اكتسبت زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لفرنسا أول من أمس، ولقاؤه الرئيس فرانسوا هولاند ونظيره الفرنسي، أهمية خاصة نظراً إلى الحفاوة التي استُقبل بها الحريري وتوقيت الزيارة بالنسبة إلى معطيات الوضع اللبناني، والوضع في المنطقة. وكذلك نظراً إلى الأولوية التي أعطتها باريس للزيارة في وقت تستعد فرنسا للانتخابات الرئاسية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع أن الحفاوة التي استُقبل بها الحريري تؤشّر إلى عمق العلاقات اللبنانية – الفرنسية على كافة المستويات، وإلى عمق العلاقات التي تربط آل الحريري بفرنسا منذ ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى الآن. فضلاً عن أن باريس في معايير الاهتمام بالشخصيات التي تزورها، تولي الأهمية في تقاليدها لرجال الدولة ورجال الحكم. وقد بقيت العلاقة الفرنسية الرسمية وعلى أعلى المستويات مع آل الحريري واستمرت وتعمّقت منذ أيام الرئيس جاك شيراك وصولاً إلى عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، ثم الرئيس هولاند، على الرغم من الانتماءات الحزبية المتنوّعة التي ينتمي إليها هؤلاء الرؤساء. وعلى الرغم أيضاً من اقتراب انتهاء ولاية الرئيس هولاند، فإن التقدير الفرنسي للرئيس سعد الحريري سيستمر مع وصول رئيس جديد لفرنسا، نظراً إلى دور عمل المؤسسات في هذا البلد العريق بالديموقراطية من ناحية، ومن ناحية ثانية، كون لبنان وأوضاعه يحظيان دائماً باهتمام فرنسي خاص، وأن فرنسا لا تترك لبنان اطلاقاً، وهي تقف دائماً إلى جانبه. وهذا ما كان يدركه المسؤولون اللبنانيون، في كل مرة يستشعر الفرنسيون خطراً داهماً على لبنان واستقراره وسيادته وحدوده ومؤسساته الدستورية. إنه دور تاريخي لفرنسا لن يقف عند حدود، ويتأكد باستمرار مع كل استحقاق مصيري لبناني أو وضع خطر في المنطقة تتخوّف فرنسا من انعكاساته على لبنان.
وتؤكد المصادر أن جملة مسائل لبنانية حظيت باهتمامات فرنسية لافتة، وهي: مؤتمرات باريس 1 و2 و3 لتطوير الاقتصاد اللبناني، وبرامج التعاون الاقتصادي والثقافي. ومساعدة الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى. ثم تقديم المساعدات للبنان لإيواء اللاجئين السوريين في الاطار الثنائي اللبناني – الفرنسي، وفي اطار المساعدات الاوروبية للبنان، فضلاً عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى السياسي، باريس تبقى الداعمة الأولى للبنان في مجلس الأمن الدولي، وهي التي تقدم مشاريع القرارات حوله في كل استحقاق. فهي تقدم مشروع قرار التجديد لـ«اليونيفيل» في آب من كل سنة، وهي تقف وراء أي بيان رئاسي يصدر في حالات مناقشة تقارير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرارين 1559 و1701، في مجلس الأمن.
وفرنسا ايضاً لعبت دوراً محورياً في إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان والتي تحاكم قَتَلة ومدبّري عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كما أن فرنسا ساهمت في عديد القوّة الدولية العاملة في الجنوب بموجب القرار 1701 «اليونيفيل»، وهي أكبر مساهمة، ويعتبر ذلك دعماً فرنسياً لدور القوة في إرساء الأمن والسلم الدوليين انطلاقاً من الجنوب اللبناني وعلى الحدود البحرية.
وفي الآونة الأخيرة اهتمّت فرنسا بعقد مؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان والتي لم تنعقد في نيويورك على هامش افتتاح الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي. وهي سعت لاستضافة المؤتمر بهدف الخروج بعناوين داعمة للبنان وسيادته واستقراره.
وفرنسا، وفقاً للمصادر، لديها عملية تشاور سياسي مع السلطات اللبنانية إن كان بالنسبة للاستحقاقات اللبنانية، أو بالنسبة إلى قضايا المنطقة وانعكاساتها على لبنان، وهي تدعم بقوّة حياد لبنان عن مشاكل المنطقة، بهدف حفظ الاستقرار. كما تدعم إجراء الاستحقاق النيابي اللبناني وفق المواعيد الدستورية، وإن كان هناك من تأجيل فيجب أن يكون لأسباب تقنية فقط. وهي شاركت بزخم ولعبت دوراً كبيراً أثناء فراغ سدّة الرئاسة، في المساعي للمساعدة في التفاهم الداخلي على رئيس للجمهورية.
(المستقبل)