بين 3 تشرين الثاني 2017 و28 شباط 2018، نحو 115 يوماً هي المسافة الفاصلة بين الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري للرياض والتي أعلن خلالها «استقالةً صاعقة» عاد وتراجع عنها من بيروت في 22 نوفمبر، وبين الزيارة التي بدأها الحريري اليوم للرياض وتُكرِّس طيّ صفحة الأزمة الصامتة في علاقته بالمملكة والتي استمرّت نحو 3 أشهر كما فتْح صفحة جديدة في العلاقة اللبنانية – السعودية التي شهدتْ واحدةً من أسوأ محطاتها على خلفية أزمة الاستقالة التي انفجرتْ يومها بفعل أدوار «حزب الله» العسكرية والأمنية «العابرة للحدود».
ويأتي هذا التحوّل الإيجابي تتويجاً للمحادثات التي أجراها موفد الديوان الملكي نزار العلولا في بيروت أمس وأول من أمس والتي حمَل خلالها لكبار المسؤولين موقفاً سعودياً داعِماً للبنان واستقراره واستقلاله ونَقَل للرئيس الحريري دعوة رسمية لزيارة المملكة التي حرص موفدها على أن يشمل «جدول لقاءاته» محطةً ذات رمزية كبرى على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث كتَبَ في السجلّ الذهبي: «سيبقى الشهيد رفيق الحريري رمزاً وطنياً وعروبياً، وسيعود لبنان كما أراده الشهيد حرّاً ومنارة للعالم».
وفي حين أنهى العلولا، الذي رافقه الوزير المفوّض وليد البخاري، زيارته بيروت أمس بعدما كان مرتقباً ان تستمرّ أقله حتى غد الخميس، فإن تكثيف الموفد السعودي برنامج محادثاته والمغادرة ليلاً بدا مرتبطاً بسرعة ترتيب الزيارة – الحدَث التي بدأها الحريري للرياض حيث يلتقي اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع ترجيح ان يكون الاجتماع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم غد كحدّ أقصى، وهو الأمر الذي استوجب عدم توجيه رئيس الحكومة دعوة لجلسةٍ لمجلس الوزراء اللبناني كانت مقرَّرة غداً.
وفيما لمحت بعض الدوائر إلى مفاجآت ايجابية في الشكل والمضمون قد تشهدها محادثات الحريري في الرياض بما يُسقِط كل الشكوك التي سادت حيال مستقبل علاقة رئيس الوزراء اللبناني بالمملكة كما علاقة الأخيرة بلبنان، فإنّ زيارة العلولا لبيروت ثم الحريري للرياض في أول تواصل مباشر بين الجانبين منذ الاستقالة الملتبسة وما رافقها وأعقبها من مناخ متوتر أوحى بصعوبات كبرى أمام عودة المياه الى مجاريها على هذين الخطين، طرحتا أسئلة عدّة لدى أوساط سياسية وبينها ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم وأَمْلى ان يرجع «القديم الى قدمه» وتحديداً الى النقطة التي وصل اليها الواقع اللبناني مع التسوية السياسية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي في نهاية اكتوبر 2016.
ورغم انه كان من المبكر أمس تكوين صورة شاملة عن ظروف معاودة تطبيع العلاقات بين بيروت والرياض كما بين الحريري والسعودية، فإن هذه الأوساط تشير الى ان قرار المملكة بـ «العودة» الى لبنان لم يأتِ بفعل متغيّرات طرأتْ على أسباب «غضبة» السعودية التي كانت استقالة الحريري أحد تعبيراتها والتي راوحتْ حينها بين استشعارها بأن «حزب الله» كان يمضي في «قضم» التسوية السياسية وتقويضها لمصلحة أجندته الاقليمية كالذراع الأبرز لإيران ومشروعها التوسعي، وبين اعتبارها ان حلفاءها في لبنان أفرطوا بسياسة «الواقعية» على النحو الذي مكّن الحزب من جعل الجميع يلعبون في ملعبه ووفق قواعده.
وفي رأي هذه الأوساط ان السعودية، في العنوان العام، اختارتْ تفادي إدارة الظهر للبنان و«ترْكه» لإيران، وإعطاء فرصة لترجمات قرار «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة والتدخل في شؤون الآخرين الذي عاد الحريري على أساسه عن استقالته، مع حرصٍ على تجنيب لبنان السقوط في الهاوية من الزاوية الاقتصادية – المالية التي ستكون محور ثلاثة مؤتمرات دعم دولية ابتداء من منتصف مارس المقبل كان من شأنها ان تَفْشل في حشْد المساعدة لبيروت لو بقيتْ المملكة على عدم حماستها لمشاركةٍ فاعلة فيها.
وفي انتظار بلورة مرتكزات الصفحة الجديدة في علاقات الحريري مع السعودية، تتجه الأنظار الى تأثيرات هذا التحوّل على مسار التحالفات في الطريق الى الانتخابات النيابية في 6 مايو المقبل والتي يراقبها «العالم»، من دون آمال كبيرة في إمكان ان تحمل الأسابيع الثلاثة المقبلة إشاراتٍ لمعاودة وصل ما انقطع بين «حلفاء الأمس» في قوى الرابع عشر من آذار وتالياً خوضهم الانتخابات معاً وفق رغبة الرياض، وإن التقت غالبية هؤلاء على وجوب الحؤول دون تمكين «حزب الله» من تحقيق اي من أهدافه الاستراتيجية عبر صناديق الاقتراع.
وكان لافتاً ان موفد الديوان الملكي السعودي حرص على إكمال البُعد الرسمي لزيارته، بلقائه أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اكتفى بالقول: «اللقاء كان ودياً، وسعادته سيغادر اليوم (أمس) على أمل لقاءات اخرى»، فيما قال العلولا: «سعدت بلقاء دولة الرئيس بري، فهو قامة وطنية تبعث الأمل والتفاؤل في لبنان».
وسبق هذا اللقاء وأعقبه اجتماعات للموفد السعودي شملت الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان ورؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، اضافة الى شخصيات سياسية وحزبية قريبة من المملكة نقلت عن العلولا دعم لبنان ومؤازرته في كل الظروف، وذلك غداة 3 محطات بارزة له: الأولى في القصر الجمهوري حيث كان لقاء سريعا ولكن ايجابي مع الرئيس ميشال عون الذي سمع إشادة بـ «قيادته الحكيمة» للبلاد، والثانية في السرايا الحكومية حيث أكد الرئيس الحريري أن المحادثات «كانت ممتازة» وأنه تلقى دعوة لزيارة المملكة «وسألبيها في أقرب وقت»، مضيفاً: «السعودية هدفها الأساسي أن يكون لبنان سيد نفسه، وهي حريصة على استقلال لبنان الكامل، وسنرى كيف سنتعاون معها في شأن المؤتمرات الدولية المقبلة».
أما المحطة الثالثة فكانت في دارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي أقام مأدبة عشاء على شرف العلولا الذي حرص على تظهير «العلاقة الخاصة» بين المملكة وجعجع إذ قال: «أنا في منزلي في معراب والدكتور جعجع هو ضيفي». وكان لافتاً كلام جعجع عن «ان المملكة مستعدة دائماً لمد يد العون للبنان، الا انهم يعتبرون انه في العامين المنصرمين قام بعض القيادات اللبنانية بمبادرات عدائية تجاه المملكة، ولكن لا يمكن لأحد العمل في هذا الجو».
(الراي)