استهل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثالث من زيارته الراعوية الى قطر، بزيارة المبنى المركزي لمؤسسة قطر، يرافقه المطرانان سمير مظلوم وبولس الصياح، مدير مكتبه وليد غياض، الأب شربل مهنا، سفير لبنان حسن نجم، السفير البابوي فراشيسكو باديلا، النائب الرسولي لشبه الجزيرة العربية المطران كاميليو بلين ومدير المركز الكاثوليكي الأب عبدو ابو كسم.
واستمع الراعي الى عرض موثق حول إنشاء مبنى المؤسسة “ما يدل على مدى الاهتمام الحكومي بالتعليم والابحاث وتطويرها اضافة الى تنمية المجتمع، الأمر الذي ترجم بافتتاح فروع لجامعات عالمية في مؤسسة قطر التي تحضن اكثر من ستين جنسية من الطلاب من مختلف دول العالم”. وكان تركيز على ان الحكومة “تصرف نحو 2,8 من الموازنة لتمويل الأبحاث وتطويرها لمواجهة التحديات في عالم اليوم على مختلف الاصعدة”.
اما المحطة الثانية فكانت في المكتبة الوطنية، حيث كان في استقبال الراعي وزير الدولة حمد بن عبد العزيز الكواري، وكانت جولة في مختلف الأقسام الممتدة على مساحة 45 الف متر مربع، وهي مفتوحة على بعضها البعض وتتسع لنحو مليون و200 الف كتاب عدا الكتب الرقمية”.
وردا على سؤال عن رأيه في المكتبة، قال البطريرك: “انه انجاز رائع، هذه هي المكتبة الوطنية بمجموعة الكتب الموجودة فيها والتي يفوق عددها المليون، اود ان اهنئ الدولة القطرية الممثلة معنا اليوم بحضور وزير الدولة حمد بن عبد العزيز الكواري، حبيب الكتاب وحبيب لبنان، ونقول اليوم من خلال سفيرنا في قطر السيد حسن نجم: تهانينا كبيرة لقطر على هذا الإنجاز. كما نهنئ سمو الامير تميم، ففي الحقيقة ان ما رأيناه اليوم من مؤسسة قطر عامة والمكتبة، نفاخر به جميعنا، ليس فقط في قطر، لانه ليس فقط لقطر انما لجميع أبناء العالم العربي. نحن نعتبر ان هذه المكتبة تخصنا جميعا، وتعبر عنا جميعا، وهي تدل ايضا على الانفتاح الكبير الذي قامت به دولة قطر على العالم. ما من شيء يعني العالم ويدع الشعوب تلتقي مع بعضها البعض الا الثقافة والعلم، وهذا ما نحن بحاجة اليه اليوم. لا تخافوا من الانسان المثقف، انما خافوا من الانسان الجاهل. ولكن في الوقت ذاته، اذا لم تقترن الثقافة بالقيم الروحية والأخلاقية، وان لم يكن هناك حضور لله في حياتنا يصبح العلم اكبر وسيلة للدمار والخراب. هذا امر نشهده اليوم من خلال الاسلحة المتطورة التي تقتل الآلاف من دون رحمة، مما يعني ان هذا العلم، اذا انحرف عن واقعه، اي واقع رباطه مع مصدر العلم وهو الله، يصبح خطيرا جدا”.
أضاف: “أنا اؤمن بان هذه المكتبة ستكون لجميع الأجيال، لتقول لهم انه لا يمكننا ان نلتقي الا من خلال العلم والثقافة بشرط ارتباطهما بالقيم الروحية والأخلاقية، ويبقى الله هو مصدرها. نحن هنا لإعطاء هذه الشهادة لقطر ونهنئها على هذه الخطوة والتي اسمها مؤسسة قطر، ولا سيما هذه المكتبة العالمية فيها. لقد حققتم تقدما لافتا ومميزا، فمكتبتكم تميزت من كل النواحي وخصوصا من الناحية الهندسية بحيث هي تمثل مساحة واسعة مفتوحة على بعضها البعض لتعطي الرغبة في القراءة، ولتكون من دون حدود، وهي بذلك تؤكد ان العلم يبقى من دون حدود ايضا. ومن هنا نتمنى على وسائل الاعلام اللبنانية التي ترافقنا ان تخبر اللبنانيين الذين يضحون في سبيل العلم، ان في قطر هذه المكتبة العالمية الغنية، فليزوروها”.
يشار الى ان الأميرة موزة كانت قد وقعت على الكتاب الاول في المكتبة في حفل الافتتاح الرسمي في 15 نيسان الحالي، فيما وقع الامير تميم بن حمد آل الخليفة على الكتاب الذي يحمل الرقم مليون. بدوره قدم الراعي كتابا بعنوان “جذور المسيحية” يحمل الرقم مليون وواحد.
ويذكر أن المكتبة المزودة بأحدث التقنيات التكنولوجية، تشمل قسما مخصصا للأطفال وآخر لذوي الاحتياجات الخاصة وستديو للموسيقى وشاشات تفاعلية وأقسام تعنى بالتاريخ والعلوم وغيرها، بالاضافة الى متحف يحتوي على 4000 آلاف مخطوطة وخرائط تشير الى موقع قطر على الخريطة العالمية مع بداية القرن التاسع عشر. أما آلية الاستعارة والرد، فتتم وفق تقنية متطورة لا تستوجب وجود موظف.
وعن التعاون بين لبنان وقطر، أجاب الراعي: “من المفروض ان يكون هناك تعاون”، سائلا الكواري عما اذا كان هذا التعاون موجودا حاليا، فرد الكواري: “ان التعاون موجود وإن شاء الله سيتطور، وستشكل زيارة غبطة البطريرك بشكل عام دافعا لهذا التعاون”.
وتابع الراعي: “اللبنانيون منفتحون على العلم، واعتقد انه بإمكان شباب لبنان التعاون مع قطر للاستفادة من هذه المكتبة العظيمة”. فرد الكواري: “قطر محبة للبنان ولكل شعبه، واؤكد ان هذه الزيارة سوف تشكل دافعا اضافيا لمزيد من العمل والعلاقات بين البلدين والشعبين، والتي هي بحد ذاتها موجودة ولكن كلانا يطمح للمزيد منها”.
أضاف الكواري ردا على سؤال حول رأيه بزيارة الراعي الى المكتبة الوطنية: “انه انجاز عظيم من قطر، ولكنه للعرب وللعالم، ومثل هذا الإنجازات سيكون لها صدى طويل المدى على الثقافة العربية وحوارها مع الثقافات الاخرى. هذه المكتبة هي من بين الاحدث في العالم الان، وهي بنت هذا العصر من تكنولوجيا وثورة رقمية”.
وعدد مزاياها لناحية تصميمها وما تحتويه من كتب بمختلف اللغات، وقال: “ان منظر المكتبة الشفاف يعبر عن الشفافية التي تعيشها قطر والشفافية التي يجب ان تتمتع بها المعرفة في كل مكان. تصميمها فريد، فتكاد ترى المكتبة بكاملها بنظرة واحدة حتى تلك الطوابق الموجودة تحت الارض. هذا امر مميز جدا ومن حقكم كلبنانيين ان تفتخروا بهذه المكتبة كما نفتخر نحن بها. انني سعيد بهذه الزيارة التاريخية لرجل كبير من رجالات الدين والثقافة والفكر، انه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقد حرصت شخصيا على زيارته للمكتبة حيث وقع على آخر كتاب موجود فيها اليوم، وستكون هذه المكتبة اضافة نوعية للحياة الثقافية في قطر، هذه الحياة التي لها مركز مهم في بلادنا وهي قد جعلت من الدوحة عاصمة ثقافية في نشاط متواصل مع ما تتضمنه من متاحف ومؤسسة قطر واليوم المكتبة الوطنية التي ستشهد برامج ثقافية على مدى السنة، برامج تعكس دورها الفكري والحواري مع الثقافات الاخرى”.
وعن رأيه بوضع الراعي لحجر أساس اول كنيسة مارونية في الدول العربية، قال الكواري: “سعداء بهذه الزيارة التي لها رمزية خاصة وتشكل دليلا على مدى تسامح دولة قطر وانفتاحها، ومدى الحرية الموجودة فيها كحرية ممارسة الأديان. وان الجالية اللبنانية في الحقيقة هي من اهم الجاليات التي تحظى باحترام القطريين. فنحن ننظر الى اللبنانيين على انهم اخوة، وبالتالي وجود كنيسة خاصة بالموارنة وبقية المسيحيين هو انجاز نفتخر به ونعتز، وقطر ترحب بزيارة هذا الرجل الكبير لها”.
بعدها توجه البطريرك والوفد المرافق لزيارة متحف رئيس رابطة رجال الاعمال القطرية الشيخ فيصل بن قاسم بن فيصل آل ثاني، والذي كان في استقباله، وجال الجميع في اقسام المتحف الممتد على مساحة 200 الف متر مربع، واستمعوا الى شرح عن تاريخ موجوداته القديمة التي تنوعت بين مخطوطات وسيارات وسفن ومجوهرات، اضافة الى عرض للتراث التقليدي لقطر.
وقد افتتح الشيخ فيصل المتحف الخاص به في العام 1998 وهو يحتوي على موجودات فريدة ونادرة من العالم، بدأ بجمعها منذ 45 سنة من مختلف دول العالم. وتميز قسم من المتحف بعرض موجودات تخص مختلف الديانات ومن بينها المسيحية، ومنها الصلبان والأيقونات والاثاث الخاص بالكنائس وبدلات الكهنة، وهي تعود لقرون مضت. واشار فيصل الى ان الهدف من انشاء هذا المتحف “اتاحة الفرصة للجميع للتعرف على التاريخ بمختلف مراحله وقبول فكرة التطور لما فيه خير الانسان والإنسانية، فالحضارات والتاريخ لا يمكن تجاهلها والإ عشنا في الظلمة والجهل”.
بدوره اثنى الراعي على “الجهد الذي بذله الشيخ فيصل لجمع هذه الموجودات النادرة التي تغني حاضر الشعوب لما تمدهم به من صورة عن تاريخ مضى وشهد تطورا على مراحل حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم”.