والسؤال الأساسي، بل الخوف الأساسي، على ما يقول هذا «المستقبَلي» إنه «عندما تهدأ في سوريا هل سينتقل مقاتلو القوى الحليفة للنظام، وعلى رأسهم «حزب الله»، من سوريا الى اليمن، ما يمكن أن يؤجّج الحرب هناك أكثر فأكثر؟.
ويضيف «أنّ الجانبَ السعودي يحتسب لهذا الأمر، ولذلك سيصعّد حملاتِه وهجماتِه ضدّ إيران و«حزب الله» وقد بلغ التصعيد ذروته باتهامهما بإطلاق الصاروخ الباليستي من خلال الحوثيين من اليمن على مطار الملك خالد الدولي في الرياض ليلة إطلاق القيادة السعودية حملتها لتوقيف المشتبَه بتورّطهم بالفساد.
في حين أنّ الجوّ الذي تشيعه الإدارة الأميركية بوسائل مختلفة يشير الى أنها اتّفقت مع موسكو على حلٍّ للأزمة السورية، وتدعو حلفاءها الى «ضبط النفس» في انتظار ما ستتوصّل اليه وروسيا في شأن مستقبل الأوضاع في سوريا، ويتزامن كل هذا مع ما يُبديه الجانبُ الروسي من سرور بالاتفاق الذي توصّل اليه مع القيادة السعودية حول تحديد سقف إنتاج النفط والذي يبدو أنه أدّى الى ارْتفاعِ سعر برميل النفط من 52 دولاراً الى 60 دولاراً، ما يعني، في رأي هذا المسؤول «المستقبَلي»، أن لا أحد من القوى الدولية الكبرى في وارد القيام بأيِّ عمل يشاغب على هذا الوضع.
هناك تهويل، يقول «المستقبَلي» نفسُه، ولكن «من المؤكّد أنّ المملكة العربية السعودية لا تريد إطلاقاً تحوّل نجران «جنوب لبنان آخر» تصبّ فيه إيران حمَمَ صواريخها بواسطة الحوثيين وحلفائهم في اليمن.
ويضيف: «القصة هنا هي قصة اليمن، بدليل أنّ الرئيس سعد الحريري ركّز في بيان استقالته على أزمة اليمن وارتباطها بلبنان، فالجانبُ السعودي لا يريد أن يكون إنهاء تدخّل «حزب الله» مقابل التسوية في لبنان، أي إنّ الرياض تعتبر أن لا شأن لـ»حزب الله» كي يتدخّل في اليمن ويورّط لبنان في الأزمة اليمنية، وأنه إذا كان يرمي من هذا التدخّل الوصول الى مساومة بينه وبين الرياض، فإنّ مثلَ هذه المساومة ترفضها القيادة السعودية وترى أنّ على الحزب أن يتوقّف عن التدخّل في الشأن اليمني عبر دعم الحوثيين في قصف الأراضي السعودية والتي كان منها الصاروخ البالستي الذي استهدف الرياض.
ولذلك تتّجه الأنظار، يقول «المستقبَلي» إياه الى القاهرة التي ستشهد غداً اجتماعَ جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بناءً على دعوة السعودية، وينتظر بعد انتقال الحريري من الرياض الى باريس أن يكون عنوانُ البحث في هذا الاجتماع «التدخّل الإيراني السافر في شؤون الدول العربية».
ولا يستبعد أن يطرح ممثلو بعض الدول استقالة الحريري بأبعادها وخلفيّاتها توصّلاً لبلورة موقف من الأوضاع في لبنان ومستقبلها، في ضوء المخاوف من الدخول في فراغ حكومي إذا لم يعد الحريري عن استقالته.
ويبدو أنّ الحريري، حسب هذا «المستقبَلي»، لن يكون في وارد العودة عن الاستقالة إذا لم يتلمّس «مرونةً» من «الطرف الآخر» إزاءَ شروطه التي يطرحها، وأنّ حديث وزير الخارجية جبران باسيل عن «إمكانية» عودة الرئيس المستقيل عن استقالته لا يكفي لأنّ الاعتراضَ على الحكومة لدى الحريري وحلفائه في الداخل والخارج سببه ما يعتبرونه «هيمنة طرف عليها»، والطرف المقصود هنا هو «حزب الله» وحلفاؤه من «تيار وطني حرّ» وغيره. وقد ساق الحريري هذا الأمر بين الأسباب التي علّل بها استقالتَه عندما أعلنها في الرياض قبل نحو أسبوعين.
على أنّ هذا السياسي «المستقبَلي» يؤكّد «أنّ الوضعَ السائد حكومياً وسياسياً في لبنان لا يمكن أن يستمرّ حتى ولو عاد الحريري عن استقالته، وأنه حتى ولو قُبِلَت الأسباب التي حتّمت هذه الاستقالة، فإنّ ذلك لن يسمح بإجراء انتخابات نيابية حرّة لأنّ نتيجتها ستكون «طابشة» لمصلحة فريق واحد».
لا توقعات كبيرة بعودة الحريري عن الاستقالة، لأنه سمع في الرياض كلاماً ما معناه «أنّ زمنَ المساكنة (اي مع حزب الله) قد انتهى وبدأ زمنُ المواجهة».
وهذا الكلام سيترجمه الحريري إصراراً على الاستقالة، ولكنّ الاستقالة لن تفضي بالضرورة الى تأليف حكومة جديدة سواءٌ أُعيد تكليفُه لهذه المهمة أو تمّ تكليف شخصية أخرى، فمن الآن وحتى موعد الانتخابات ثمّة مَن يقول إنّ تطوّرات، وربما استحقاقات كثيرة، ستحصل في لبنان وعلى مجمل ساحات المنطقة، وفي ضوئها قد يُبنى على الشيء مقتضاه لبنانياً على مستوى كل الأزمات الإقليمية.