أسفرت المشاورات المكثفة التي قام بها الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ليل أول من أمس، مع عدد من الفرقاء السياسيين الرئيسيين المعنيين بالتركيبة الحكومية عن تعديل طفيف على التصور الذي كان أودعه لدى رئيس الجمهورية ميشال عون قبل عطلة عيد الفطر الأسبوع الماضي، لتوزيع الحصص الوزارية على الكتل النيابية، ما استدعى اجتماعه أمس مع عون، للبحث معه فيها للانتقال إلى البحث في الحقائب الوزارية للفرقاء الذين سيتمثلون في التشكيلة ثم إسقاط الأسماء عليها في مرحلة ثانية.
وقالت مصادر مواكبة للقاءات الحريري مع كل من «أمل»، «المردة»، «القوات»، و«التقدمي الاشتراكي» أن من النتائج التي توصل إليها قبول «القوات» بالتخلي عن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء الذي يصر عون على أن يسميه، مقابل حصولها على خمس وزراء بينها حقيبة سيادية يرجح أن تكون الدفاع.
أما بالنسبة إلى «الاشتراكي» فأوضحت المصادر أن الحريري أبلغه بتأييده لمطلبه حصر التمثيل الدرزي (3 وزراء) به. وقالت المصادر لـ «الحياة» أن الحريري أكد أن مطلب «الاشتراكي» الذي شدد على أن لا تراجع عنه لأنه الأكثر تمثيلاً للطائفة الدرزية وفق نتائج الانتخابات، منطقي مقابل تأييد الرئيس عون تمثيل النائب طلال أرسلان في الحكومة.
وأشارت المصادر إلى أن النائب السابق سليمان فرنجية كرر أمام الحريري مطلبه حصول «التكتل الوطني» (7 نواب) الذي يضم نواب «المردة» وفريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني وفيصل كرامي وجهاد الصمد، بوزيرين. وعلمت «الحياة» أن الحريري اقترح على عون أمس تصوراً لبنية الحكومة استناداً إلى مداولاته.
وقال الحريري لدى مغادرته قصر بعبدا: «كان اللقاء إيجابياً جداً، وبحثت مع الرئيس في مسألة تشكيل الحكومة والأحجام التمثيلية لمختلف الأطراف فيها، وآمل بأن يتم التوافق قريباً على هذا الأمر، خصوصاً أن الرئيس عون أبدى كل إيجابية في هذا الموضوع. سأواصل المشاورات مع كل الأفرقاء السياسيين حول المسألة، واعتقد أنه إذا واصلنا العمل وفق هذا المسار، يمكننا الانتهاء بسرعة كبيرة».
وعما إذا تم الحديث عن الأحجام والحقائب، أجاب: «نعمل على شكل الحكومة والحصص. وأصبحنا قريبين جداً وفق المعادلة الأخيرة التي وصلنا إليها، ولم يتبق سوى إجراء بعض المشاورات، ولن أسترسل في التوضيح كي لا تتم عرقلة التقدم الحاصل. ناقشنا الحجم الذي يطالب به كل فريق سياسي، والأمر يتطلب مشاورات سأكملها فوراً، وأنا على موقفي من التفاؤل».
ولفت إلى أنه «وفق المسار الذي نعمل عليه حالياً، أعتقد أن في إمكاننا الوصول إلى تشكيلة في أسرع وقت ممكن».
عون: لحكومة تعكس رغبات الشعب
وكان عون أكد أنه «سيسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس رغبات الشعب اللبناني وتوازناته، وتوصل صورة مشرقة إلى العالم عن عزمنا الأكيد كمسؤولين سياسيين، على السير قدماً في مشروع النهوض بالوطن والإصلاح والشفافية ومواجهة الفساد والمفسدين». وقال: «علمتنا التجارب أن الشعور بالقوة أو بالاستقواء من قبل طرف، أو مذهب، أو حزب في لبنان، يخلق عاجلاً أم آجلاً عدم توازن واستقرار في الحياة السياسية، لا بل أحياناً اضطرابات أمنية. واضعاً نصب عيني الوقوف من موقع مسؤوليتي، مدافعاً عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكونات هذا الشعب».
موقف عون جاء خلال تدشين المقر البطريركي الجديد للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في بلدة العطشانة- بكفيا. وألقى البطريرك إفرام الثاني عظة، شدد فيها على «أننا لن نسمح للفتن والمؤامرات اللعينة التي تحاك لهذا المشرق من النيل من وحدتنا الوطنية».
وقال عون: «يسرني أن أكون حاضراً افتتاح المقر الجديد لما يحمل هذا الحدث من تشبث بالأرض والجذور وتثبيت للوجود والهوية، ومن حيث هو رد على كل محاولات تفريغ المشرق من بعض مكوناته، ورسالة واضحة لمن خطف المطرانين».
وأضاف: «إن مسيحيي المشرق ليسوا بطارئين على هذه الأرض ولا هم جاليات غريبة فيها، ولا يمكن أن يسمحوا لأي ظرف أو أي معاناة أن تقتلعهم منها. صحيح أن في التاريخ والحاضر جراحا كثيرة، ولكن فيهما أيضاً حقبات مجيدة أعطت العالم ثقافة وفكراً وحضارة من أغنى الحضارات. سالت الدماء غزيرة على هذه الأرض… وصولاً الى حرب الإرهاب الحالية والمستمرة منذ سنوات، والتي كان فيها المسيحيون ضحية للعنف الطائفي في حملة ممنهجة ومنظمة لاقتلاعهم من أوطانهم ومن جذورهم، وفي شكل خاص في العراق وسورية، بعد أن كانت قد سبقتهم فلسطين وسط صمت المجتمع الدولي، فاستشهد منهم من استشهد وخطف من خطف وشرد من شرد. أما معظم من تبقى فبدأ رحلة البحث عن وطن بديل، وهكذا فرغت مدن وقرى بكاملها من مسيحييها».
وتابع: «لكن، هذا النزف البشري يجب أن يتوقف، والسلطات السياسية والروحية مدعوة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تفريغ الأرض من أهلها، وأي مشروع يرمي لخلق مجتمعات عنصرية تقوم على الآحادية الدينية أو العرقية هو مشروع حرب لا تنتهي».
وأكد عون أن «المشرق لطالما كان نموذجاً للتعددية والتسامح الديني، وقد عاش المشرقيون تنوعهم واغتنوا به وصار نموذجاً فريداً للتفاعل، يقتضي منا جميعاً، وخصوصاً المسيحيين والمسلمين، المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف ورفض التطرف الديني والقتل والتهجير باسم الدين والله».
وزاد: «درجت العادة على إطلاق تسمية أقليات على بعض الطوائف في لبنان ومنها السريان، ونتج عن ذلك حرمانها من بعض حقوقها السياسية كما من بعض الوظائف العامة. من الخطأ مقاربة الواقع اللبناني من منطلق أقليات وأكثريات، في الحقيقة كلنا أقليات، تجمعنا المواطنة والهوية، وكلنا مكون أساس من مكونات الشعب اللبناني. لذلك كان سعيي الدائم منذ كنت رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» لكي يكون للسريان ولسائر المكونات الموضوعة في خانة الأقليات، حضورهم في السلطة وتمثيلهم الحقيقي في مجلس النواب، وسأستمر في هذا المسعى كي لا يبقى أي مكون من مكونات مجتمعنا يشعر بالغبن أو بأن حقوقه في الوطن لا تتساوى مع حقوق سواه».
خليل والتمثيل الحقيقي
ورأى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل أنه بات «في مقدورنا أن ننتقل إلى المرحلة التالية بعد إجراء الانتخابات النيابية، وهي تشكيل حكومة نريد لها أن تكون حكومة وحدة وطنية، تمثل أوسع شريحة ممكنة من اللبنانيين، حكومة قادرة على أن تعيد بناء ثقة المواطنين بالدولة، وأن تضع يدها على التحديات الأساسية، الأمنية والاقتصادية والمالية، وأن تفتح الآفاق أمام الخروج من الأزمات من جهة وأمام التطوير الواقعي الذي نعيشه». وقال: «بصراحة نحن أمام تحديات لا تسمح بتعطيل الوقت، كل دقيقة نحن نحتاجها من أجل الشروع لنقاش جدي حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، نحن في حاجة إلى مجموعة من الإجراءات لا يمكن أن تبنى ونحن غير قادرين بالإسراع على تشكيل حكومة تقوم بهذه الواجبات. نأمل وندفع ونرحب، بالكلام الذي صدر اليوم، بأن نكون أمام حكومة جديدة مطلع الأسبوع المقبل، لأن ما نشهده على مستوى بعض المناطق، تحديداً في منطقة البقاع، من خلال الواقع الأمني أنتج كفراً للناس بالدولة والأجهزة والمؤسسات نتيجة الفلتان الحاصل، وهو فلتان لن نسكت عنه بعد اليوم».
«بري قد ينتقل إلى البقاع»
وأضاف: «سنتحمل هذه المسؤولية، وما نداء الرئيس نبيه بري بالأمس، الذي خاطب فيه وجدان البقاعيين، والذي توجه فيه إلى القيادات الأمنية والعسكرية إلا بداية إنذار، فنتحول بعده إلى خطوات عملية، ربما تدفع الرئيس بري إلى الانتقال إلى البقاع من أجل أن يتابع في شكل مباشر هذا الواقع الذي لم يعد يحتمل، إنما من يعتقد أن المشكلة في البقاع لا تؤثر على جبل لبنان أو على الجنوب أو على بيروت هو مخطئ». وقال: «اليوم استقرار البقاع وأمنه وتنميته هو دفاع عن الاستقرار في العاصمة، وعن الاستقرار الاجتماعي والسياسي على مستوى كل لبنان».
رعد:التأليف يصعب بعد حزيران
وأمل رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «أن تتشكل الحكومة خلال هذا الشهر ولكن إذا استطالت عملية التأليف فربما يصعب في ما بعد التأليف السهل للحكومة الموعودة». وقال: «قدمنا كل التسهيلات ولم نطلب مطلباً تعجيزياً على الإطلاق وأن الجميع اعترف بواقعية مطلبنا في الحكومة وأقر بذلك، لكن نجد أن الأمر لا يزال قيد المشاورات والمفاوضات والمواطنون يعيشون أزمتهم الحادة على المستوى الاقتصادي والمعيشي والأعمال في البلاد شبه معطلة بانتظار تشكيل الحكومة».
وأشار رعد إلى أن اللبنانيين لا يستطيعون أن ينتظروا أشهراً، لذلك يجب إنجاز تشكيل الحكومة، لم نطالب بالتسرع لكن طالبنا بالإسراع الذي يلحظ التوازنات الواقعية من أجل أن يأخذ كل طرف دوره في حماية وبناء البلد»، مؤكداً أن «الانتخابات النيابية كشفت أحجام القوى السياسية، ولا يجوز لأحد أن ينفخ حجمه لكي يحتل مواقع غيره في الحكومة».
الحياة