وأكدت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أن على الحكومة أن تحسم أمرها باعتمادها واحداً من الخيارين قبل 6 مارس المقبل، وقالت إن بعثة الصندوق تجنّبت في محادثاتها مع الجهات المعنية في الدولة وحاكمية «مصرف لبنان»، أن توصي بأي خيار يمكن أن يستقر عليه الموقف الرسمي.
ولفتت إلى أن بعثة الصندوق التي غادرت بيروت أمس، رفضت أن تنوب عن الحكومة في اتخاذ القرار، وعزت السبب إلى أن مهمتها محصورة في إبداء مشورتها التقنية بخصوص سداد سندات الدين لأنها ليست في وارد أن تتحمل التداعيات المترتبة على القرار النهائي للحكومة، وبالتالي حرصت على عدم إسداء نصيحة تتعلق بسداد الدين أو تأجيل سداده.
ورأت هذه المصادر أن الخيار الذي ستتخذه الحكومة يجب أن يتلازم مع التفاهم مع الجهات الدائنة، أي حاملي هذه السندات، ليكون في وسع الحكومة تمديد التفاوض معها لإعادة جدولة عملية سدادها.
وقالت إنه يمكن للحكومة الإفادة من تمديد التفاوض حول إعادة جدولة الديون شرط أن تتقدم بمشروع متكامل، خصوصاً أن موازنة العام الحالي لا تصلح، لأنها قائمة على أرقام وهمية تتعلق بالموارد التي ما زالت تتراجع منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بسبب الركود الاقتصادي والمالي الذي بات يدفع باتجاه مزيد من التدهور.
وعدّت أن تعهدات الحكومة للجهات الدائنة حيال الخيار الذي ستتخذه «تبقى منقوصة لأن الحسابات الواردة في موازنة عام 2020 يشوبها أكثر من شائبة لأنها تقوم على أرقام وهمية، وبالتالي لا خلاص للبنان من دون الحصول على مساعدات مالية عاجلة من دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية القادرة وصندوق النقد الذي لديه القدرة على تأمينها».
وقالت هذه المصادر إن دور البنك الدولي يقتصر على دعم تنفيذ بعض المشاورات، وسألت عما إذا كانت الظروف السياسية؛ أكانت عربية أم دولية، مواتية لتقديم المساعدة المالية للبنان، وسألت: «أين تقف الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل هي مستعدة الآن للتدخل لدى الجهات المانحة والطلب منها الإسراع في توفير الدعم لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان؟ خصوصاً أن الإفادة من مقررات مؤتمر (سيدر) لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية، ليست موضوعة الآن على نار حامية ما دامت الإصلاحات المالية والإدارية لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ مع أن مقرراته ليست كافية لأنها لا تؤمن ضخ السيولة المطلوبة لإعادة الانتظام إلى القطاع المصرفي».
وبكلام آخر، فإن مقررات «سيدر» مخصصة لتنفيذ رزمة من المشاريع الاستثمارية لإيجاد فرص عمل جديدة، وبالتالي فإن لبنان – كما تقول هذه المصادر – في حاجة إلى كفيل دولي للعب دور في تأمين حاضنة دولية وعربية تُسهم في إنقاذ لبنان، «فهل يتأمن، أم إنه لا يزال بعيد المنال لاعتبارات خارجية ومحلية تضعه على لائحة الانتظار، ولن يُدرج اسمه للإفادة من المساعدات ما لم يثبت أنه يلتزم بالأفعال لا بالأقوال بسياسة (النأي بالنفس) والابتعاد عن التحاقه بمحاور تصنّفه في خانة الانقياد للمحور الإيراني بضغط من (حزب الله)، خصوصاً أن الحكومات السابقة لم تلتزم بما تعهدت به في هذا الشأن؟».
وعليه، فهل ستبادر واشنطن إلى إطلاق الضوء الأخضر الذي يفتح الباب على مصراعيه لمساعدة لبنان «مع أن الترحيب العربي بولادة حكومة الرئيس حسان دياب لم يكن كما يجب، بخلاف ما تم الترويج له من جهات محلية محسوبة على (العهد القوي) في محاولة لتعويمها؟»، فالجواب عن هذا السؤال لا يزال، بحسب هذه المصادر، متعلقاً بـ«ردود فعل بعض الدول العربية وجهات دولية، مع أن البعض الآخر حصر موقفه في الترحيب بتشكيل الحكومة، لأن وجودها أفضل من استمرار الفراغ».
لذلك لا بد من مراقبة ما سيحدث من الآن فصاعداً بعد مغادرة بعثة الصندوق بيروت منهية جولتها الأولى من مهمتها الاستشارية التقنية.
لكن هذا لن يصرف الأنظار عن عودة ملف الكهرباء إلى التفاعل مع استعداد «الحزب التقدمي الاشتراكي» لعقد مؤتمر صحافي اليوم يؤكد فيه موقفه الرافض لاستمرار تسلُّط «التيار الوطني الحر» على إدارته منذ أكثر من 12 عاماً، رافضاً إعطاء الأولوية للحلول الدائمة على المؤقتة لاستجرار الكهرباء من البواخر التركية.
ويلتقي «التقدمي» في موقفه مع كل الأطراف المعارضة، وهو يتناغم أيضاً مع «كتلة التنمية والتحرير» برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يصر على المباشرة اليوم قبل الغد في إنشاء معملين لتوليد الطاقة لأنه من المعيب الإبقاء على الحلول المؤقتة.
ويصر الرئيس بري في موقفه على حشر الحكومة رغم أن «حزب الله» لا يحرك ساكناً في تبنّيه موقف حليفه على الأقل في العلن، مراعاة منه لحليفه الآخر «التيار الوطني»، علماً بأنه لم يعد أمام لبنان سوى الأخذ بنصيحة صندوق النقد التي هي بمثابة نسخة طبق الأصل من نصيحة مؤتمر «سيدر»، لأنه من غير الجائز الإبقاء على استنزاف مالية الدولة بخسارة تقدّر بنحو ملياري دولار، فيما يعاني البلد ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الدين العام وفي خدمته.
ويبقى السؤال: لماذا الإصرار على إبعاد ملف الكهرباء عن الشبهات، وهل من مبرر للسير في الحلول الدائمة بعيداً عن كل أشكال العمولة والسمسرة لأن الشفافية في حال اعتمادها لبناء معملين لتوليد الطاقة تحجز للبلد جواز مرور للحصول على مساعدات خارجية باعتبار أنه تخطى بنجاح اختبار مدى التزامه بوقف هدر المال العام ومكافحة الفساد، خصوصاً وهو يبحث عن مخرج لإعادة هيكلة سداد سندات الدين المستحقة عليه؟
(محمد شقير – الشرق الاوسط)