عدّل الرئيس سعد الحريري باستراتيجياته. فبعدما راودته فكرة إنشاء “ائتلافٍ سنّيّ” بالأمس، يبدو اليوم أنّه أزال هذه الفكرة من الوجود، وانصبَّ اهتمامه على تنظيم قواعده الشعبيّة ورفد تيّاره بتحالفاتٍ انتخابيّةٍ تعوضه عن المحتمل خسارته في القانون الجديد.
انطلق الحريري قبل فترة من إشارة سعوديّة فهم منها أنّها تفضّل أن يقود ائتلافاً سنّيّاً عريضاً يتفاهم معه حول نقاط سياسيّة مُحدّدة. كانت الفكرة السعودية يومها تقوم على أساس أن يجري سحب بساط “السنّة المعارضين” من أسفل حزب الله والتخفيف من وطأة تأثيره عليهم. كان الأمل أن يتمّ إخراجهم من عباءة المحور “الإيراني” وعدم تركهم رهينة نفوذ حزب الله، هكذا كان يردّد.
لكن حسابات البيدر تختلف عن حسابات الحقل، فلا الحريري يجد الكيمياء مع السنّة المعارضين له منذ الأزل، ولا هم توّاقون إلى مثل هذا التحالف، خاصّةً مع استشعارهم بأنّ الحريري يخسر شعبيته بشكلٍ متدرّج في العديد من المناطق، فلماذا يكونون رافعة له، ولماذا يكون هو مصدر رفد يقويهم حتّى؟ من هنا، كان انهيار الفكرة سريعاً قبل أن تتبلور على نحوٍ تنفيذي، وعاد الحريري إلى قاعدته الأساسيّة، كذلك فعل المعارضون.
وتجلّت تأثيرات التفافة الحريري على البقاع الأوسط، فبعدما نودي كثيراً بحلفٍ يعدّ له ويجمع الحريري بالوزير السابق عبد الرحيم مراد، تراجعت هذه الفكرة لصالح تباعدٍ واضح، إذ أعلن مراد علانيّة عدم إمكانيّة حصول “تحالفٍ انتخابيّ” أو “تشكيل لوائح مشتركة مع تيّار المستقبل” لماذا؟، الجواب على السؤال بسيط، وهو أنّ المستقبل تراجع عن التزاماته السابقة نتيجة التطورات اللّاحقة.
ويرى مراقبون أنّ شطب الحريري لهذه الفكرة، هو من نتائج التغييرات الأخيرة التي حصلت في السعودية، والتي تبدّلت على أثرها السياسات والتوجّهات العامّة، إذ يقال إنّ القيادة السعوديّة ستكون “راديكالية” في السياسة بعض الشيء لتتماهى مع قيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا يحتّم عدم الإفساح في المجال لأيّ تنازلات للفريق “الإيراني” وهذا ينسحب على لبنان أيضاً، فجرى نسف فكرة “الائتلاف السنّيّ”.
تأثيرات التغييرات السياسيّة وانقلاب المزاج لدى الحريري انعكس على مستوى الحلفاء السابقين أيضاً، إذ يُردّد أنّ “الشيخ سعد” استبعد إمكانيّة التحالف الانتخابيّ مع “الجماعة الإسلاميّة” وهو بصدد استبعاد أي مرشّح منها على لوائحه، وثمّة من يقول إنّ الحريري في حلٍّ من التحالف مع الجماعة في هذا الوقت بالتحديد.
أمّا وعن أسباب ذلك، فيعود إلى قصقصة السعودية لأجنحة “الإخوان المسلمين” في المنطقة، والجماعة الإسلاميّة في لبنان ضمنهم، والذي بدأ مع الحصار المفروض على قطر، ومن الطبيعيّ أنّ لا يغرّد الحريري خارج سرب المملكة، أو أن يأتي على لوائحه بتيّارات تعتبرها المملكة “معاديّة لها”.
وتقول مصادر معنيّة لـ”ليبانون ديبايت”، إنّ الحريري ربّما يلجأ إلى إيجاد مخرجٍ يحفظ عبره ماء الوجه، من خلال الاتّفاق مع الجماعة التي يحتاج إلى أصواتها في العديد من المناطق، على تسمية مرشّح “ذو خلفيّةٍ إسلاميّة قريب منها وغير منظّمٍ فيها” ليحلّ كبديلٍ على أحد مقاعدها، وهذا يكون قد كمش العصا من وسطها وأرضى الطرفين.