بالفعل إنّ تصريح رئيس “حكومة استعادة الثقة” سعد الحريري، اثر خروجه من جلسة “المجزرة الإقتصادية” يوم الاثنين، جدير بالتوقف عنده. ولاشك أن المغالطات، التي تضمنّها التصريح، توضع في خانة المحاولات اليائسة لتغطية عملية الإطباق على جيوب الفقراء واستكمال القضاء على ما تبقّى من الطبقة الوسطى، كما تضمّن التصريح استفاضة في شرح خصائص ما سمّاه الحريري بـ”عديم المسؤولية” معددا أبرز خصائصه.
وتحدّث الحريري للصحافيين، في ختام الجلسة التشريعية فقال: “كل سنة علينا إيجاد 1200 إلى 1400 مليار ليرة لتمويل السلسلة”، وهنا أيضا تظهر الجديّة والدقة التي تتعاطى بها السلطة بهذا الملف فالفرق بين الرقمين، كما أتى على لسان رئيس “حكومة إستعادة الثقة”، هو 200 مليار ليرة، على أساس أنها “فراطة مش حرزانة” ومن هنا تعرفون كارثية أداء هذه السلطة ومدى استخفافها بأمور مصيرية في الإقتصاد، كما في غيرها من الملفات.
ويستند الحريري إلى هذه الأرقام للكلفة السنوية للسلسلة ليؤكد أنه “يجب إيجاد ضرائب كي نغطي هذه السلسلة، وحتى بالنسبة إلى عائدات الأملاك البحرية، قد يكون هناك ربح للدولة كل أول سنة، ولكن هذا لا يعني أنه يغطي السلسلة”. وهنا بيت القصيد ونقطة الخلاف مع السلطة، فثقة المواطن بحكومته وثقة المستثمر بسوقنا اللبنانية لا يمكن استرجاعهما باستسهال اللجوء إلى فرض الضرائب على الفقراء من دون أي دراسة للجدوى الإقتصادية والأثر الإقتصادي والإجتماعي لهذه السلة الضرائبية. لأن فلسفة الإصلاح الضرائبي لا تمت للإصلاح بصلة عندما تغيب عنها رؤية إقتصادية واضحة المعالم تعتمدها السلطة لتعرف أين يجب أن تفرض الضريبة وأين لا.
ويكمل الحريري حديثه ليؤكد أن “التركيز في الضرائب التي وضعت هو في جزء كبير منه على الشركات والبنوك وعلى الذين يعتبرون من القادرين على الدفع”.
لكن لائحة الضرائب التي أقرت والتي لم تعد خفيّة على أحد، تدحض ادعاءات الحريري فالضريبة على القيمة المضافة التي ارتفعت إلى 11% هي ضرب مباشر للفقراء في لبنان، وتطال كل اللبنانيين من دون تمييز وتلحظ أكثر من 80% من مشترياتهم اليومية، إلى جانب أخواتها من الضرائب المجحفة، كزيادة 80000 ليرة على المستوعبات القادمة من الخارج 20 قدم و120000 ليرة على المستوعبات 40 قدم وما فوق. كما فرض رسم ٦٠٠٠ ليرة على طن الاسمنت كرسم إنتاج، ورسم على فواتير خط الهاتف الثابت بقيمة ٢٥٠٠ ليرة و٢٥٠ ليرة على البطاقات المسبقة الدفع، إضافة إلى فرض رسوم على كتاب العدل. كل هذه الضرائب تطال جيوب الفقراء ولا… لن تعيد الثقة إلى هكذا سلطة.
ويقول الحريري في مداخلته: “من يوافق على السلسلة يوافق على إيجاد إيرادات لتغطيتها، أما عديم المسؤولية فهو الذي يفكر بالسلسلة من دون إصلاحات وضرائب”.
هنا نؤيّد رئيس الحكومة قوله إنّ عديم المسؤولية هو الذي يفكر بالسلسلة من دون إصلاحات وضرائب، ولذلك نخوض كل هذه المعركة على الضرائب لأنها أتت من دون إصلاحات ومن دون دراسة أثر إقتصادي واجتماعي. وهنا نسأل الرئيس الحريري:
- أليس عديم المسؤولية بالفعل من يرفض حتى الساعة الإشراع في عملية الإصلاح الحقيقي لوقف الهدر وسدّ مكامن الفساد؟
- أليس عديم المسؤولية بالفعل من يسكت عن صفقة البواخر وعن دفتر الشروط على القياس؟
- أليس عديم المسؤولية أيضا من يحاول تمرير 130 مليون دولار كلفة البطاقة الممغنطة بعقود بالتراضي، و150 مليون دولار لتنفيذ مشروع الألياف الضوئية من خارج الموازنة، ومن يرفض حتى الساعة الشروع بإصلاح إداري يضع حدا للتوظيف الزبائني؟
- أليس عديم المسؤولية أيضا من يذهب إلى الضرائب عوضا عن مكافحة التهرب الضريبي المستفحل في البلد؟
- أليس عديم المسؤولية من يرفض إطلاق يد اللجنة الوزارية لتنفيذ حلّ لامركزية النفايات، التي بقيت حبرا على ورق؟
- أليس عديم المسؤولية من يمضي بطمر شاطئ ساحل المتن بالنفايات عوضا عن فرزها والاستفادة من إعادة تدويرها؟
- أليس عديم المسؤولية من يرفض تطبيق قانون الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام لإيجاد حلّ جذري لمزارب الهدر في ملف الكهرباء وغيرها وغيرها من الملفات التي يمكن الإصلاح فيها وتبقى في أدراج نسيان السلطة؟
أما من يخوض معركة فجر الدستور ومن يقف في مواجهة فرض الضرائب العشوائية بالقوة من دون دراسة أثر إقتصادي وإجتماعي وبغياب أي رؤية إقتصادية فهذا هو من يتحمل مسؤولياته كما يجب وهو من يمكن ائتمانه على مصير الشعب اللبناني.
ويقول الحريري في مداخلته: “نعم نريد محاربة الفساد، ولكن كل من يطالبون بمحاربة الفساد كانوا في حكومات سابقة فماذا فعلوا؟ هل حاربوا الفساد؟”
والجواب أكيد أن هذا ما فعلوه، فالكتائب تطالب اليوم بمحاربة الفساد وقد طالبت به من خلال وزرائها، وعندما عجزت عن وقف الارتكابات ووضع حدّ لسياسة “مرّقلي تمرّقلك” استقالت من الحكومة تجانسا مع مبادئها وانسجاما مع مفهومها لإدارة البلاد. من حق الرئيس الحريري أن يسأل ماذا فعلنا في الحكومات السابقة ربما بحكم غيابه عن لبنان، لسنوات عدة، سقط عنه سهوا ما فعلته الكتائب.
المصدر: Kataeb.org