أمام تعاظم التحديات على غير صعيد داخلي وخارجي، تتوالى النداءات الوطنية وتتعالى الأصوات والصلوات تضرعاً لفكّ أسر البلد وكسر قيود التعطيل المكبّلة لعملية تأليف الحكومة، إنهاءً لحالة الاستنزاف التي أنهكت البلد واستنفدت مختلف طاقات قطاعاته الحيوية. وإلى خطر التدمير الذاتي الذي تجسده الذهنية التعطيلية المستحكمة بالأداء السياسي لدى بعض الأفرقاء اللبنانيين، كانت إسرائيل ولا تزال مصدراً مستداماً للخطر المتربص بالاستقرار اللبناني عبر جبهة الجنوب المفتوحة على مختلف الخروقات والانتهاكات للسيادة الوطنية، براً وبحراً وجواً، وصولاً خلال الساعات الأخيرة إلى نبش الأرض والحجج بحثاً عن «أنفاق» قد يكون حفرها «حزب الله» وتريدها تل أبيب أن تُشكل «ممراً آمناً» لها أمام المجتمع الدولي لكي تتسلل عبرها نحو استهداف لبنان بجيشه وشعبه ومقدراته. ولأنّ لبنان الرسمي يعي أنّ الاحتلال لا تعييه لا الوقائع ولا الذرائع في اختلاق مسبّبات التصعيد، أكد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أمس في إطار مواكبته للتطورات الحدودية على الجبهة الجنوبية السعي «مع كافة الجهات الدولية والصديقة المعنية» لدرء أي تصعيد جراء هذه التطورات، مشدداً باسم الحكومة اللبنانية على كون «الجيش اللبناني هو المعني بتأمين سلامة الحدود وبسط السلطة الشرعية على كامل الحدود»، مع تجديد الالتزام التام بالموجبات الكاملة للقرار 1701 وبالتعاون والتنسيق القائمين بين السلطات اللبنانية وقوات الطوارئ الدولية.
وإذ يتّجه لبنان عبر الخارجية اللبنانية إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل حول خروقاتها المتكررة للسيادة الوطنية والتي تُعد نحو 150 خرقاً شهرياً، نبّه الحريري إلى أنّ «ما يقوم به الجانب الإسرائيلي من خلال خرقه المستمر للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية يُشكل مخالفة مكشوفة ومرفوضة لقواعد القرار 1701، وهو ما فنّده الجانب اللبناني في الاجتماع الذي عُقد برئاسة قائد قوات الطوارئ في رأس الناقورة»، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر «سيكون محل متابعة من الحكومة اللبنانية مع الأطراف المعنية في الأمانة العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي».
وكان الجانب اللبناني قد شدّد خلال اجتماع «رأس الناقورة» الثلاثي أمس على «موقف الحكومة اللبنانية المُلتزم بالقرار 1701، والمتمسك بسيادة لبنان على أراضيه ومياهه البحرية وثرواته النفطية، والرافض لخروقات العدو الإسرائيلي»، معتبراً أنّ «مزاعم العدو المتعلقة بوجود أنفاق عند الحدود الجنوبية هي مجرد ادعاءات لحينه»، وطالب إزاء ذلك «بمعلومات دقيقة وإحداثيات عن الأماكن التي زعم العدو الإسرائيلي أنها تحتوي على أنفاق ليُبنى على الشيء مقتضاه»، مع التنبيه إلى وجوب «عدم قيام العدو بأي أعمال داخل الأراضي اللبنانية».
وعلى صعيد تحصين الجبهة الأمنية الداخلية من خلال بسط سلطة القوى الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية، برزت أمس كلمة للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان خلال انعقاد مؤتمر عن «إنجازات قوى الأمن الداخلي في مجال حقوق الإنسان»، تطرق خلالها إلى ما أثير خلال الأيام الأخيرة حول أحداث الجاهلية من دون أن يسميها، فأكد أنّ «أصحاب الحق في استعمال السلاح بالأمس لم يستعملوا حقهم في إطلاق النار»، وأردف: «نحن عندما نذهب لتوقيف الأشخاص نبدأ بإشارة قضائية وننتهي بإشارة قضائية، ونحن نعرف حقوقنا ونطلب منكم أن تعرفوا حقوقكم»، مضيفاً: «للأسف لا يمكن للمواطن أن يتذرع بجهله للقوانين فالحق هو حق ونحن نلتزم بالقانون التزاماً مطلقاً»، وسط تنويهه بأنّ نطاق عمل قوى الأمن الداخلي يشمل «كامل الأراضي اللبنانية لضبط الجريمة، والشعب اللبناني شعر بهذا التقدّم».
(المستقبل)