بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “كما أوصاني الآب، هكذا أفعل” (يو14: 31)، قال فيها: “في هذه الرياضة الروحية التي ألقى مواعظها علينا مشكورا حضرة الأب داني يونس الرئيس الإقليمي للآباء اليسوعيين، وصلت إلينا وصية الآب من فمه لنعمل بها، نحن كأساقفة وضعنا الروح القدس لرعاية قطيع الله الذي أوكله إلينا ربنا يسوع المسيح، راعي الرعاة العظيم (1بطر5: 2-4). فنحرس النفوس التي افتداها بدمه، ونغذيها بكلام الحياة وبجسد الرب ودمه، ونسعى إلى تقديسها بنعمة الأسرار، ونحميها من الأضاليل والشرير والأشرار، ثم نجمعها برباط الحقيقة والمحبة”.
أضاف: “إننا، إذ نرفع، في ختام الرياضة، ذبيحة الشكر لله على ما سمعنا من كلام الحياة الهادي، وما حركت في داخلنا النعمة الإلهية من ندامة وتوبة وتجدد، وما عشناه من روح أخوة ومحبة، وما اتخذنا من مقاصد صالحة، نقدمها أيضا ذبيحة استغفار وتكفير عن خطايانا ونقائصنا وإهمالنا لجهة ما أوصانا به الله، وما قطعنا من وعد على نفوسنا يوم قلنا له “نعم”. فوضع يده السرية علينا لنكون خاصته وشركاءه في ملء الكهنوت بسلطان التعليم والتقديس والتدبير، ومنحنا نعمة الروح القدس لتهدينا وتعضدنا وتقوينا، فلا نستسلم لضعف، ولا نتراجع أمام صعوبة، ولا نفشل في الأمانة”.
وتابع: “كنا، في أسبوع الرياضة مقيمين هنا، مثل رسل المسيح، أساقفة العهد الجديد، في العلية، ومثلهم مواظبين على الصلاة بقلب واحد. وحل علينا الروح القدس، روح العنصرة، وهو إياه يرسلنا لنكون شهودا ليسوع (راجع أعمال1: 8، 13-14). وفي إنجيل اليوم، يستودعنا الرب سلامه لنحمله إلى شعبنا. وهو غير سلام العالم، لأنه سلام داخلي عميق، ينتزع من القلوب كل اضطراب وخوف”.
أضاف: “ما أحوج أبناءنا وشعوبنا، في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدسة ومصر وبلدان الخليج وسواها، إلى سلام المسيح ليمس قلوبهم المتألمة والمضطربة والخائفة لكي يثبتوا في الإيمان، ويصمدوا في الرجاء بقوة كلام المسيح الرب الذي يتردد من جيل إلى جيل: “سيكون لكم في العالم ضيق. لكن ثقوا، أنا غلبت العالم”(يو16: 33)؛ وليمس قلوب أسياد الحروب الذين يفتعلونها، ويفرضونها لأغراض اقتصادية وسياسية واستراتيجية، مخططين لها ومنفذين، ومؤججينها بدعمهم المنظمات الإرهابية ومرتكبي العنف، وبمدهم بالسلاح، وبتغطيتهم السياسية. وهي مأساة تشهدها بلدان منطقتنا الشَرق أوسطية، ويعاني منها شعبنا المشرد”.
وتابع: “نستمد سلام المسيح المعزي لأهالي الضحايا البريئة التي سقطت في هذه الأيام، بنتيجة تفجيرات وحشية مدانة هنا وهناك وهنالك من البلدان، شرقا وغربا. ونستمده لعائلات القتلى المغدورين برصاص مجرمين لا يخافون الله، ولا يهابون القانون، ولا يعطون حياة الإنسان أية قيمة. وكان آخر الضحايا منذ يومين الشاب المأسوف عليه جدا وعلى أخلاقه المرحوم روي حاموش من بلدة المنصورية. إنا، إذ نعزي والدَيه وعائلته، ونثني على شعبة المعلومات التي تمكنت من ضبط أحد القتلة، نأمل أن تلقي القبض أيضا على الباقين، وتُنزل الدولة فيهم العقوبة القسوى.
ونتساءل: أهكذا تستباح بدم بارد الحياة البشرية وقدسيتها في لبنان؟ إلى متى يستمر السلاح متفلتا ومتفشيا بين الأيدي؟ كيف يمكن قبول القتل المتعمد بالشكل الذي نراه، ويدخل الجاني في عملية قضائية روتينية كأي جنحة؟ كيف ترى تحمي الدولة عندنا حياة المواطنين من الذين أصبحوا يهددون أمن الجميع؟ وكيف تردع مخالفة الوصية الإلهية الصريحة: “لا تقتل”؟ فلتدرك السلطة السياسية أن هذا التهاون في العدالة والقانون يشجع المجرمين على مزيد من الإجرام ويكثر عددهم. وإذا استمرت الحالة على ما هي عليه والمجرمون يسرحون ويمرحون، سادت في لبنان شريعة الغاب، وفقد هذا الوطن كل ثقافته وحضارته”.
أضاف: “كما اوصاني الآب هكذا أفعل”(يو14: 31). لقد ذكرنا مرشد الرياضة في مواعظه وإرشاداته “بما أوصانا الآب”. لقد أوصانا بالأبوة الروحية لأبناء أبرشياتنا وبناتها، أبوة إنسانية عاطفية بمحبة راعوية ساهرة ومسؤولة، لا قانونية فقط؛ أبوة مستمدة ومستوحاة من أبوة الله وحنانه؛ أبوة تلطف الحرف بالروح، والعدالة بالرحمة والإنصاف. وبحكمها، أوصانا أن نعتني بالفقراء والجائعين من فيض عطايا الله بين أيدينا. وحده الجائع يعرف مرارة الجوع وخواء البطن. وبحكم هذه الأبوة، أوصانا بتعزيز العلاقات الطيبة مع وبين الجميع: في العائلة والمجتمع والكنيسة، بعيدا عن روح الانتقام والاتهام والسيطرة”.
وتابع: “أوصانا بالأمانة والحكمة في ما أوكل إلينا: في الدعوة الأسقفية وقدسية حياتنا فيها وما تقتضي من روحانية وفضائل؛ في مسؤوليتنا كأساقفة عن تنشيط الإيمان عند شعبنا، وتثقيفه بالتعليم الواضح والسليم، وحمايته من كل تضليل، وتغذيته بالصلاة؛ وعنالبلوغ بالمؤمنين إلى طلب الخلاص في الأسرار المقدسة وتقديس الذات بنعمتها؛ وعن السهر على شد أواصر الوحدة في أبرشياتنا ورعايانا وعائلاتنا برباط المحبة والحقيقة”.
أضاف: “أوصانا الله بالتمييز بين صوته واصوات أخرى معاكسة، داخلية وخارجية، تسمح لنا بسماعها على حساب الصوت الإلهي، معتدين بالسلطة الموكولة إلينا منه، هو الذي “أخذنا من بين الناس، وأقامنا من أجل الناس في صلتهم بالله” (عبرا5: 1). ومن واجبنا، في هذه الوصية، مساعدة شعبنا على التمييز المسؤول بين النعمة والخطيئة، بين الخير والشر، بين العدالة والظلم، بين الحقيقة والكذب”.
وتابع: “أوصانا برعاية سر الزواج الذي أسسه وافتداه وقدسه بحضوره ليكون الزوجان صورة الله الواحد والثالوث كجماعة حياة وحب. فأوكل إلينا العناية به، تحضيرا ومرافقة ونموا ومصالحة. وأوصانا براعوية العائلة من أجل المحافظة عليها كنيسة بيتية تنقل الإيمان وتعلم الصلاة، وخلية سليمة حية للمجتمع، ومدرسة طبيعية أولى للتربية على الحب النقي والقيم الأخلاقية والإجتماعية. وأوصانا بالشبيبة الذين هم مستقبل الكنيسة والمجتمع والوطن، وبالحركات الرسولية فهم مواقع شهود للإيمان، ومشتل للدعوات الكهنوتية والرهبانية، وخلايا حية للروحانية العائلية”.
أضاف: “أوصانا المسيح أخيرا لا آخرا أن نعمل ونتكلم باسمه لا باسم انفسنا. ما يقتضي منا الإصغاء اليومي إليه، ومعرفته، وتصميمه، واختباره في حياتنا”.
وختم الراعي: “بهذه الوصية المتنوعة من الآب، نختم الرياضة، ونعود طيلة الأسبوع المقبل لنتدارس في مجمعنا المقدس القضايا المطروحة علينا، ونتخذ التدابير والقرارات اللازمة، معتبرين المزيد مما “يوصينا به الآب لنعمله” (يو 14: 31)، رافعين المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.