افتتح الرئيس أمين الجميل مؤتمر “حدود الطموحات – التدخلات الخارجية ومنظومة الدول في الشرق العربي: التحديات، الاصطفافات، التوقعات” الذي نظمه “بيت المستقبل” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد اديناور”، وشارك فيه الرئيسان حسين الحسيني وفؤاد السنيورة، النائبان فادي الهبر وباسم الشاب، الوزير السابق يوسف سلامه، النائب السابق صلاح الحركة، جويس الجميل، الإعلامية مي شدياق، في حضور خبراء وأكاديميين ومثقفين لبنانيين وعرب وأجانب.
بداية النشيد الوطني، فكلمة للمدير التنفيذي ل”بيت المستقبل” سام منسى تحدث فيها عن المؤتمرات الدولية السابقة التي نظمتها المؤسسة عامي 2015 و2016 والتي أضحت “تقليدا ومحطة سنوية ومساحة لعرض مختلف وجهات النظر حول قضايا منطقة الشرق الأوسط، علها تساهم بالتقريب بينها، وتقدم إلى صناع القرار رؤى تبلور الخيارات الممكنة والمتاحة وتضع توصيات مبتكرة ومستقلة بعيدا عن الإرتجال أو النظرة الآحادية”.
وأشار الى ان “موضوع المؤتمر جاء نتيجة لتجاوز السقوف الحاصل من قبل الاطراف المحلية والخارجية كافة، إذ بعض الدول تلعب دورا أكبر من حجمها وتمددت أكثر مما تسمح به قدراتها وفرضت وتيرتها على مسار السياسات المحلية والإقليمية والدولية، بينما تراجعت دول أخرى وانسحبت على الرغم من قدراتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا”. وتساءل: “من يعيد كل طرف الى حجمه ومن يضع حدودا للمطامع ليستقيم الخلل الحاصل في النظام الدولي والأنظمة الإقليمية على حد سواء؟”.
ريمللي
وتحدث بيتر ريمللي من “كونراد آديناور”، فأكد أن “الشرق الأوسط يواجه اليوم تحديين: تحد خارجي يتمثل في بناء منظومة دول فعالة، وتحد خارجي يتجسد في حماية المنطقة من التدخلات الخارجية، لا سيما تأثيرات الدول العظمى”.
وأوضح أن “المؤتمر يلقي الضوء بشكل أساس على التحدي الخارجي بهدف محاولة الإحاطة بتأثير هذه التدخلات الخارجية والنوايا الكامنة وراءها”، لافتا إلى “تأزم الوضع في المنطقة عامة”، متطرقا الى الأوضاع الراهنة في سوريا واليمن وما “تسببت به التدخلات الخارجية في كلا البلدين من مقتل 400 ألف شخص في سوريا ووجود 18.8 مليون شخص في اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية”.
ورأى أن “الوقت قد حان لإيجاد تسوية لأزمات المنطقة تشارك فيها الأطراف المعنية كافة. على الرغم من أن الأسباب المباشرة التي أشعلت الأوضاع في سوريا واليمن والعراق وليبيا كانت داخلية تجسدت في اندلاع ثورات الربيع العربي، إلا أن القاسم المشترك بين الأزمات التي تسود هذه الدول هو حجم التدخلات الخارجية للدول العظمى ودور حلفائها المحليين فيها، وهي قد أججت الأوضاع وفاقمت خطورتها”.
ولفت الى ان “إيجاد تسويات لمختلف الأزمات يتطلب النظر في ارتباطها ببعضها البعض لجهة اللاعبين الأساسيين فيها”، مشددا على “استحالة حل الأزمة السورية دون حل سائر الأزمات في كل من اليمن والعراق وليبيا، إضافة إلى القضاء على داعش والحؤول دون توسع التطرف. ولهذه الغاية، من الأهمية بمكان فهم نوايا اللاعبين الخارجيين في المنطقة ومصالحهم وهذا ما يهدف إليه هذا المؤتمر”.
الجميل
بدأت الجلسة الافتتاحية بعنوان “الشرق العربي في عالم بقيادة جديدة: بين الخارطة الجديدة والذهنية الجدية” وقد أدارها البروفسور حسن منيمنة، وتحدث فيها الجميل الذي قال: “هدف المؤتمر هو مناقشة حدود طموحاتنا في السلام والإصلاح في العالم العربي وتأثير التدخلات والضغوطات الأجنبية التي أدت الى الضياع والفوضى والإقتتال”.
وأشار الى أن “الشرق الأوسط يمر بمرحلة من عدم الاستقرار والفوضى باتت تهدد استقرار العالم برمته بسبب انتشار التطرف الديني والإرهاب الأصولي”، لافتا الى أن “أسباب هذه الفوضى هي: سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جراء عهود طويلة من الاستبداد، تفاقم الصراع بين الأطراف السنية والشيعية المتطرفة وتوسع نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا سيما في العراق وسوريا وليبيا واليمن وانتشار عقيدتها المتطرفة وأزمة النازحين وغياب القدرة على مواجهتها بسبب انعدام الحوكمة الصالحة وتقادم البرامج التربوية”.
وتحدث عن “تحول الربيع العربي عن أهدافه وعجز القوى الوطنية عن وضع حد للتدخلات الخارجية التي حولت الساحات الداخلية إلى ساحات قتال واقتتال في ما بينها على حساب سيادة الدول وطموحات الشعوب الوطنية المشروعة”، معتبرا أن “فشل المجتمعات العربية في ولوج باب الحداثة يعود بشكل رئيس إلى عدم تطابق طموحات الشعوب للتغيير والإصلاح مع طموحات بعض الدول عربية كانت أو أجنبية، ومصالحها الاستراتيجية. وهذه الدول وتحقيقا لمصالحها، عمدت إلى إرسال قوات إلى ساحات القتال وتدريب قوات رديفة واشعال الصراعات المذهبية والإثنية وإنشاء وتمويل كيانات خارجة عن الدولة تخدم مصالحها”.
واعتبر أن “حل الأزمات التي تعصف بالمنطقة ووضع حد للمطامع الخارجية غير المشروعة فيها يكمن في إيجاد منطق جديد على صعيد الدبلوماسية، والتزام الجميع بالتفاهم البناء حول الحلول”.
ورأى أنه “انطلاقا من مقولة كل حرب يجب أن تنتهي، الدبلوماسية يمكن أن تنجح وهي تحتوي وتقدم الآليات والأدوات من أجل إيجاد الحلول السلمية وإنقاذ الدول والشعوب من الهاوية القاتلة”، متطرقا الى “الجهود الديبلوماسية في استانة وجنيف بالنسبة الى الموضوع السوري”.
وخلص الى أن “لبنان يمكن أن يكون المدخل المناسب لإطلاق مبادرة إصلاحية شاملة تتجاوز حدوده الوطنية لتشمل المنطقة بمجملها، أولا بسبب فرادة نظامه الديمقراطي الليبرالي الذي مكنه من تجاوز أصعب الأزمات وجعله أكثر مناعة من الدول المجاورة، وثانيا بسبب اللبنانيين أنفسهم الذين يمارسون ثقافة الحرية والديمقراطية ويعتبرون ضمانة للبنان أكثر من حكامه”.
موور
وتحدث النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون التشريع باول موور عن “سياستي التدخل والعزلة اللتين انتهجتهما الولايات المتحدة في مراحل متعددة من تاريخها والأسباب الكامنة وراء نحيها إما إلى التدخل أو إلى الانسحاب”، عارضا أهم مراحل التدخلات الأميركية في العالم بدءا من الحرب العالمية الأولى. وشرح الآليات السياسية والدستورية التي تحدد السياسة الخارجية الأميركية.
مايلا
وتطرق البروفسور في العلاقات الدولية جوزف مايلا الى موضوع “التدخلات في الشرق الأوسط”، عارضا طبيعة هذه التدخلات ومسبباتها، مشيرا الى ان “لهذه المنطقة تاريخا من التدخلات منذ اتفاقية يالطا ومنذ انشاء دولة اسرائيل عام 1948 مرورا بكل الحروب التي استتبعتها والتدخل الأميركي في العراق عام 2003 لتغيير النظام وارساء الديموقراطية بالقوة، والإنتفاضات العربية عام 2011 التي سميت بالربيع العربي مع ما رافقها من بروز لمشكلة الإرهاب والتطرف الديني”.
وخلص الى “فشل جميع التدخلات في الشرق الأوسط وان التدخل الوحيد الذي نجح هو تدخل الأمم المتحدة عام 1991 الذي اعاد الكويت الى حدودها”.
السنيورة
بدوره، قال السنيورة: “الموضوع الذي تم التطرق اليه هو محور تقرير اعدته مؤسسة كارنغي قبل اشهر قليلة وكنت فيه متحدثا رئيسا تحت عنوان انكسارات عربية. ما نشهده اليوم هو فشل الدولة الوطنية في العالم العربي وعدم وجود اي نوع من التعاون والتكامل بين الدول خلال المرحلة التي مررنا بها. ان عدم وجود تعاون بين الدول العربية جعل كل دولة منفصلة عن الاخرى واذا حصل شيء في دولة فهذا لا يؤثر على الاخرى. هذا الامر عزز فكرة الخلل الاستراتيجي في المنطقة والذي ادى الى التدخلات التي تؤجج المشاكل والنزاعات الطائفية”.
وقال: “ان استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة امر في غاية الاهمية، فليس هناك من حلول سحرية انما مسار طويل امامنا، ويجب الا تنكسر ارادة الدول والناس. كما يجب العودة الى وجود جوامع بين الدول، لكي تبدأ باستعادة التوازن الإستراتيجي”.
أضاف: “ان الإرهاب عندما ينتقل من منطقة الى اخرى لا يطلب فيزا، فالعولمة ادت الى عولمة الإرهاب، ونحن نعيش مشكلات لم تعد تقتصر على المنطقة العربية بل تمتد الى العالم باسره. لذا، هناك مصلحة للدول الكبرى بالمساعدة على ايجاد حلول للمنطقة العربية”.
الجلسات
وانطلقت الجلسة الأولى تحت عنوان “إيران في أعقاب الاتفاق النووي، ضوء أخضر أم احتواء؟”، وأدارها البروفسور في جامعة “شيربروك” في كيبيك – كندا، سامي عون، وتحدث فيها الكاتب خالد الدخيل من السعودية، الأستاذ في جامعة طهران والباحث والمحلل السياسي والخبير في الدراسات الأميركية محمد ماراندي، ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في واشنطن العاصمة ديفيد شانكر.
والتأمت الجلسة الثانية تحت عنوان “مستقبل لبنان واعباء الحرب السورية”، أدارها المدير التنفيذي ل”بيت المستقبل” سام منسى، وتحدث فيها كل من مديرة برنامج الشرق الأوسط “شاتام هاوس” لينا الخطيب والناشط السياسي الدكتور انطوان حداد والأستاذة الجامعية منى فياض.
وتحدث رئيس الأكاديمية الديبلوماسية الدولية في باريس ميشال دوكلو عن النظرة الفرنسية الى المشرق المرتكزة على احلال السلام في المنطقة، مبديا “استعداد فرنسا لعمل ما في وسعها لتحقيق السلام”، مشيرا الى أنه “يعود للاوروبيين مسؤولية المساهمة في اعادة بناء الدول في المنطقة”.
اما الجلسة الثالثة فعقدت تحت عنوان “ازمة الدولة العربية: التدخل الخارجي داء ام دواء”، أدارتها مديرة برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية دوروثي شميث، وتحدث فيها كل من نائب رئيس معهد بحوث اعلام الشرق الأوسط البرتو فرنانديز ومدير الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الصندوق الوطني للديموقراطية في واشنطن ليث كبة.