ولعلّ ما جرى قبل لقاء عين التينة وبعده يؤشر الى الانتقال للبحث في جوهر النسبية، وسط الابواب المغلقة، وفي آخر ما سُجّل، أنّ عرض الرئيس نبيه بري المتصل بنسبية الدوائر الست، قد تمّ تجاوزه لكن على قاعدة تفاوضية صعبة، فكلما أصرّ فريق على خفض عدد الدوائر، تجاوب الفريق الآخر برفعها، والجديد أنّ الثنائي الشيعي ألمح الى القبول بصيغة العشر دوائر من دون أن يقدّم عرضاً رسمياً، لكنه ما زال متمسّكاً وحسب ما تضمّنته صيغة بري بأن يكون الصوت التفضيلي حراً طليقاً داخل الدوائر، وهو ما يتوجّس منه ثنائي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» اللذان يرفضان أن تتحرك كتل الاصوات التفضيلية على هواها داخل الدوائر، لأنّ في ذلك اضعافاً لما يسمّونه التمثيل المسيحي.
وقد بدا في الايام الماضية أنّ كلاً من «التيار» و«القوات» انفصلا عملياً عن أن يكونا فريقاً تفاوضياً واحداً. فاندفع النائب جورج عدوان وشارك في لقاءات «بيت الوسط» وعين التينة من دون أن يكون ممثلاً لـ«التيار»، على عكس ما كان يجري، حين كان باسيل يتولّى التفاوض.
وصحيح أنّ كل طرف يفاوض شكلاً على ليلاه، لكنّ «التيار» و«القوات» يؤكدان أنّ المرحلة الاخيرة من حسم الخيارات متفق على خطوطها العريضة، وأنّ كلّ خطوة يقوم بها أيّ طرف يضع الطرف الآخر في أجوائها ويتشاور معه.
وتخلص مصادر الطرفين الى التشديد على جملة خطوط حمر لن يتخطّاها «التيار» ولا «القوات» في هذه المرحلة.
أوّل هذه الخطوط الحمر، قضية الدوائر حيث ستُرفَض صيغة بري ولن يتم القبول إلّا بدوائر الـ 15 أو الـ13 على أقل تقدير على أن يتمّ الاتفاق على رسم الدوائر بنحوٍ يؤمّن ما فوق الـ 50 نائباً منتخبين بأصوات المسيحيين.
والخط الثاني المتفَق عليه، هو التمسّك بالصوت التفضيلي بالقضاء، لأنّ السماح بالصوت التفضيلي داخل الدوائر، هو ديموقراطية عددية مقنّعة، تُدَسّ كالسم في الدسم.
أما الخط الثالث فهو التمسّك بنقل أكثر من اربعة مقاعد مسيحية الى دوائر ذات أكثريات مسيحية، وهو ما رفضه بري رفضاً قاطعاً.
هذه الخطوط الحمر يُتوقع أن تصعّب التفاوض في اللحظات الأخيرة التي تسبق الفراغ، وتطمئن أوساط الثنائي المسيحي الى أنّ «حزب الله» الذي يدعم بري، سيلين من موقفه على إيقاع الوضع المتحوّل في المنطقة، وتؤكد أنّ بعض تهديداته يدخل في باب التهويل، كونه يدرك أنّ اللعبة ليست في يده، وأنه غير قادر على فرض شروطه، وأن لا المعادلة الداخلية ولا الخارجية تتيح له هامش المناورة.
وتبعاً لذلك، تكشف الأوساط أنّ الهدف من تحديد موعد 29 الجاري للجلسة الاشتراعية، هو إمرار التمديد الى ايلول، بعد العودة الى قانون الستين، وتؤكد أنّ هذا العرض قد وصل الى الثنائي المسيحي، لكنّ هذا الثنائي، وتحديداً الرئيس ميشال عون يرفض بنحو قاطع القبول بالتمديد الى ايلول لإجراء الانتخابات وفق قانون الستين، وأنّ الخيار الآخر هو الذهاب الى تاريخ 19 حزيران وما بعده، حيث يمكن وبعد اعتبار المجلس النيابي (ورئيسه) منتهي الولاية، الدعوة الى انتخابات تكون حينها هي النتيجة لوصول الامور الى الحائط المسدود.
وتستخفّ الأوساط بالمبالغة في قدرة «حزب الله» على إحداث الفراغ الشامل، والتهديد باستقالة الحكومة قبل 19 حزيران أو بعده، «فالحزب لا يملك حقّ المشكل»، ولا خيار أمامه إلّا الاتفاق على قانون نسبي يرضي الجميع.