خاص Lebanon On Time – خالد أبو شام :
إنَّ كلّ ما فعلته وتفعله منظومة الفساد في لبنان بكفّة، وموضوع سحق الجامعة اللبنانية مع كل ما تمثّل من أساتذة وطلاب ونُخب علمية بكفّة أخرى، فهي ليست مؤسسة رسمية فحسب، بل إنها أكبر وأعرق صرح علمي حكومي في البلاد، والملاذ الوحيد لأبناء الفقراء الذين أصبحوا الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، ومسألة تهميشها تعني ضرب ما تبقى من أمل وثقافة في لبنان، ورمي جيل كامل في براثن الجهل والتخلف.
يستمرّ أساتذة الجامعة اللبنانية بالمطالبة بأبسط حقوقهم، وهو إقرار موازنة معقولة للجامعة تتناسب مع هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الوطن، ولكن السلطة صمّت آذانها واستغشت ثيابها، ممعنةً في الهراء الذي لا تتمكّن من إيقاعه إلا على الفقراء.
إنَّ انهيار الجامعة اللبنانية ليس أمرًا محتملًا، بل هو واقع معاش. والجامعة تتجه في طريقها إلى الاندثار نتيجة السياسات الخاطئة، و التدخلات البغيضة السَّافرة التي دفعتها إلى الإقفال، وهي سياسات التحاصص في التعامل مع حاجات الجامعة، والتي جعلت من صروحها أبنيةً مهجورةً منسيّةً بدون ماء، ولا كهرباء، ولا محروقات، وحتى بدون حبر، ولا أوراق للقيام بأدنى أعمالها، على الرَّغم من الجهد التي تبذله السلطة لإظهار الأمورَ أنها على ما يرام.
إنَّ أساتذة الجامعة اللبنانية باتوا يهاجرون، لأنهم لا يستطيعون الحصول على أبسط وأقلّ حقوقهم،
فيما يمكث طلابَ الجامعة في البيوت، حيث حُكمَ عليهم التعلّم في ظروفٍ قاسية، تحيطها العقبات من كل الجوانب.
إنَّ ما يحصل حاليًا من تهميش لجامعة الوطن، والإمعان في ظلمها وحرمانها من أدنى مقوّمات الصمود، هو جريمة موصوفة كبرى بحقّ الوطن، وبحقّ الشعب اللبناني الذي بات يعيش بأكثره تحت خط الفقر، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فإننا سنستفيق غدًا على شبه وطن من دون جامعة وطنيّة تحضن أبناءه.
إذ إنَّ غالبية الطلاب في لبنان ،ليسوا قادرين اليوم على دفع الأقساط التي تعدّ أقساطًا “فلكيّة” وغير معقولة للجامعات الخاصة، هذا من جهة، ولا الجامعة اللبنانية التي تُسحق بين مطرقة السياسة المجرمة، وسندان المصارف الطاغية وكبار التجار؛ ستكون موجودة لتستقبلهم كالعادة كما فعلت بالأمسِ القريب؛ وبالتالي نحن اليوم أمام مجزرة علمية حقيقية، يمكن أن تطيح بأجيال كاملة، وفقَ أكبر عملية تفتيت وتدمير تقوم بها السلطة السياسية، بعدما دمّرت كل شيء في لبنان، وجعلت من الحياة به، أمرًا غايةً في التعقيد، وردتنا إلى عصور ما قبل التاريخ، وما قبل الحضارة، وما قبل الإنسانية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، أن هل أزمة الجامعة اللبنانية هي أمر طبيعي كغيره من أزمات القطاعات في البلد؟
أم مسألة تفتيتها هي أمرٌ مقصود، وراءه أرباب السياسية والفساد الذين يمتلكون العديد من الجامعات الخاصة؟