اذا كانت لغة التخاطب المباشر مقطوعة بين بعبدا وعين التينة، الّا انّ اجواء الطرفين السياسية والاعلامية ما زالت ملتهبة باتهامات متبادلة وبإلقاء مسؤولية خرق القانون والدستور وتعطيل المرسوم على الطرف الآخر.
ويؤكد ذلك انّ هذا الملف ما زال محكوماً بمقاربتين متباعدتين، تعتبر الاولى انّ عون قام بما هو واجب عليه لجهة منح فئة من الضباط حقاً حرمت منه لأسباب سياسية وكيدية، وليست في خلفيته ايّ ابعاد تجاوزية لأي طرف، مع قناعته الثابتة بأنّ المرسوم لا يحتاج الى توقيع وزير المال في اعتبار انه لا يرتب اي اعباء او اكلاف مالية، اضافة الى قناعته بنفاذ هذا المرسوم من دون الحاجة الى نشره في الجريدة الرسمية.
واما المقاربة الثانية فتعتبر انّ عون أخطأ الخوض في تفاصيل خلافية عبر إطلاق شرارة المرسوم في هذا التوقيت، حتى لو كان مقتنعاً بأنه محق في توقيعه إضافة إلى رئيس الحكومة من دون الحاجة إلى توقيع وزير المال.
علماً انّ توقيع الوزير ايّاً كانت طائفته، واجب على هذا المرسوم لانه يرتّب أكلافاً مالية، كذلك فإنّ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً، هو امر واجب ايضا وفقاً لأحكام القانون الرقم 646 تاريخ 2 حزيران 1997، الذي يوجب نشر كل المراسيم، وكذلك وفقاً لما ورد في المرسوم المسبّب للأزمة في مادته الاخيرة حيث نَصّ حرفياً على الآتي «ينشر ويبلّغ عندما تدعو الحاجة».
واذا كان رئيس الجمهورية يعتبر انّ ما فعله ينسجم مع الدستور والقانون، ويندرج في إطار صلاحياته، وأنّ الوقت حان لإنصاف ضباط دورة 1994، فإنه وكما يقول بعض المقربين، يستشعر أنّ الهدف من اعتراض بري على المرسوم هو توجيه رسائل سياسية مشفّرة اليه، أبرزها أنه منزعج من الرئيس القوي، ولا يستسيغ الشراكة الواسعة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي تعزّزت بعد الدور الذي أدّاه عون في معركة إعادة الحريري من السعودية، لشعوره بأنها تهدد مصالحه الحيوية وموقعه كشريك في السلطة.
وكان عون اكد امس «انّ مرجعية المؤسسات في البلاد هي الدستور والقوانين، وانّ الاحتكام اليها هو خياره». ودعا الى «عدم تجاوزها واحترام القضاء الذي عملنا على تحسين أدائه».
وفي الوقت الذي عدّ فيه موقف عون رداً على ما نقل عن بري امام وفد المجلس العام الماروني، إعترفت اوساط «بيت الوسط» بصحة مضمون اشارة بري في دردشة مع مجموعة من الصحافيين امس، وتحديداً في قوله «عندما يصبح لدى الحريري مبادرة حل يقوم بطرحها»، وهو ما يؤكد انّ الحديث عن هذه المبادرة سابق لأوانه لعدم وجود العناصر التي تضمن إطلاقها.
وقالت هذه الأوساط لـ«الجمهورية» انّ الأفكار التي لدى الحريري «لم تكتمل بعد، والأصحّ انها لم ترق بعد الى مستوى المبادرة». واشارت الى انّ إجازة عيد الميلاد لدى الطائفة الأرمنية اليوم وغداً لن تشهد ايّ حراك بانتظار ما ستحمله اتصالات الأيام المقبلة.
في المقابل، أكد بري أن ليست لديه اي نية بالتصعيد، لكنه باق على موقفه الاعتراضي على المرسوم، معتبراً انّ الاشكالية قابلة للمعالجة طالما يخضع الامر لمواد الدستور والميثاق الوطني الذي ارتضيناه جميعاً بعد الطائف، الذي سبق ودفع ما يزيد عن 150 الف قتيل على طريق الوصول اليه. وجدّد التأكيد انّ الطريق الاسلم للمعالجة هو ترك الامر في يد رئيس الجمهورية كي يعالج الامور بحكمته.
وأوضح انه لا ينطلق في موقفه الاعتراضي على المرسوم بالطريقة التي قُدِّم فيها، من أي اعتبار فئوي، بل يستند إلى التزامه بالأصول الدستورية والقانونية التي تحتّم وجود توقيع وزير المال على هذا المرسوم كونه يرتّب كلفة مالية مباشرة وغير مباشرة، معتبراً أنّ القفز فوق هذا التوقيع الالزامي ينطوي على انتهاك لقواعد اتفاق الطائف وتوازناته. فقد سبق وقدمت الحل بأن يحال المرسوم الى وزير المال ليوقّعه، وعندها تصبح الازمة بحكم المنتهية.
بدوره، قال خليل لـ«الجمهورية: «لا جديد في ازمة المرسوم، ولا تراجع عن ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم الاقدميات. واذا أصرّوا على عدم توقيعه فالازمة ستمتد ربما حتى الانتخابات النيابية، وأبلغنا رئيس الحكومة بأن يرسل الينا المرسوم لنوقعه، وغير ذلك لا قبول لأيّ صيَغ أخرى».
اضاف: «لا أحد يعلم كم ستؤثر هذه الازمة على سائر الملفات والقضايا السياسية وكيف ستتطور الامور. نحن حتى الآن نضع الازمة في اطارها الدستوري، ولكن لا نعلم كيف ستتطور الامور التي قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات.
وحول طرح للحريري بالاحتكام الى جهة دستورية محايدة للفصل في هذا الملف قال: «من يفسّر القانون هو مجلس النواب فقط لا غير، والذي نحتكم اليه في كل القضايا الدستورية والقانونية».
(الجمهورية)