بشارة شربل:
لم ينزع المطران عبد الساتر الثقة عن حكومة حسان دياب قبل 48 ساعة من مثولها أمام البرلمان، إنما خلع باسم كلّ لبناني صاحب ضمير وأخلاق الثقة عن التركيبة السياسية الماثلة في وجهه برمتها والتي أذلت اللبنانيين وأوصلتهم الى الافلاس.
الحكومة “الديابية” مجرّد تفصيل. والثقة بها، سواء بأكثرية معقولة أو ممسوحة، لن تغيّر شيئاً في تفاهتها وفي كونها حكومة “تقطيع وقت”، ما دام الذي أتى بها اعتبرها “أهون الشرور”، وغير واثق من نفسه ليغطيها بثقة مجلسٍ يدافع عن وجوده بالشبيحة وخراطيم المياه والرصاص المطاط.
ما كان على حاضري قداس “مار مارون” ان يفاجأوا بعظة التقريع. فما بدأه سيد بكركي بهدوءٍ وتصميم منذ اندلاع ثورة 17 تشرين أكمله مطران بيروت بمباشرةٍ فجّة تليق بمن صمُّوا آذانهم عن صراخ الناس.
هذا العهد انتهى. وصورة رئيس الجمهورية ماثلاً في “محكمة” عيد القديس مارون تختصر هذه النهاية… صحيح أننا لم نكن ننتظر خُطبة عبد الساتر لنعرف أن السنوات الثلاث العجاف التي عاشها لبنان مستمرّة على المنوال ذاته، لكن وَجَبَ على المطران الثائر أن “يَمشَح” العهد تاركاً لأبيه في السماء تقديرَ الحساب، والرحمة على قدر الاستحقاق.
يخطئ العهد كثيراً لو اعتقد أن قمع الثائرين وتسوير مداخل ساحة النجمة بجدران العار سيعيدان رتق هيبة فُقِدت بلا رجعة، وأن أداةً مثل حكومة دياب تستطيع “مواجهة التحديات”. فما اقترفته الطبقة السياسية برمتها في حق اللبنانيين أكبر من أن يغطيها رئيس حكومة طامع بدخول نادي رؤساء الحكومات، ووزراءٌ مغتبطون بلقب المعالي ونوابٌ انتزعت منهم وكالة الناخبين. هذه أوضاع تتطلّب استجابة مطالب الناس بما يليق بالناس، أي حكومة انتقالية من مستقلّين حقيقيين تستطيع انقاذ البلاد، بعد ان تعلن على الملأ جردة الحساب وتبدأ بوضع الأصفاد في أيدي المرتكبين وعلى رأسهم عصابات النظام المصرفي.
حكومة حسان دياب “مش حرزانة”. اللبنانيون بأمسّ الحاجة الى فتح كلّ الملفات لإعادة بناء ما هدمه الفاسدون منذ ثلاثين عاماً. لا تقتصر المسألة على محاسبة هؤلاء عن أموال سرقوها، ولا على مساءلة رياض سلامة عن ألاعيبه مع زمرة جمعية المصارف لتطيير الودائع. نحتاج إعادة بناء شاملة وشرطها استعادة الدولة من براثن العهد المشؤوم والحرامية والميليشيات. إنّها ورشة أكبر من حسان دياب. نبحث عمّن يؤمن بأنّ ليس بالاقتصاد والدولار وحدهما يحيا لبنان. شرط انعاشه قضاءٌ مستقل واستراتيجية جدية للدفاع وجيشٌ واحد بلا شركاء وسياسة خارجية بلا أوصياء، ثم اقتصادٌ منتج لا يستبيح تعب الفقراء.
كلّ ما عدا ذلك اعتقادٌ واهٍ بأنّ المسألة تقنية ومجرّد خلاف بين دفع فوائد الدين الآن أم تأجيل إعلان الافلاس، فيما يبقى الكلام الجوهري: هل نريد بناء الدولة بلبنانيين محترمين أم استمرار مزرعة “الأوباش”؟