شدد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على “ضرورة التفاف اللبنانيين حول دولتهم والعمل على كل ما يحفظ الوطن من المخاطر”، وقال: “علينا ان نغير من طريقة التعاطي السابقة مع المنتشرين اللبنانيين في العالم، وان نعمل ما في وسعنا لان يكون التواصل في ما بيننا يرتكز على الشعور الوطني واهتمام الدولة بالمنتشرين اينما كانوا”.
كلام الحريري جاء في كلمة ألقاها قبل ظهر اليوم خلال مشاركته في مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي عقد في فندق “فاندوم” في باريس، وقال: “أولا، اود ان اشكر الوزير جبران باسيل وكل من يعمل بمشروع الطاقة الاغترابية لان جمع اللبنانيين من الامور المهمة التي يجب ان نقوم بها كحكومة ودولة. لطالما كانت الفكرة الاساسية حيال المغتربين اللبنانيين في الماضي هي كيفية الاستفادة منهم ماليا فقط ونقطة على السطر، وهذا اكبر خطأ لان التواصل بينهم وبين بلدهم الام هو الاهم. هذا التواصل يجب ان يكون مبنيا على الشعور الوطني بان هذا اللبناني ينتمي الى بلده، وان بلده يهتم به اينما كان، وفي حال حدث اي امر طارىء لا سمح الله، فعلى الدولة ان تساعد اللبناني وليس اي احد آخر”.
أضاف: “يسرني اليوم انني اتحدث بعد مؤتمر “سيدر”، هذا المؤتمر الذي اعددنا له جميعا. صحيح انني انا عملت عليه، ولكن لا استطيع ان انكر ان فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري ايضا عملا من أجله، فجميعنا عمل ليل نهار لتحقيق هذا المؤتمر الحيوي للبنان ولاقتصاده ولتغيير طريقة عملنا. لا يمكن للبنان ان يستمر بطريقة العمل الحالية، ومن المستحيل ان نستمر من دون اصلاحات وبقوانين تجارية تعود الى الخمسينات والستينات من القرن الماضي. علينا ان نحدث قوانيننا بما يتلائم مع متغيرات الزمن، فمثلا عندنا في الجمهورية اللبنانية لا يوجد في النص القانوني وجود للكمبيوتر إذ ما زلنا نعتمد على الداكتيلو. يجب ان نغير كل هذه الامور، ونعمل جديا بعد الانتخابات لتغيير طريقة عملنا ايضا، وكما قال معالي وزير المال الفرنسي برونو لو مير، عن ان فرنسا لا يمكنها ان تستمر كما هي عليه، كذلك نحن لا يمكن ان نستمر من دون اتخاذ قرارات شجاعة كما في فرنسا. علينا ان نأخذ قرارات شجاعة بتغيير طريقة العمل. نحن نتكلم عن ضرورة خلق فرص عمل ولكن ماذا نفعل من اجل ذلك؟ بل على العكس نستمر في التوظيف في الدولة التي ليست هي الاساس في عملية التوظيف، بل القطاع الخاص. جميعنا يعلم ان الاصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد هو ما يؤمن فعلا فرص العمل”.
وتابع: “بالنسبة إلى مؤتمر “سيدر”، أشكر لفرنسا ورئيسها ايمانويل ماكرون العمل الدؤوب الذي قاموا به معنا، وكان التزامه في هذا المشروع كبيرا جدا واستعطنا ان نحصل المبالغ التي حصلناها أمس، ولكن الاهم بالنسبة إلي في هذا المؤتمر هو الاصلاح ثم الاصلاح ثم الاصلاح. نحن بالتأكيد لا يمكننا ان نستمر بالطريقة نفسها التي نعمل فيها حاليا، وهذا الموضوع يتطلب منا اتخاذ قرارات جريئة لكي نحسن طريقة العمل في البلد. يجب الا ننتظر في كل مرة الوصول الى مشكلة او انهيار اقتصادي ومن ثم نطلب اموالا من الدول. يجب أن نقوم بإصلاحات ومن ثم اذا كانت هناك فعلا أزمة اقتصادية خارجة من سيطرتنا، عندئذ نطلب عقد مؤتمرات. ما يحصل في لبنان اليوم خير دليل على ذلك. صحيح ان هناك مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، ولكن لو كانت هناك اصلاحات من قبل، اؤكد لكم ان التأثير اقل بكثير مما هو عليه اليوم. ولو كانت لدينا كهرباء 24 على 24 ساعة وتعرفة مناسبة واتصالات وطرقات أفضل، لكانت الامور افضل، ولم نكن لنقع بهذه المصيبة”.
وقال الحريري: “بالتأكيد ان مصيبة النازحين كبيرة جدا وكلفت لبنان لغاية الآن بحسب البنك الدولي لغاية العام 2015، حوالى 18 مليار دولار، ولكن لو كنا أجرينا هذه الاصلاحات، فان تأثير ذلك علينا كان اقل مما هو عليه اليوم. نحن كلبنانيين يجب ان نقوم بالاصلاحات اللازمة، وانتم كمنتشرين كما قال الوزير جبران باسيل وأنا أوافقه الرأي لانكم فعلا القوة الاساسية وسلاحنا السري كما يقال، يجب ان تبقوا موحدين، ولكن مشكلتنا في لبنان اننا نفرق فيما بيننا ولا شك في ان الخلافات السياسية في البلد ستستمر، ولكن يجب عليكم انتم ان تبقوا موحدين الى جانب لبنان. الخلافات السياسية يجب ألا يكون لديها أي تأثير على ما تقومون به انتم من اجل لبنان. ومن هذا المنطلق قد يكون لغيرنا انتشار أقوى ولكن الانتشار اللبناني أقوى بمليون مرة من اي انتشار في العالم وهذا فعل ايمان وحقيقة”.
أضاف: “يجب ان نخرج من الحزبيات والطائفية والمذهبية وكل هذه الامور لان كل ذلك “لا يطعم خبزا”. ما يحمي لبنان هو ان يبقى هذا البلد اولا، ويبقى لبنان هدفكم. وانتم يمكنكم ان تجبرونا على القيام بالاصلاحات، ويجب ان تحثونا وتهددونا بالاصلاح، إذ يجب علينا ان نحسن اداءنا، ولنفعل ذلك يجب ان نشعر بأن هناك من يقف وراءنا وهذه هي طبيعة السياسة بأي حال. دائما نبحث عن ايجاد اصوات من هنا وهناك، لذا عليكم ان تشترطوا علينا وتقولوا لنا، اذا اردتم اصواتنا عليكم القيام بالاصلاحات اولا، والا لن نمنحكم اصواتنا، واذا لم أقم أنا بالاصلاح فلا تصوتوا لي، وانا جدي في هذا الكلام”.
وتابع: “أود أن أجدد شكري لفرنسا ولوزير المال السيد لو مير والرئيس ايمانويل ماكرون على انعقاد مؤتمر “سيدر” وعلى عمق هذه الصداقة والاخوة الحقيقية التي بدأت منذ زمن بعيد واستثمرها الوالد الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، ورأينا كم ان هذه العلاقة كانت لمصلحة لبنان وفرنسا معا. واليوم ترون ان الرئيس ماكرون ونحن نكمل هذه المسيرة، لما فيه مصلحة البلدين. أنا أفتخر بأشخاص مثل كارلوس غصن رفعوا رأس واسم لبنان عاليا في كل العالم، والسبب في نجاح كارلوس غصن هو أنه عمل وأصلح، فقد تسلم شركة كانت تعاني من مشاكل، ونحن لدينا بلد فيه مشاكل لا نستطيع ان نستمر بالعمل فيه من دون إصلاحات”.
وقال: “السبب الاساسي وراء تمكننا من تحقيق هذه الانجازات في لبنان وخصوصا بعد انتخاب الرئيس ميشال عون هو التوافق الحاصل في البلد، فالخلافات السياسية الصغيرة ستستمر ولكننا متوافقون على كل الامور الاساسية، وبان مصلحة المواطن اللبناني تأتي قبل أي أمر آخر، وهذا أهم شيء ويجب علينا ان نحافظ على روحية هذا التوافق لان التجربة أثبتت انه كلما اختلفنا فيما بيننا، البلد يدفع ثمن ذلك”.
وختم: “لا يمكن ان نختلف ولا يجب ان نختلف ولا شيء سيخلفنا، الا بعض الحساسيات الشخصية اكثر مما هي تتعلق بمصلحة البلد. أنا أشد على أيدي الرئيسين عون وبري وكل الافرقاء السياسيين في البلد، وخصوصا أننا كنا وصلنا في مرحلة سابقة لأن نخسر البلد، ولكن بسبب تعاون كل الافرقاء في الحكومة تمكنا من ايصال البلد الى مكان آمن يشعر من خلاله المواطن اللبناني بانه بدأ يستعيد ثقته بالبلد، ونحن سنستمر بهذه الروحية وبالعمل الدؤوب لنحقق أحلامكم وأحلام أولادنا”.