«البلد أهم منا جميعاً أم نحن أهم من البلد»؟.. تحت سقف هذا السؤال الوطني العريض الذي وضعه برسم «كل الكتل السياسية»، اختصر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تموضعه وتوجهاته الائتلافية في عملية التأليف إعلاءً لمصلحة الناس والبلد على ما عداها من مصالح حزبية ومحاصصات سياسية، مع ثابتة دستورية وحيدة تبقى لديه غير قابلة للمساومة وغير خاضعة للتنازل: «صلاحياتي واضحة ونقطة على السطر». أما عن «الصيغة الحكومية المبدئية» التي عرضها أول من أمس على رئيس الجمهورية ميشال عون، فالرئيس المكلّف أكد أمس رداً على أسئلة الصحافيين أنه مقتنع بهذه الصيغة ومنفتح على «الملاحظات إذا كانت قابلة للنقاش».
وعقب ترؤسه في «بيت الوسط» اجتماعاً مشتركاً لكتلة «المستقبل» النيابية والمجلس المركزي لـ«تيار المستقبل»، جدّد الحريري التأكيد على أنه شخصياً من وضع صيغة تشكيلة الحصص والحقائب ولم يُناقش بها أحد ثم سلّمها إلى عون، وأردف رداً على وصف تكتل «لبنان القوي» هذه الصيغة بأنها «رفع عتب» قائلاً: «الصيغة عند رئيس الجمهورية وأنا من وضعها وأعطيتها إليه ولا أحد ثالث بيننا، لا أفهم من أين أتى الآخرون بكل التحليلات التي يصدرونها أياً كانوا». وأضاف في دردشة مع الصحافيين: «إذا كانت لدى البعض ملاحظات على بعض الحقائب فليعلنها (…) في الصيغة التي قدمتها الجميع يقدم تضحية وأنا على رأسهم لذلك لا بد من صيغة لا خاسر فيها ولا رابح وتترجم في الوقت نفسه نتائج الانتخابات»، معرباً في الوقت عينه عن عزمه على استكمال التشاور مع رئيس الجمهورية وانفتاحه على الملاحظات التي يبديها، وسط التذكير بتعمّده الإشارة من قصر بعبدا إلى أنّ الصيغة المبدئية التي وضعها هي بينه وبين رئيس الجمهورية «لكي أحصر النقاش بيني وبينه».
وكان الرئيس المكلّف قد استعرض الوضع الحكومي والمراحل التي قطعتها المشاورات الجارية أمام اجتماع «المستقبل» المشترك، مشدداً على كون الصيغة التي يعمل عليها «تراعي صفات الائتلاف الوطني وتمثيل القوى الرئيسية في البرلمان وتؤسس لفتح صفحة جديدة بين أطراف السلطة التنفيذية من شأنها أن تعطي دفعاً لمسيرة الإصلاح والاستقرار»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «معايير تشكيل الحكومات يُحدّدها الدستور والقواعد المنصوص عنها في اتفاق الطائف، وأي رأي خلاف ذلك يبقى في إطار وجهات النظر السياسية والمواقف التي توضع في تصرف الرئيس المكلّف»، وسط تأكيده أنه «لن يفقد الأمل بالوصول إلى اتفاق حول الصيغة الجاري العمل عليها»، وأن «المسؤولية شاملة في هذا الشأن، والجميع محكوم بتقديم التنازلات وتدوير الزوايا وتوفير الشروط المطلوبة لولادة الحكومة».
وفي ضوء ذلك، سطّر المجلس المركزي لـ«تيار المستقبل» جملة مواقف في الشأن السياسي نبّه فيها إلى «موجبات حماية التسوية التي أسفرت عن تأمين أوسع مروحة وطنية لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والتوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية (…) والخطوة الأولى على هذا الطريق، تتطلب تشكيل حكومة وفاق وتذليل العقبات التي تعترض التشكيل والمهمات المنوطة بالرئيس المكلّف»، واضعاً في المقابل الدعوات لإلزام رئيس الحكومة المكلّف بمهل مُحددة للتأليف أو المطالبة بإعداد عريضة نيابية لحمله على الاعتذار «في خانة مخالفة الدستور وتعطيل تشكيل الحكومة» والسعي «عن سابق إصرار إما إلى الذهاب إلى حكومة بمواصفات ترشح لبنان لأوضاع اقتصادية وسياسية غير محسوبة، أو الذهاب إلى أزمة سياسية مفتوحة لا طائل منها»، مع تجديد التمسك «أكثر من أي وقت مضى باتفاق الطائف نصاً وروحاً» والتأكيد على أنّ «أي دعوة أو محاولة للخروج عنه أو للارتداد عليه خطوة للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء».
وفي معرض تشديده على عروبة لبنان رأى المجلس المركزي في الدعوات التي تُطالب «الدولة اللبنانية بمراجعة تموضعها الاستراتيجي وإعادة النظر في بعض علاقاتها الدولية والإقليمية، ضرباً من ضروب القفز في المجهول والتلاعب بمصالح لبنان وعلاقاته التاريخية»، مؤكداً في المقابل على «تموضع لبنان في محيطه العربي وفي نطاق جامعة الدول العربية تحديداً»، مع التنبيه إلى كون «الدعوة لخروج لبنان عن المسار التاريخي لعلاقاته العربية والدولية، تبطن وجود نوايا لدفع الدولة اللبنانية نحو خيارات غير مقبولة لا تتمتع بالحد الأدنى من متطلبات الإجماع الوطني، وتخالف بالشكل والمضمون روح اتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني، كما تخالف موجبات النأي بالنفس وما تعنيه من التزامات تجاه العالم العربي والمجتمع الدولي».