لا تقل تطبيقات الألعاب الإلكترونية خطورة عما يحدثه الإدمان من اضطرابات سلوكية، بدلالة حالات الانتحار المتزايدة في العالم والمنطقة العربية، الأمر الذي استدعى تأهب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة من خلال إصدارها بياناً تحذّر فيه من ألعاب الانتحار. وللأهمية نظّم مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في وحدة الشرطة القضائية شرحاً يضيء على خطورة هذين التطبيقين بهدف نشر التوعية عن أبرز الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر الانترنت، بخاصة الألعاب الحديثة التي تؤثر بشكل سلبي على مستخدميها ولا سيما الأطفال. فماذا عن مخاطر اللعبتين على الأطفال؟
ليس في لبنان حالات انتحار ناجمة عن التطبيقين خلافاً للغرب والدول العربية، إلا أنه توجد حالات اختبرت مرارة الاكتئاب والتهديدات بالقتل والتحكم في الجهاز النفسي والعصبي للأطفال، ولا سيما أن اللعبتين تتوجهان إلى الناشئة دون عمر الـ18. وتتمثل خطورتهما بأنهما ينجحان في التأثير في المحيط بشكل تدريجي ولاإرادي، بحيث من السهل أن تتحول الضحية إلى ما يشبه الرجل الآلي الذي ينفذ كل ما يطلبه منه القائمون على اللعبة، وهو الأمر الذي تحدث عنه طالب لبناني أخذته حشريته الى إدمان لعبة «الحوت الأزرق»، متدرجا في المهمات الخمسين المطلوبة منه من الطلبات البريئة والعادية إلى رسم حوت على قصاصة من الورق، ومن ثم حفر رسم الحوت بالسكين على الجسم وطلبات منها قطع الشفتين أو تشويه بقية أعضاء الجسم.
ويروي الطالب بأن المشرف على اللعبة جعله في وضع نفسي سيئ، إذ طلب منه الاستماع إلى أغان غريبة وحزينة، والاستيقاظ في أوقات معيّنة من الليل وإرسال أدلّة تثبت أنّه أنجز المهمة المطلوبة منه، وبفعل إجاباته على العديد من الأسئلة التي وجّهتها اللعبة إليه، تمكن المشرف من الدخول إلى هاتفه الخاص والحصول على معلومات دقيقة عنه، قبل الطلب منه أن يقتل شقيقه، وإن لم يفعل فإنهم سيقتلون والدته. «وبفعل حالة الخوف التي أصابته من جراء مضمون الرسالة الأخيرة وفيها: «نعرف مكان السكن وتاريخ وفاتك»، تدخلت عائلته التي اكتشفت الأمر، فمنعته من استخدام هاتفه، مع عرض حالته على معالج نفسي».
وعلى الرغم من محدودية عدد الأولاد الذين أودت بهم ألعاب الانتحار إلى الموت في المنطقة العربية، فإن الأمر مأسوي في الغرب حيث أقدم على الانتحار في روسيا وحدها نحو 150 مراهقاً، فكان أن اعتقل مبتكر لعبة «الحوت الازرق» طالب علم النفس فيليب بوديكين (21 عاماً)، والذي أطلقها في العام 2013، قبل أن تنتشر عالمياً في العام 2016، وغايته القضاء على الأشخاص غير المنتجين في المجتمع من خلال لعبة الموت التي وجدت طريقها سريعاً في الانتشار. وينطبق الأمر نفسه على لعبة «مريم»، مستخدمة اللعب على وتر التعاطف مع طفلة تبحث عن ذويها، بحيث يتمكن المشرف على اللعبة من الحصول بطريقة غير مباشرة على البيانات الكاملة للاعب، ومن خلالها يتعرض للترهيب والابتزاز والطلب منه إنهاء حياته بالانتحار.
وبحسب علماء النفس في تقييمهم لألعاب الانتحار، فإنهم توصلوا إلى أن القيمين على تلك الألعاب يطرقون تقنيات نفسية وبرمجة لغوية عصبية لتدمير المقاومة لدى الطفل أو المراهق لفرض السلطة عليه، بحيث يصير الشخص غير قادر على رفض أوامر اللعبة، منطوٍ ومنعزل عن المجتمع. ومع الحشو المستمر للرسائل الخفية يتبرمج العقل الباطن من دون وعي من الطفل ممهداً لدخول عالم المرض النفسي كالشعور باليأس والإحساس بالذنب والقلق والاكتئاب. لينتهي به الأمر إلى الإنتحار.
قوى الأمن
وكانت حذرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة من التطبيقين بعد تلقي عدد من الإفادات من قبل المواطنين، حول أطفال تظهر عليهم علامات خمول ذهني ويحاولون الإنتحار نتيجة استخدامهم لتطبيقي «الحوت الازرق» و«مريم». وأوضحت المديرية بأن لعبة الحوت الازرق تتكون من تحديات لمدة 50 يوماً، وفي اليوم الأخير يطلب من اللاعب الإنتحار، وتؤمن للأطفال مكاناً افتراضياً يحاولون إثبات أنفسهم فيه، كما أن مصطلح «الحوت الازرق» يأتي من ظاهرة حيتان الشاطئ ويقول البعض أنها تقوم بالإنتحار طوعاً. وتنطوي هذه اللعبة على سلسلة من الواجبات التي تعطى من قبل المشرفين مع حث اللاعبين على اكمالها، وتتنوع هذه المهام بين السيء والمباح والخطر، ومنها: نحت عبارة «F57» او رسم حوت ازرق على يد الشخص او ذراعه باستخدام اداة حادة، ثم ارسال صورة للمسؤول للتأكد من ان الشخص قد دخل اللعبة. الاستيقاظ عند الفجر (الساعة 4.20) ومشاهدة مقطع فيديو يتضمن موسيقى غريبة تترك اللاعب في حالة كئيبة. مشاهدة أشرطة فيديو مخيفة كل يوم. إيذاء النفس أو محاولة جعلها تمرض. عدم التحدث مع أي شخص طوال اليوم. الإنتحار بالقفز من مبنى أو الطعن بالسكين.
وينطبق الأمر على لعبة الرعب «مريم»، وتتميز بمرئيات ومؤثرات مرعبة، تدور أحداثها حول طفلة تائهة يساعد اللاعب على إرشادها لتجد طريقها إلى المنزل عبر توفير إجابات على أسئلة شخصية قد تخترق خصوصيته. وتكمن مخاطرها في عدة أمور أبرزها: قدرة اللعبة على الحصول وجمع معلومات شخصية عن المستخدم، الأمر الذي ينتهك خصوصيته، ودخولها إلى ملفاته على هاتفه من دون إذن. تحفيز الأطفال والمراهقين على إيذاء انفسهم، بالإضافة إلى التأثير على طريقة تفكيرهم. استخدام رسائل تسويقية خاطئة ومضللة للترويج للعبة. دخول اللعبة في متاهات سياسية.
وحثت المديرية الأهل على توعية أبنائهم ومراقبتهم ومنعهم من تحميل هاتين اللعبتين والألعاب المماثلة كي يتجنبوا دخولهم إلى هذا العالم الافتراضي الخطير.
(المستقبل)