ألان سركيس
لم يكن يوم أمس عادياً بالنسبة إلى البطريركية المارونية، وهي التي تخوض معركة استعادة الدولة من «الدويلة» وردّ الإعتبار إلى المؤسسات وإسقاط كل احتلال ووصاية أجنبية على لبنان.
كانت عطلة نهاية الأسبوع حافلة في الديمان، فقد شهد المكان المطلّ على وادي قنوبين حيث المقرّ الصيفي للبطريركية زحفاً سياسياً وشعبياً، وهنا إستذكار للّحظات التاريخية التي عاشتها بكركي على مرّ الأيام حيث سار البطاركة والأساقفة «درب الجلجلة» مع شعبهم منذ البطريرك الأول مار يوحنا مارون في كفرحي، مروراً بكل البطاركة الذين سكنوا يانوح وإيليج ووادي قنوبين من ثمّ بكركي والديمان، كلّها محطات تاريخية ساهمت في رفع معنويات الشعب ومقاومة السلاطين والإحتلالات وأسّست لدولة لبنان الكبير.
وها هي المرّة الثانية التي يتحرّك الشعب بأقل من سنتين لنصرة الحقّ ومطالب بكركي، المرّة الأولى كانت في 27 شباط 2021 عندما هدّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بكركي بعد رفعها مطلب الحياد واستعادة الدولة وقال عبارته الشهيرة «ما تمزحوا معنا»، فأتى ردّ البطريركية بأنها لا تُهدّد و»بكركي ما بتمزح» فتحوّل هذا الأمر إلى تظاهرة شعبية تأييداً لمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي خاطب الجماهير بـ»لا تسكتوا».
ومنذ ذلك الحين، يحاول المتضررون من شعارات البطريرك ومطالبه تطويقه وتخويفه وإسكاته، في حين شكّلت قضية توقيف المطران موسى الحاج الشرارة التي أشعلت الإنتفاضة البطريركية والشعبية والسياسية، وكجرس إنذار قبل الإستحقاق الرئاسي بأن هناك فريقاً متحكّماً بمفاصل الدولة ويستعمل مؤسساتها ومن ضمنها المحكمة العسكرية لتحقيق أهدافه السياسية والنيل من المقامات الوطنية التي تدافع عن سيادة لبنان واستقلاله.
وإذا كان مطلب إقالة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي خرج من اجتماع سينودس الأساقفة الموارنة، إلا أنه بات مطلباً وطنياً بامتياز وردّدته الحشود التي زارت الديمان أمس متضامنةً مع المطران والبطريرك والبطريركية، خصوصاً أن هذا القاضي بات أداة لضرب كل معارضي «الدويلة» وكان له دور مشبوه خلال تحقيقات أحداث الطيونة وعين الرمانة، من ثمّ تابع المهمة المطلوبة منه عبر الإدعاء على المطران الحاج وتوقيفه كاسراً كل القوانين والأصول، لذلك رفض البطريرك استقباله.
شكّل لقاء الأمس في الديمان وزيارات نهاية الأسبوع مناسبة لتوجيه رسائل في أكثر من اتجاه، الرسالة الأولى هي سياسية بامتياز حيث تمّ التأكيد على مرجعية بكركي الوطنية وبأن لا أحد يستطيع تطويعها، وبأن التضامن هو مسيحي – إسلامي مع الصرح البطريركي، وكانت كلمة النائب أشرف ريفي أكبر تعبير عن هذا التضامن والذي أشاد بالمقاومة المسيحية التي حمت لبنان والدولة.
أما الرسالة الثانية فكانت شعبية ومفادها أن النبض حول بكركي ما زال قوياً، وأن الراعي هو القائد الشعبي لمقاومة تريد استرداد لبنان ومواجهة «الدويلة»، وبأن حملات التشويه الشبيهة بفترة الإحتلال السوري لن تثني الشعب عن استمرار مقاومته وإسقاط الإحتلال الإيراني وأدواته وإن تبدّلت بالشكل.
وبالنسبة إلى الرسالة الأقوى فقد وجّهها البطريرك الراعي في عظته وأمام الحشود معلناً انطلاق مرحلة عدم مهادنة السلطة التي وصف تصرفاتها بـ»البوليسية» وتنتهك كرامة الكنيسة، غامزاً من قناة بعض السياسيين الذين يسيئون إلى لبنان ودعاهم إلى البحث عن العملاء في مكان آخر «فأنتم تعرفون أين هم ومن هم»، وبالتالي فإن الراعي ردّ الصاع صاعين للسلطة وأكّد عدم سكوته عمّا حصل مع المطران الحاج، وأنّ هذا الحدث لن يبدّل شيئاً في مواقفه ومواقف البطريركية التي مرّت عليها ظروف أبشع بكثير وصمدت وستصمد في الوقت الحالي حتى استعادة الدولة وتحرير البلد.
شكّلت حادثة توقيف المطران الحاج مناسبة لإعادة طرح مسألة اللبنانيين المبعدين إلى إسرائيل ظلماً، وكذلك البحث في دور المحكمة العسكرية التي يقول عدد من القوى إنها تنفذ أجندة «حزب الله»، لكن الأكيد أن هذه الحادثة زادت عزيمة البطريرك في المواجهة، ما يدفعه إلى عدم التراخي في استحقاق رئاسة الجمهورية وفي الإستحقاقات المقبلة.
نداء الوطن