لـ”المركزية” ان من بين بعض الامور السرية التي اشار اليها رئيس الحكومة في مقابلته المتلفزة، رافضا التحدث عنها، تفاصيل تتصل بزيارة مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي للبنان، وتحديدا في الشق المتعلق باستقباله، حيث اشارت الى ان الحريري ابلغ الرئيسين عون ونبيه بري عدم رغبته في استقبال ولايتي بعد الموقف المؤذي الصادر عن رئيس بلاده حسن روحاني الذي اعتبر فيه ان “لا قرار يتخذ في لبنان من دون اخذ موقف ايران في الاعتبار”، خصوصا ان لبنان لم يردّ على هذا الموقف بالشكل الرسمي المناسب، الا ان الرئيسين تمنيا عليه استقباله لان خلاف ذلك، ومن موقعه في رئاسة الحكومة، سيفسر على انه مثابة قطع علاقات. وبناء على رغبة عون وبري استقبل الحريري ولايتي، لكنّ المفاجأة كانت في تصريحه بعيد اللقاء، اذ اعتبر ان محور المقاومة انتصر على الارهاب في معركة فجر الجرود. فشكل الموقف الايراني المعطوف على تراكمات وممارسات عبق بها الحريري وكل مناهضي سياسة ايران في لبنان من الدفع نحو التطبيع الى المواقف المضادة للمملكة، الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
ماكرون يتمنى والحريري… راجع حاتشوفوا: وعلى وقع تمني الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان يتمكن الحريري من تقديم استقالته في لبنان، غرّد رئيس الحكومة للمرة الثانية خلال يومين قائلا: “بدي كرر وأكد، أنا بألف الف خير، وانا راجع ان شاء الله على لبنان الحبيب مثل ما وعدتكم… وحا تشوفوا”.
لقاء سني ووطني بعد العودة: وفي هذا المجال، تحدثت اوساط سياسية مواكبة لحركة الحريري لـ”المركزية” عن ان مرحلة ما بعد عودته الى بيروت لن تبعده عن السياسة كما يريد مؤيدو محور ايران، خلافا لما يعلنون، بل سيشارك في لقاء سنّي جامع يعقد في دار الفتوى، تنبثق منه هيئة متابعة تواكب مجمل خطواته من ضمن خطة الطريق التي يرسمها فتشكل غطاء سنيا ووطنيا كافيا للانطلاق في المسار الجديد. ويعقب اللقاء السنيّ آخر وطني واسع في بيت الوسط لتعزيز خط الاعتدال الذي يمثله الرئيس الحريري فيوفر له الحماية في خطواته والغطاء الوطني لخياراته وقراراته المستقبلية.
باسيل يلتقي الراعي: وبالتوازي مع مواقف عون “الواضحة والصريحة” في تحميل السعودية مسؤولية “إحتجاز” الرئيس الحريري وعائلته، ينشط وزير الخارجية جبران باسيل في عواصم القرار لنقل موقف لبنان الرسمي من قضية الاستقالة، وهو انتقل اليوم الى روما حيث التقى نظيره انجيلينو الفانو، وقال بعد اللقاء: “الحريري ليس حزب الله وأنا واللبنانيين لسنا حزب الله واذا كان لدى السعودية مشكلة مع ايران وحزب الله فلتحلها معه أو مع إيران لا مع اللبنانيين… فمن غير الطبيعي ان يكون رئيس حكومتنا في وضع غير واضح على رغم اعلان نيته العودة وليعد الى لبنان لإبداء رأيه بحرية.” واكد ان “هدفي من جولتي واحد وهو الحفاظ على استقرار لبنان وللأسف ما نواجهه مؤخرا هو تهديد للمسار الايجابي الذي كان لبنان يسلكه.” وكان باسيل زار بريطانيا والتقى وزير خارجيتها بوريس جونسون الذي اكد “حرص بلاده على استقرار لبنان وإبعاده عن اي تصفية حسابات اقليمية”. واكد باسيل “اولوية عودة الحريري الى لبنان حيث سيجد من رئيس الجمهورية الإصغاء العميق لكل العناصر والملفات التي قد يرغب في إثارتها”. وقبل توجّهه الى موسكو بعد غدٍ الجمعة، للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي اكد اليوم “ضرورة تسوية القضايا الحساسة في لبنان من دون تدخل خارجي” ، علمت “المركزية” “ان باسيل سيلتقي في روما البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليطّلع منه على اجواء لقائه مع الرئيس الحريري في الرياض”.
“العودة عدالة”: الى ذلك، كرر رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاء الاربعاء النيابي دعوته الرئيس الحريري الى العودة عن قرار الاستقالة، فقال “حتى بعد عودة الرئيس الحريري فإنه امام السيناريوهات المرتقبة اكرر ان العودة عن الإستقالة فيها عدالة وإستقرار، لبنانياً وعربياً، وليس فيها إستفزاز لأحد”، مطمئناً الى “ان رغم الأزمة التي نمّر بها، فإن لبنان ما يزال في امان سياسي وامني وإقتصادي، وان وحدة اللبنانيين كفيلة بحمايته وتجاوز هذه الأزمة”.
يصوّبون على المملكة: وليس بعيدا وفي موقف لافت، اعتبر مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار لـ”المركزية” “ان كل الكلام الذي يوجّه للرئيس الحريري، وتحديداً ما له علاقة بظروف وضعه في السعودية وكأنه في منفى او مُعتقل، الغاية منه “النيل” من المملكة”، مشدداً على “ضرورة ان نقف عند اسباب الاستقالة وليس شكلها”، واستبعد “ان يكون الكلام “الشديد اللهجة” الموجّه الى المملكة غايته الحرص على كرامة الرئيس الحريري بقدر ما هدفه “تحويل” الانظار عن اسباب الاستقالة، وهذا في اعتقادي ليس من مصلحة اللبنانيين، اذ عليهم ان يتناولوا اسباب الاستقالة بهدوء وتروٍ وحكمة ومن دون تحدٍ، لاننا نريد ان نبني وطناً، لا ان يكسر احد الاخر”.
المركزية