أحمد الغز:
الأيام القادمة ستحمل معها الكثير من اليأس والغضب لدى أوسع شريحة من اللبنانيين وتجتاح كل المناطق والطوائف قولا وفعلا، وذلك عندما تتوضح عملية الاحتيال الجماعية التي يتعرض لها عموم اللبنانيين المودعين أو المتعاملين مع المصارف اللبنانية والذين تفوق نسبتهم على الخمسين بالمئة حسب تقديرات البنك الدولي، وستحول هذه الكارثة عموم الشعب اللبناني إلى متسولين من دون أن يرف جفن لأمراء الطوائف والمذاهب أو أن تحمر وجوههم خجلا مما صنعت أيديهم وأحقادهم وأطماعهم وجوعهم العتيق.
الأيام القادمة ستتجدد بقوة عمليات الانتحار الشخصي والنفسي خجلا من الذات ومن الأهل والأبناء صونا للكرامة الفردية والجماعية من الذل والمهانة أمام ابسط أسباب الحياة وربما سيحرق الآباء أولادهم كي لا يرونهم يتسولون أو غير قادرين على الذهاب إلى المدارس أو النوم بدون طعام في حين يعيش عشاق السلطة ترف التكنوقراطية أو التكنوسياسية وجميعهم قطاع طرق ومغتصبين للسلطة والمناصب والمواقع والأدوار وموارد البلاد.
الأيام القادمة سيحسد عموم اللبنانيين أشقاءهم السوريين في مخيمات التشرد والنزوح على نعيمهم، وسيزداد عدد قتلى السرقات واختراق المنازل الآمنة تحت وطأة الجوع والعوز والافتقار، وسيكثر التفكك القيمي والتفكك المجتمعي وسيعم النحيب والبكاء بصمت وحياء وبعيدا عن ترف شاشات الانفصال عن الواقع وتزوير الوقائع والاتجار بمستقبل الأجيال عبر أحاديث أدوات الداخل والخارج الذين يدعون معرفة أسرار السياسات الدولية والإقليمية والمحلية بكل وقاحة وادعاء. الأيام القادمة سيهرب الأصدقاء من الأصدقاء خجلا من عدم توفر الحد الأدنى من السيولة التي تستر ماء وجههم بعد أن أكلها بكل وقاحة أقوياء لبنان بالحماقة والغباء وبالكراهية والطائفية العمياء..
الأيام القادمة سيعم الظلام لعدم توفر القليل من الدولارات لسداد فاتورة اشتراك مولدات الكهرباء، والأيام القادمة ستتوقف الأعمال لعدم توفر السيولة الضرورية للانتقال من البيوت إلى مراكز الأعمال، وستصبح الطرقات فارغة بدون ازدحام أو ضوضاء، والأيام القادمة سيترحم اللبنانيون على أيام حرب الآخرين على ارض لبنان وأيام الاجتياح والاحتلال وأيام انهيار الليرة أمام الدولار. الأيام القادمة ستكون أشبه بعملية نووية أو كيماوية مصرفية ستؤدي إلى إفقار كل اللبنانيين بدون استثناء بقرار من أهل السلطة الأغبياء.
الأيام القادمة سيصبح الرغيف قضية أمنيه والشمعة قضية وطنية والصداقة معجزة إلهية، وسيصبح الرؤساء والنواب والوزراء خارجين عن القانون مطاردين من جميع الناس، وسيقتل الأخ أخاه وسيصبح التفكك المجتمعي قضية امن قومي وستتحمل المؤسسات العسكرية والأمنية مسؤولية انهيار الأمن المجتمعي العابر للطوائف والمذاهب والمناطق بدون أسلحة قادرة على الحد من الغرق والضياع، فتلك المؤسسات لا تملك المال ولا المصارف ولا الأسواق. الأيام القادمة ستتجاوز كل الشعارات الخرقاء والتجمعات الحمقاء، والأيام القادمة ستكون فوق قدرة مغتصبي السلطة بالكراهية والانتقام وبالطموحات غير المشروعة بالرئاسات والوزارات.
الأيام القادمة تحتاج إلى الكثير من الدعاء والرحمة والرجاء بعد أن خاب الأمل بكل اهل السلطة في لبنان بدون استثناء وبكل الأشقاء بدون استثناء وبكل الأصدقاء بدون استثناء وبكل مؤسسات القطاع الخاص وأهل الاختصاص والاتحادات والنقابات والأحزاب والثوار، الأيام القادمة سنشهد مرحلة جديدة من التاريخ المأساوي اللبناني الطويل، فهل يستطيع الجيش اللبناني منع انهيار الأمن الاجتماعي في لبنان؟
ahmadghoz@hotmail.com