بدأ منسق قرارات مؤتمر “سيدر” والمكلف من قبل الرئاسة الفرنسية متابعة تطبيقه السفير بيار دوكين لقاءاته في بيروت من أجل التحضير لانطلاقة الإصلاحات والاستثمارات التي أقرها مؤتمر باريس في نيسان (أبريل) الماضي، بعد أن كان وصل إلى لبنان أول من أمس.
وجاءت زيارة دوكين مع انطلاقة الحكومة التي شابها في جلستها الأولى سجال حول الموقف اللبناني من مسألة إعادة النازحين، لم تنته إلى نتيجة، سوى أنها تركت آثارا سلبية لدى الرأي العام وأتاحت ظهور اجتهادات وتساؤلات في شأن الجهة التي تقع عليها مسؤولية تحديد سياسات الدولة.
ويحمل دوكين أسئلة حول الأولويات التي ستباشر الحكومة التعامل معها، سواء في بند الإصلاحات أو في بند الاستثمارات بدءأ بالتي توفر على خزينة الدولة النزيف الذي يفاقم عجزها، والكهرباء في الطليعة، انطلاقا من القاعدة القائلة أن الإصلاحات تشجع الدول والهيئات المانحة على توظيف الأموال في البنية التحتية اللبنانية لإنقاذ الاقتصاد المتهاوي.
وتذكّر جهات خارجية معنية بتطبيق “سيدر”، حسب قول مصادرها ل”الحياة”، بأن على الحكومة قبل البدء بخطواتها التي تأخرت بفعل العراقيل التي واجهت تأليف الحكومة، أن تجري تعيينات إدارية في القطاعات التي وضعت لها خطط وبرامج تطوير، معتبرة أن هذه التعيينات هي مقدمة لضمان انتظام العمل في الإدارات التي تسيّر هذه القطاعات، وأهمها تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للقطاع، فضلا عن الهيئة الناظمة للاتصالات، وللطيران المدني…
وما تتوقعه الجهات الأوروبية المعنية بآلية متابعة تنفيذ “سيدر” أن تأتي هذه التعيينات بعيدة من العشوائية والمحسوبية السياسية وأن تستعين بأخصائيين يعول على كفاءتهم في إدارة هذه القطاعات.
والتقى دوكين أمس عددا من المسؤولين اللبنانيين المعنيين بوضع “سيدر” على سكة التنفيذ، وفي مقدمهم منسق البرنامج الاستثماري مستشار الرئيس سعد الحريري نديم المنلا وعدد من المعنيين، والهيئات المانحة، على أن يواصل اليوم لقاءاته ويجتمع إلى كبار المسؤولين فيلتقي رئيس الحكومة الحريري بعد الظهر، ثم يشرح أهداف مهمته لوسائل الإعلام مساءاً.
وقال المنلا ل”الحياة” إن اجتماعات الأمس مع الجانب اللبناني بحثت البدء في الخطوات العملية حيث اتفقنا على أمور يفترض بالحكومة اللبنانية أن تبعث من خلالها بإشارات إلى المجتمع الدولي، عن مباشرتها تنفيذ مندرجات “سيدر” تحت 3 عناوين: الإصلاحات، أولويات المشاريع، وإقرار موازنة ال2019 . وقال المنلا إن التعيينات في القطاعات المعنية هي جزء من الإصلاحات.
الحريري لا يرى أزمة صلاحيات
وأوضحت مصادر وزارية أن إلحاح تطبيق “سيدر” كان وراء تشديد الحريري على عدم الغرق في الخلافات، والتركيز على تفعيل وعود البيان الوزاري بخطوات عملية، وعدم إضاعة الوقت في السجالات وافتعال التجاذبات. وهو سعى إلى تجاوز الأجواء التي نشأت عن السجال الذي جرى في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حول عودة النازحين والعلاقة مع سورية والخلافات التي ظهرت بسبب زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب المنفردة إلى سورية. ولفتت المصادر إلى أن إشاعة الحريري هذه الأجواء كانت وراء هدوء جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أمس برئاسته، حتى عندما جرى التطرق إلى الوضع السياسي بعد الانتهاء من بحث جدول الأعمال. ولم تتطرق الجلسة إلى التعيينات الإدارية.
وفيما كانت أوساط سياسية تراقب أداء الرئيس عون رأت أن موقفه في مجلس الوزراء الأسبوع الماضي شكل دليلا على السعي لقضم الصلاحيات، لأنه أعطى نفسه حق تحديد المصلحة الوطنية حصرا، في دفاعه عن العلاقة مع النظام السوري، متجاوزاً دور مجلس الوزراء ورئيسه، فان الرئيس الحريري حسب أوساط مقربة منه، لا يعتبر أن هناك ما يطاله في هذا المجال. وتقول أوساط رئيس الحكومة إنه على خلاف بعض المواقف التي صدرت لا يرى أن هناك أزمة صلاحيات مع الرئيس عون. وتعتبر أوساط الحريري أن رئيس الجمهورية قال كلاما كردة فعل على وزراء كانت لهم وجهة نظر مخالفة لرأيه وجوب التواصل مع الحكومة السورية من أجل تسريع عودة النازحين، حين احتدم النقاش لا أكثر، وأن مصادر حكومية أكدت أن مجلس الوزراء هو المولج دستوريا بتحديد السياسات العامة للدولة، وانتهى الأمر.
وتشير أوساط رئيس الحكومة ل”الحياة” إلى وضوح “بيان كتلة “المستقبل” عن أن التعاون بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء مسألة لا يصح ان تكون محل شكٍ أو جدل”. ونبهت الكتلة “من الرهان على العودة الى تجارب الاختلاف بين الرئاستين وتداعياتها، وكان حاسما في التأكيد على أن لا مشكلة صلاحيات مع عون”. وشددت الكتلة على أن “لا مصلحة وطنية على الإطلاق في استحضار أي شكل من أشكال المعارك المركبة حول الصلاحيات الدستورية”. وذكّرت الأوساط نفسها بأن الحريري حين دعا إلى تجنب المشاكل على طاولة مجلس الوزراء فهذا يشمل عدم افتعال خلاف بينه وبين الرئيس عون. ورأت الأوساط أن بيان “المستقبل” قطع الطريق على أي استرسال في الحديث حول العلاقات الرئاسية. والحريري لن يدخل في تفاصيل القيل والقال التي لا تؤدي سوى إلى إضاعة الوقت عوضا عن أن ننطلق بالعمل الجدي، لأن الأولوية في مكان آخر أي “سيدر”.
وعلمت “الحياة” في هذا المجال أن رئيس البرلمان نبيه بري أيد ما ذكره بيان “المستقبل” بأن لا مشكلة على صعيد الصلاحيات الدستورية.
ورأت أوساط الحريري أن لا صراع بين الرئاستين بل هناك من يعمل على تركيب معارك وهمية تحت عناوين معينة بين الفينة والأخرى، في وقت لدى الحريري برنامج واضح وفق البيان الوزاري و”سيدر”، يدعو إلى التركيز عليه بدل الانجرار إلى تسليط البعض الأضواء على قضايا أخرى، منها قضية ال11 بليون دولار التي يتولى “حزب الله” الترويج لها تحت عنوان مكافحة الفساد، لأهداف سياسية أخرى لا علاقة لها بهذا الأمر.
وأوضحت المصادر أن الواضح أن تكرار “حزب الله” إثارة قضية ال11 بليون دولار على أن وجهة صرفها غير معروفة له وظيفة سياسية وأنه يصوب على تيار “المستقبل” ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بهدف حرف الأنظار عن مسائل أخرى، على رغم أن المعنيين يعرفون كيف صرف هذا المبلغ بين 2006 و2009 ، فالجميع كان على طاولة مجلس الوزراء في حينها. ووزارة المال لديها كل التفاصيل والوثائق عن إنفاقه على مؤسسات الدولة وحاجات اللبنانيين بعد حرب 2006 الإسرائيلية ضد لبنان، لكن هناك من يريد أن يجعل منه بطولة وهمية، وقنبلة دخانية، ربما استباقا لصدور قرار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أوللتغطية على المطالبة بإجراءات تضمن جباية الدولة رسومها لاسيما الجمركية، في مواجهة التهريب الذي يتمتع بالحماية السياسية والجمركية.
(الحياة)