في الشكل، كان لافتا أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديڤيد هيل الى لبنان، وهي زيارة «بدل عن ضائع» هو وزير الخارجية مايك بومبيو الذي جال في المنطقة، استهلت بلقاء مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بصفته السياسية الشخصية كونه صديقا لـ«هيل» ومرافقة ديڤيد ساترفيلد.
وهذا الاجتماع كاف لتكوين فكرة عن الوضع اللبناني المتوتر سياسيا والمتدهور اقتصاديا والمتفاقم حدوديا والمتعثر حكوميا.
فحتى الآن لا يفهم الأميركيون تماما لماذا لم تشكل حكومة، وما الأسباب الفعلية التي تحول دون ذلك، وربما يكون هذا الموضوع واحدا من أبرز الأسئلة التي طرحت على جنبلاط، ولا يتوقع أن يكون جوابه شافيا وكافيا.
وفي الشكل أيضا، كان لافتا أن يبدأ هيل لقاءاته بالقيادات العسكرية والأمنية، قائد الجيش العماد جوزف عون، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وأن يقدمها على لقاءاته السياسية مع أركان الحكم.
في هذا الترتيب لجدول اللقاءات ما يدل الى نظرة إيجابية أميركية للمؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان، مقابل النظرة السلبية للمؤسسة السياسية الحاكمة، وحيث التعاون جيد ومثمر في مجال مكافحة الإرهاب، وحيث الدعم الأميركي لهذه المؤسسات جار بثبات، في وقت تتصاعد الشكوك في قدرة القوى السياسية على تشكيل حكومة وعلى الإيفاء بالتزاماتها وتعهداتها الدولية، إن لجهة تطبيق كامل للقرار ١٧٠١ أو إجراء إصلاحات مالية ومكافحة الفساد.
في المضمون، توزعت محادثات هيل على عنوانين أساسيين:
٭ الأول له علاقة بالحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، إن لجهة الوضع الناشئ حديثا في أعقاب إعلان إسرائيل عملية درع الشمال ضد أنفاق حزب الله، أو لجهة ترسيم الحدود البرية والبحرية والنقاط المتنازع عليها في إطار مفاوضات مفتوحة يتولى فيها الأميركي دور الوسيط، حول الخط الأزرق والحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية، مع العلم أن المسؤولين اللبنانيين، ورغم كل خلافاتهم السياسية حول الحكومة وسورية والقمة العربية، متفقون في موضوع الحدود وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، علم أن الجانب اللبناني سيبحث مع المسؤول الأميركي في مصير المفاوضات التي رعتها واشنطن عبر ساترفيلد في شأن المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، خصوصا بعدما تناهى الى مسامع المسؤولين اللبنانيين أن واشنطن تدرس تجميد وساطتها حول هذه المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من توتر مستقبلي في شأن الأحواض المشتركة ومنع لبنان من استثمار ثرواته البحرية، ومن استكمال خطواته المقررة لهذه السنة قبل بدء الشركات الدولية مرحلة التنقيب والتثبت من وجود كميات تجارية من الثروات النفطية.
وعُلم أن هيل كرر ما سبق لساترفيلد أن أبلغه إلى لبنان بأن وساطته تفصل بين الخلاف على الحدود البرية مع إسرائيل، وبين الخلاف على الحدود البحرية المتعلقة بالبلوك رقم ٨ من المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر والتي قرر الجانب اللبناني تلزيمها إلى كونسورسيوم من ٣ شركات السنة الماضية، للتنقيب عن النفط والغاز فيها، بينما تدعي إسرائيل ملكية جزء من هذا البلوك.
وتتوقع المصادر أن يستمر الجانب الأميركي على موقفه برفض إصرار الجانب اللبناني على الربط بين الاتفاق على تصحيح خط الحدود البرية وبين تحديد الحدود البحرية.
واعتبرت أن هذا الموقف الأميركي كان قد أدى بواشنطن إلى تجميد وساطة ساترفيلد السنة الماضية، ولا يبدو أنه سيعاد تفعيلها في القريب المنظور.
والبحث في موضوع الحدود يشمل أيضا مسألة التهديدات الإسرائيلية التي سيثيرها الجانب اللبناني، ومسألة خروقات حزب الله التي يثيرها الجانب الأميركي، متوقفا بشكل خاص عند الاكتشاف الأخير لأنفاق حزب الله العابرة للحدود، والتي تتحدى القرار الدولي رقم ١٧٠١ وتعرض أمن الشعب اللبناني للخطر، وتقوض شرعية مؤسسات الدولة اللبنانية، كما جاء في بيان صادر عن السفارة الأميركية في عوكر.
٭ العنوان الثاني يتصل بأنشطة إيران وحزب الله في لبنان، وذلك في سياق الحرب الأميركية المفتوحة على مشروع إيران في المنطقة.
ولا يمكن هنا تجاهل الصلة الوثيقة بين زيارة هيل الى بيروت وجولة بومبيو في المنطقة، مع التوقف عند تصريحاته في القاهرة التي تناولت في معظم عناوينها الوضع في لبنان كما تراه واشنطن.
فقد عبر وزير الخارجية الأميركي عن عدم قبول بلاده بالوضع الحالي الذي يمر به لبنان بسبب وجود حزب الله المدعوم من إيران، متهما إياه باعتداءات شكلت خرقا للقرار ١٧٠١، في إشارة واضحة الى تبني وجهة نظر إسرائيل في شأن الأنفاق، وقول بومبيو إن بلاده لن تحتمل مواصلة السياسات التي يقوم بها حزب الله في لبنان، مشيرا الى الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تهدف الى التقليل من تهديد ترسانة الحزب الصاروخية لإسرائيل، ودعم جهودها لمنع إيران من تحويل سورية لبنان آخر.
وما يثير القلق والترقب في بيروت، هو التوجه الأميركي الى تأسيس جبهة عربية لمواجهة إيران تجمع دول الخليج ومصر والأردن، وتأسيس تحالف دولي ضد إيران انطلاقا من قمة دولية ستعقد برعاية أميركية في العاصمة الپولندية (وارسو) الشهر المقبل.
والتحدي الذي يواجهه لبنان يكمن حاليا في أن دعوة أميركية ستوجه إليه للمشاركة في هذه القمة الدولية وستسبب له إحراجا.
فإذا اعتذر عن تلبية الدعوة سيكون خارج السياق الأميركي ومغامرا بالدعم الدولي له.
وإذا وافق على الحضور يعرض علاقته مع إيران واستقراره الداخلي، ويضيف الى أزمته الداخلية عاملا جديدا مفجرا.
وبعدما بالكاد نجح في تجاوز قطوع قمة بيروت العربية، سيواجه قطوع قمة وارسو الدولية. وبعدما كانت المشكلة في بيروت تتعلق بعدم دعوة سورية ودعوة ليبيا، فإن المشكلة في وارسو تبدأ من دعوة لبنان الى حضور هذه القمة المخصصة لمناقشة الخطوات الممكنة ضد سياسة إيران ودورها في المنطقة، في وقت قررت واشنطن اتباع سياسة هجومية ضدها.
الانباء الكويتية