لم يعد مبالغة القول إن لبنان على موعد مع ثلاثة أسابيع عصيبة ومصيرية في ضوء الاحتمالات الغامضة التي تحوط المساعي للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية قبل 15 الشهر المقبل، وهو الحد الفاصل بين انفراجٍ يطلق سراح الاستحقاق النيابي عبر تسويةِ «الربع الساعة» الأخير، وبين انفجار أزمةٍ سياسية – دستورية يصعب التكهن بالمدى الذي ستبلغه.
ومع العد التنازلي لـ15 مايو، ترتسم لوحة الاحتمالات على النحو الآتي: الاتفاق على قانون الانتخاب والتمديد بموجبه للبرلمان لأشهر عدة لاعتبارات تقنية، أو عدم الاتفاق وتالياً الذهاب الى «تمديد الضرورة» للبرلمان لنحو سنة تفادياً للفراغ، أو معاودة تعويم القانون «النافذ» المعروف بقانون «الستين» كمخرجِ «أمر واقع» يجنّب البلاد المنازلة القاسية بين معسكريْ «مع التمديد وضده».
وأظهرت الأشهر الأخيرة، كما الأعوام الفاصلة عن آخر انتخابات نيابية شهدها لبنان العام 2009، استعصاءً بلغ حد «الاستحالة» في توافق القوى السياسية على قانون انتخاب جديد، في انعكاسٍ شديد الوطأة للصراع المحوري والمفتوح على السلطة وتعديل التوازنات فيها لأسباب تتصل بإدارة الحكم والتحكم بالوجهة الاقليمية للبنان في اطار حرب تقاسُم النفوذ الدائرة في المنطقة.
واستناداً الى هذه الخلفية التي تحوط بالصراع على قانون الانتخاب، تهاوت أخيراً مجموعة من الصيغ التي طُرحت في المشاورات بين القوى السياسية، كالأكثري النافذ الذي عطّله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والمختلط بين نظاميْ الاقتراع النسبي والأكثري، والمركب كالتأهيلي القائم على الاقتراع الطائفي أولاً ومن ثم الوطني، والنسبية الكاملة في اطار لبنان دائرة واحدة أو دوائر عدة، اضافة الى اقتراحات أخرى.
ورغم مرور أسبوع من مهلة الشهر التي تشكل «الفرصة الاخيرة» بعدما كان عون استخدم حقه الدستوري بتعليق عمل البرلمان عشية جلسة كانت مخصصة لتمديدٍ ينذر بانقسامٍ طائفي في 13 الشهر الجاري، لم تشهد البلاد ديناميةً من النوع الذي يوحي باقتراب تحقيق خرق في الحائط المسدود، الأمر الذي ضاعف المخاوف من خطر الجنوح نحو المواجهة السياسية.
ولفت أمس كلام عالي النبرة لعون رفع فيه 3 «لاءات» حاسمة، حين قال: «لا يحلم احد بالتمديد لمجلس النواب او البقاء على القانون نفسه (الستين) او حصول أي فراغ»، معتبراً انه «آن الاوان لنتمكن من وضع قانون انتخاب جديد بعد ثمانية اعوام»، وهي المدة التي اعقبت انتخابات العام 2009 وشهدت تمديداً مرتين للبرلمان.
وجاء موقف عون في اللحظة التي تقتصر المناقشات حول سبل الخروج من مأزق قانون الانتخاب على «الكولسة» الجانبية بين القوى السياسية من دون رصد أي مؤشرات فعلية توحي بأن الملف وضع على نار حامية، بدليل تمهُّل الحكومة التي كانت قررتْ وضع يدها على «كرة النار» في تحديد موعد لاجتماعها في انتظار خرقٍ، وسط خشية من ان تتحوّل الحكومة «أسيرة» قانون الانتخاب، سيما بعد كلام رئيس «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) وزير الخارجية جبران باسيل عن أن لا أولوية حكومياً تتقدّم إقرار القانون، وهو ما أثار استياءً لدى أطراف عدة باعتباره مؤشراً إلى اتجاه لـ «استرهان» مجلس الوزراء.
وكانت «الدفعة» الأخيرة من الاقتراحات حول القانون راوحت بين مشروع تقدم به باسيل ويقوم على التأهيل عبر الاقتراع الطائفي على مستوى القضاء وبالاقتراع الأكثري، ومن ثم انتخاب أحد الفائزيْن الأوليْن عن كلّ مقعد بالاقتراع الوطني على أساس نسبي في 10 دوائر، واقتراح تدفع في اتجاهه الثنائية الشيعية (امل وحزب الله) ويعتمد النسبية الكاملة في اطار دوائر يتمّ التوافق عليها.
ولوحظ أنه في ظل انكفاء اقتراح باسيل وتراجع حظوظه بسبب تحفّظات علنية ومضمرة عليه من غالبية القوى السياسية، باشر الثنائي الشيعي هجوماً منسقاً بين حركة «أمل» و«حزب الله» على طريقة «العصا والجزرة» عبر محاولة وضع الجميع أمام خيار من اثنين، فإما اعتماد النسبية الكاملة وإما التمديد للبرلمان مع «لا» حاسمة للفراغ ولو لـ «ثلاث ثوانٍ».
(الراي)