ترأس رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي اجتماعا للجنة التوجيهية العليا للنازحين في حضور وزراء التربية والتعليم العالي مروان حمادة، الخارجية جبران باسيل، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، مستشار رئيس الجمهورية الياس أبو صعب ومستشار الرئيس الحريري لشؤون اللاجئين الدكتور نديم الملا، منسقة الأمم المتحدة الخاصة للبنان سيغريد كاغ وسفراء وقائمي بأعمال وممثلي الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، النروج، هولندا، كندا، إيطاليا، اليابان، سويسرا، بلجيكا، السويد، أستراليا، الصين، فرنسا، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، وممثلي عن وكالات الأمم المتحدة العاملة في لبنان
استهل الرئيس الحريري الاجتماع بكلمة قال فيها: “أرحب بكم جميعا في الاجتماع الثاني للجنة التوجيهية العليا.
إن اجتماعنا اليوم فرصة جيدة لإعادة تأكيد المبادئ المتفق عليها في مؤتمري لندن وبروكسل. ومنذ اجتماعنا الأخير، حدث عدد من التطورات الهامة.
لقد قدمنا في مؤتمر بروكسل رؤية الحكومة حول كيفية التخفيف من تأثير أزمة النازحين السوريين على لبنان. ومنذ ذلك الحين، لا يزال العمل جاريا معا لوضع برنامج استثمار رأسمالي يمتد على عدة سنوات، وهو يشكل ركيزة أساسية من رؤيتنا، ويسرني أن أعلن أن المشاورات المتعلقة بالبرنامج ستنتهي في القريب العاجل.
وفي هذا الصدد، يقدر لبنان تقديرا كبيرا التزام المجتمع الدولي وتعاونه. إن مشاركتكم حاسمة للتخفيف من ضغوط أزمة النزوح على لبنان وضمان حصول النازحين السوريين على خدمات الرعاية الصحية والتعليم الأولية وتطوير مهاراتهم وتزويدهم بفرص عمل إلى حين ضمان عودتهم الآمنة إلى سوريا.
وأنا أقدر الاهتمام الهام الذي أعطاه كل واحد منكم لهذه المسألة، ومناقشاتي الفردية مع كل واحد منكم مفيدة للغاية. وما زلت أعتمد على جهودكم وأعتقد أنه من المهم توظيف هذه الطاقة بشكل جماعي من أجل التصدي بكفاءة للتحديات التي تواجه لبنان.
وعلى الرغم من التقدم الإيجابي الذي أحرز منذ مؤتمر بروكسل، ظهر مؤخرا عدد من التطورات ذات الصلة.
نحن نشهد تزايدا في التوترات بين السوريين واللبنانيين تؤكد تعب المجتمع المضيف وتثبت صحة ندائنا لزيادة الدعم للمجتمعات المضيفة.
ومما يثير القلق بالقدر نفسه، أن مستوى صرف المعونة الإنسانية إلى لبنان حتى الآن أقل من نصف المساعدة المعلن عنها في العام الماضي خلال الفترة نفسها. وعلاوة على ذلك، لا تزال التعهدات المعلنة لعام 2018 وما بعده محدودة، مما يحد من برامج المساعدة الحاسمة الممتدة على عدة سنوات مثل برنامج “RACEII“.
وفي الآونة الأخيرة، برز نقاش حول عودة السوريين. وهنا أود أن أكرر موقفي بشأن هذه المسألة بعبارات واضحة جدا.
أولا، نحن ندعم العودة السريعة والآمنة للنازحين السوريين، ومع ذلك، فإننا لن نجبر، تحت أي ظرف من الظروف، النازحين السوريين إلى العودة إلى سوريا.
ثانيا، سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ثالثا، سوف نتأكد من أن شروط عودتهم تمت تلبيتها بشكل صحيح ووفقا للقانون الدولي.
أيها السيدات والسادة،
لقد كان وقع أزمة النازحين السوريين ثقيلا جدا على لبنان. فالبلد بأسره يشعر بهذا الثقل، وقد أدى وجودها إلى تفاقم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية.
في الواقع، تم تشكيل هذه الحكومة مع العلم الكامل بأن اللبنانيين يتوقعون تحسنا إيجابيا في المجالات الرئيسية التي تؤثر على وضعهم المعيشي. كما أننا كنا ندرك أن عمر هذه الحكومة لن يكون طويلا نظرا للانتخابات البرلمانية القادمة.
وعشية تشكيل حكومتي، قلب لبنان صفحة الانقسامات السياسية والتقاعس الاقتصادي والشلل في صناعة القرار. واليوم، قمنا بتطبيع الحياة السياسية في لبنان، واعتماد قانون انتخابي جديد هو دليل على هذه الحقيقة.
وبعد تحقيق ذلك، نوجه تركيزنا الآن إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية من أجل تحسين الظروف المعيشية لجميع اللبنانيين.
ولا يشك أحد في حاجة لبنان إلى التحديث وتطوير اقتصاده، ولا أحد ينكر أهمية الشروع في عملية إصلاح هيكلي. ومن أجل الشروع في حملة على هذا النحو، يجب أن نهيئ الأرضية ونحفظ المؤشرات الاجتماعية – الاقتصادية. وبالنظر إلى ما ذكر أعلاه، ولا سيما بالنسبة للفترة الزمنية القصيرة لهذه الحكومة، فإن سياستي الاقتصادية تقوم على التقدم في الوقت نفسه على أربع ركائز تعزز بعضها بعضا:
أولا، لدفع عجلة النمو الاقتصادي، نعمل على تنويع مصادر النمو وبناء قدرات التصنيع، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص من خلال اعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطوير أسواق رأس المال.
ثانيا، الحفاظ على الاستقرار المالي: نحن ندرك تماما أنه من غير الممكن زيادة الضرائب اليوم. ومع ذلك، ما زلنا ملتزمين بالتصديق على قانون موازنة العام 2017، الموافقة على ميزانية العام 2018، وتحسين الجباية الضريبية، وتحقيق استقرار الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير.
ثالثا، للتخفيف من أثر النزوح السوري، لا بد من العمل معا لضمان ما يلي: 1 – استمرار المساعدات الإنسانية الكبيرة بالإضافة إلى الالتزامات الممتدة على عدة سنوات، 2 – تخصيص تمويل إضافي لمشاريع كسب العيش، 3 – المنح والتمويل بشروط ميسرة متاحة للمشاريع الاستثمارية لدينا.
رابعا، وربما الأهم، علينا الشروع في برنامج استثمار رأسمالي طويل الأجل لإعادة تأهيل البنية التحتية المستنفذة وتعزيز الخدمات العامة. ويتضح ذلك عندما ينظر المرء إلى أن النفقات الرأسمالية على مدى السنوات ال 12 الماضية تمثل أقل من 5 في المائة من مجموع نفقات الميزانية. في الواقع، تم استهلاك رصيد رأس المال لدينا قبل أن نستضيف 1.5 مليون نازح في لبنان.
أيها السيدات والسادة،
من الواضح جدا بالنسبة لي أنه لا يوجد مسار آخر للعمل، سوى التحرك على طول المسارات الأربعة المذكورة أعلاه، وقد اتُخذ بالفعل قرار بذلك. وكما تعلمون جميعا، فإن لبنان يتحمل عبئا ثقيلا جدا، وسنبذل قصارى جهدنا للتخفيف من حدة هذا الضغط. وإنني على قناعة بأننا لا يمكننا أن نفعل ذلك بمفردنا، ونحن بحاجة إلى دعم ومساعدة العديد من أصدقائنا في المجتمع الدولي”.