كتب ألان سركيس –
وقعت الإنتخابات البلدية والإختيارية التي كان من المفترض إجراؤها في أيار المنصرم، ضحية الإنتخابات النيابية، فالأولوية كانت لإعادة تشكيل السلطة التشريعية، في حين أنّه تمّ التمديد للمجالس البلدية والإختيارية عاماً كاملاً. ففي خضمّ التحضير لخوض الإستحقاق النيابي، فضّلت القوى السياسية بمعظمها عدم تجرّع كأس الخلافات البلدية والاختيارية، فأتى قرار التمديد لعام واحد.
لكنّ القوى الأساسية إشترت الوقت لأنّه لم يعد هناك مفرّ من التوجّه إلى الصناديق لاختيار الإدارات المحلية، في وقت يكثر الحديث عن ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية والتي تشكّل البلديات إحدى أهم ركائزها.
بعد جمهورية «الطائف»، تمّ إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية 4 مرات، المرّة الأولى بعد الحرب كانت عام 1998 في ظلّ الإحتلال السوري، من ثمّ أجريت عام 2004 في ظروف مماثلة، وبعد الإنسحاب السوري جرت الإنتخابات في دورتي 2010 و2016 وتم تأجيل انتخابات 2022 للظروف والأسباب السابقة الذكر.
ويراهن عدد من قوى السلطة على تأجيل هذا الإستحقاق مرّة ثانية لكي لا يحدث مزيد من التشرذم لأنّ التجارب السابقة ماثلة للعيان، لكنّ التمديد يعتبر مخالفاً للدستور ويُطعن به، وتنص المادة 10 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 على أن تكون مدّة ولاية المجالس البلدية ستّ سنوات، فيما عُدّلت مدّة ولاية المختارين وأعضاء المجالس الإختياريّة الواردة في المادّة 15 من قانون المختارين للمجالس الإختياريّة وصارت بدورها ستّ سنوات، بعدما كانت سابقاً أربع سنوات تبدأ من تاريخ الإنتخاب.
عند إجراء الاستحقاق للمرة الأولى بعد «الطائف» كان عدد البلديات 769 بلدية، ثمّ توسّع العدد ليصير 964 بلدية عام 2010 ومن ثم 1029 بلدية عام 2016، وحالياً يبلغ عدد البلديات 1112 بلدية، وجرت الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار 2016 على 4 دورات عكس الإنتخابات النيابية التي باتت تجرى في يوم واحد منذ انتخابات 2009.
وكما هو واضح فإنّ الإنتخابات البلدية ستجرى وفق قانون الإنتخاب الأكثري وليس النسبي، لأنّ النسبية ستساهم في شرذمة البلديات أكثر، بينما يتطلّب العمل البلدي فريق عمل متجانساً، كذلك فإن انتخاب المغتربين لن يكون متاحاً كما كان في الإنتخابات النيابية، مع أنّ لجنة البلديات النيابية لا تزال تنتقي الاقتراحات المقدّمة لتعديل القانون.
إلى ذلك، فإنّ كلّ الأجواء في وزارة الداخلية تدلّ على أنّ الإنتخابات البلدية والإختيارية حاصلة في موعدها في أيار من العام 2023 على رغم الشغور في رئاسة الجمهورية، وهنا يُطرح سؤال أساسي وهو: هل بالإمكان إجراء الإنتخابات في ظل وجود حكومة تصريف أعمال؟ وماذا يحصل إذا بلغنا المهل القانونية بانتهاء ولاية المجالس البلدية والإختيارية الممدّدة ورفض بعض القوى البرلمانية إجتماع المجلس النيابي لأنه يُعتبر هيئة ناخبة، للتمديد للمجالس البلدية؟
وفي السياق، يتمّ استرجاع تجربة عام 2016 حيث تمّ إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في ظل الشغور الرئاسي، وقد نجحت حكومة الرئيس تمام سلام يومها في إجراء هذا الإستحقاق، لكن حكومة نجيب ميقاتي هي حكومة تصريف أعمال ومطعون بميثاقيتها وسط رفض «التيار الوطنيّ الحرّ» تغطيتها.
من هنا، فإن الرأي الدستوري يؤكد أنّ حكومة تصريف الأعمال تستطيع إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، لأن هذا العمل يدخل في الدستور تحت مبدأ الضرورة لتأمين إستمرارية الإدارات المحلية المنتخبة، وبالنسبة إلى صرف الإعتمادات فإنّ حكومة تصريف الأعمال تستطيع الإجتماع أسوة بالاجتماع الذي حصل الأسبوع الماضي لتأمين هذه الاعتمادات بشكل قانوني، إذا كان هناك قرار سياسي بذلك.
أمّا في ما خصّ التمديد للمجالس البلدية والإختيارية فإنّه مخالف للدستور، وقد صدر عام 1996 إجتهاد من المجلس الدستوري يعتبر هذا الأمر غير دستوري ومنافياً لمبدأ تداول السلطة، لكنّ السلطات الحاكمة ورغم هذا القرار إستمرّت بالتمديد للإدارات المحلية حتى عام 1998 ومن ثم مدّدت لها لمدّة عام في 2022، لكن في حال لم يسمح القرار السياسي بإجراء الإنتخابات البلدية ولم يجتمع المجلس النيابي للتمديد بحجّة أنه هيئة ناخبة، عندها إمّا تستمرّ المجالس البلدية والإختيارية بحكم الأمر الواقع بتصريف الأعمال الضيق تحت شعار «إستمرارية المرافق المحلية»، أو تتمّ إناطة أعمال البلديات بالقائمقامين مثلما يحصل عندما تحلّ بلدية، لكن عندها تكون نهاية السلطات المحلية.
إذاً يعتبر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية الدرب الأسهل لإجراء الإنتخابات، ويشكّل إجراء هذه الإنتخابات على دفعات وليس بيوم واحد ضغطاً أقلّ على وزارة الداخلية، التي تستعدّ كما لو أن الإنتخابات حاصلة غداً. وإضافة إلى التحضيرات اللوجستية فإنّ لوائح شطب الناخبين ستصدر حكماً في حين أن الجهوزية الأمنية مؤمنة والأجهزة مستعدة لتغطية هذا الإستحقاق ولا يوجد سبب أمني قاهر لعدم إجرائها، لذلك فإنّ العوامل كافة تجتمع لإجراء الانتخابات في موعدها.
ومن جهة ثانية، فإنّ جهات دولية عدة تسأل عن هذا الإستحقاق وتفاتح كلّاً من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي في هذا الشأن، ويأتي الجواب بأنّ الحكومة ملتزمة إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في هذه الأثناء.
وتصبّ كلّ المعطيات لتؤكّد إحترام موعد الإستحقاق البلدي والإختياري، ما يعني أنّ الأحزاب والقوى والعائلات ستغرق في هذا المستنقع الكبير. وتنتهي ولاية المجالس البلدية والاختيارية نهاية شهر أيار المقبل ومن المفترض صدور دعوة الهيئات الناخبة قبل شهرين من موعد انتهاء الولاية الممدّدة، إلّا إذا قرّر وزير الداخلية تقديم موعد الانتخابات.
المصدر:نداء الوطن