ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الدورة العادية ال52 لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان حول موضوع “شرعة التعليم المسيحي للكنائس الكاثوليكية في لبنان”، في المقر البطريركي في بكركي. شارك فيها بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الارمن الكاثوليك كريكور بيدروس العشرين، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتاري، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ايفان سانتوس والاساقفة والرؤساء العامون والرئيسات العامات من مختلف الطوائف الكاثوليكية.
البطريرك الراعي
بعد الصلاة المشتركة افتتح البطريرك الراعي أعمال الدورة بكلمة رحب فيها بالحضور، وقال: “يسعدني أن أحييكم جميعا بالرب يسوع، وأرحب بكم في هذه الدورة العادية الثانية والخمسين لمجلسنا، وموضوعها العام: “شرعة التعليم المسيحي للكنائس الكاثوليكية في لبنان”. وإنا معا نرحب بالأعضاء الجدد، أصحاب السيادة المطارنة: الياس سليمان رئيس المحكمة البطريركية المارونية الإستئنافية، ومتياس شارل مراد المعاون البطريركي في الدائرة البطريركية للسريان الكاثوليك، ويوحنا-رفيق الورشا المعاون والنائب البطريركي في البطريركية المارونية؛ والأب وسام معلوف رئيس عام جماعة رسالة حياة”.
اضاف: “لقد ودع مجلسنا المثلثي الرحمة المطران جورج اسكندر، مطران زحلة السابق للموارنة، والمطران أندره حداد رئيس أساقفة الفرزل وزحله والبقاع السابق للروم الملكيين الكاثوليك. نصلي الأبانا والسلام لراحة نفسيهما، سائلين الله أن يرسل لكنيسته رعاة صالحين “وفق قلبه”.
وتابع: “تتناول دورتنا ثلاثة قطاعات: الأول، اعتماد “مشروع شرعة التعليم المسيحي في لبنان” بوجهيه النظري والتطبيقي، وإشكالية التعليم من حيث تعددية المرجعيات، وواقعه في المدارس، والمعلمون، وإيصاله إلى البالغين؛ الثاني، إجراء انتخابات إدارية؛ الثالث، الأوضاع الراهنة في لبنان وما يتصل بالكنيسة وأبنائها”.
وقال: “نستقبل صباح الأربعاء في الجلسة الأولى، نيافة الكردينال Leonardo Sandri رئيس مجمع الكنائس الشرقية مع مجموعة المنظمات المعنية، لمساعدة الكنائس الشرقية (ROACO)، وهم في زيارة إلى لبنان بحيث تشمل الزيارة المنظمات المعنية بخدمة المحبة، وتجمعات للنازحين العراقيين والسوريين. ثم في الجلسة الثانية من صباح الأربعاء يعقدون اجتماعا مع اللجنة الأسقفية لخدمة المحبة من أجل تنظيم التنسيق معها لجهة البرامج التي تقدمها وطرق تمويلها”.
وأعلن الراعي “ان موضوع التعليم المسيحي يلبي حاجة ملحة في زمننا بسبب المتغيرات التي أصابت في العمق إنساننا والعائلة والمجتمع، حتى أضحوا كلهم مثل حقل ينتظر الزرع لكي يعطي ثماره. إننا نتذكر مثل الزارع وكيف الرب يسوع بشبه نفسه بالزارع، وكلمة الله بالحب (راجع مر4: 3-8). ويريد ربنا اليوم وكل يوم أن يواصل هذا الزرع في تربة الأطفال والفتيان والشباب والبالغين، وفي الثقافات وقطاعات الحياة الزمنية، ويريد أن يواصله بواسطة رعاة الكنيسة أساقفة وكهنة، وبواسطة المكرسين والمكرسات، وبواسطة معلمي التعليم المسيحي والمعلمات. وقد أرسلنا في الأساس “لنعلم كل الأمم” (متى 19:28)، و”لنكرز بإنجيله في الخليقة كلها” (مرقس 15:16)”.
وقال: “هذا الإرسال قبلناه اساسا بالمعودية والميرون، ثم تجدد لبعضنا بالدرجة المقدسة وسلطان الكهنوت، ولبعضنا الآخر بالنذور الرهبانية. كلنا “مرسلون” ولكننا في الوقت عينه “تلاميذ”، على ما كتب قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي “فرح الإنجيل” (راجع الفقرات 119-121).
هذا التتلمذ، لكي يصبح إرسالا، يقتضي في آن معرفة أعمق لسر المسيح، واختبارا لمحبته. فلنفكر بالتلاميذ الأولين الذين حالا بعد تعرفهم على نظرة يسوع المحبة، راحوا يعلنون ممتلئين فرحا: “لقد وجدنا ماشيحا أي المسيح” (يو 41:1)؛ وبالسامرية التي حالما فرغت من الحوار مع يسوع واكتشفت محبة قلبه، أصبحت مرسلة وراحت تعلنه لأهل السامرة، فآمنوا “بفعل كلام المرأة” (يو 39:4)؛ وببولس الذي منذ لقائه الوجداني بيسوع المسيح، تحول من مضطهد إلى رسول ينادي بيسوع (أعمال 20:9).
اضاف: “وفي إطار هذه الدورة نلقي كالعادة نظرة على الأوضاع الراهنة في لبنان لندرك حجم واجبنا الراعوي، الروحي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي والانمائي، من خلال هيكلياتنا الكنسية، ومؤسساتنا المتنوعة، وأوقافنا. إن كنائسنا توفر في هذه القطاعات خدمات جلى، وتبذل الكثير من الجهود، وتتحمل عبئا كبيرا من التضحيات لكنها مدعوة اليوم لتضاعف العطاءات والجهود والتضحيات.
وتابع: “إن مؤسساتنا تدرك أكثر من سواها حجم الفقر المتزايد عند شعبنا، بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وبسبب اتساع رقعة البطالة، وارتفاع كلفة المعيشة، طعاما وكسوة واستشفاء وأدوية وتربية. وما يؤلم شعبنا ويؤلمنا بالعمق إهمال المسؤولين في الدولة، واهتمامهم بمصالحهم الخاصة، والظهور كأنهم لا يريدون بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية، لأنها تتنافى ومكاسبهم ونفوذهم وزعاماتهم، ولهذا السبب ضعف الولاء للبنان. ثم فيما كنائسنا ومؤسساتنا تعمل على تنمية الشخص البشري بكل أبعاده وتصقل شخصيته، نرى بكل أسف أن، في المقياس السياسي عندنا، لا يحدد المواطن بما هو ومن هو كإنسان، ولا يحدد بفكره وعقله وأخلاقه ونظافة يده وولائه للبنان، بل يحدد بانتمائه إلى الحزب والدين والطائفة، ويحدد أيضا بما هو أكثر اذلالا بانتمائه إلى هذا “الزعيم السياسي أو الطائفي””.
وقال : “أمام هذا الواقع، يبقى من واجب الكنيسة الراعوي الدفاع عن الشعب ولا سيما الفقراء والمظلومين، وإعلان المبادئ الدستورية والديموقراطية والثقافية، التي تنظم العمل السياسي وتنقذه من انحرافه، ومن أخطاره على الوطن والمواطنين، إذا ما انحرف. وهذا ما نختبره كل يوم. وإذا كانت الميليشيات العسكرية في معظمها قد توقفت، فلا يمكن القبول بأن يحكم لبنان بذهنية “ميليشيات سياسية”. لذا، يجب التربية على ذهنية أخرى لدى شبابنا وأجيالنا الطالعة. فلبنان قيمة حضارية ثمينة ينبغي الحفاظ عليها وتثميرها. وهو صاحب دور ورسالة في هذه المنطقة بسبب واقعه السياسي والجغرافي. وهو بالتالي عامل استقرار في محيطه، كما يشهد له الجميع. ولهذا السبب تعصف به رياح خارجية تؤثر في تكوين مؤسساته الدستورية وسيرها. لكن هذا لا يحرم اللبنانيين من إرادتهم الحره التي تولد من ولائهم للبنان أولا وآخرا”.
وختم: “كل هذه المواضيع سنناقشها في دورة مجلسنا الحاضرة التي نضعها تحت أنوار الروح القدس وشفاعة أمنا مريم العذراء، راجين لها النجاح من أجل نمو رسالتنا وشهادة حياتنا”.
سبيتاري
وقال السفير البابوي: “اعرب عن سعادتي لكوني معكم في افتتاح الدورة ال 52 العادية لمجمع البطاركة الموارنة الكاثوليكية. وانقل اليكم تحيات الحبر الاعظم البابا فرنسوا الذي يؤكد لكم صلواته لارض الارز”.
اضاف: “منذ وصولي الى لبنان بصفة سفير بابوي ما زلتم تستقبلوني بكل اخوة في كنائسكم ومجتمعاتكم. اشكركم بصدق نلتقي اليوم لنحتفل باجتماعنا حول التعددية في العادات الكنسية الموجودة في لبنان. ان الكنيسة مدعوة الى التجديد المستمر لطريقة اعلان الخبر الجميل وحب الله كي يتمكن اخوتنا واخواتنا من ملاقاة رحمة اللقاء مع الله من معرفته وحبه”.
وتابع: “وسط التحديات الكبيرة امام المجتمع الذي يتغير بسرعة، فان مهمة الكنيسة في نقل الايمان وتعليم الحياة الصادقة تصبح اصعب كل يوم في لبنان بسبب عوامل عدة، منها الجراح الناتجة عن الحرب ومحاولات المصالحة والصراعات المسلحة في المنطقة التي سببت عدم الاستقرار وخروج مئات الالوف من سكان بلاد مجاورة، بالاضافة الى الصعوبات السياسية والاقتصادية على الصعيد الوطني، دون ان ننسى تفاعل المجتمع مع كل الميول الرائجة على الصعيد الاقليمي والدولي”.
جلسات العمل
ثم بدأت جلسات العمل المغلقة التي ستستمر لغاية ظهر يوم الجمعة المقبل في 16 الحالي حيث سيصدر البيان الختامي ويتناول كافة المواضيع التي تم بحثها.