لا يجد وزيرُ الداخلية نهاد المشنوق حراجةً في معظم إطلالاته الإعلامية ولقاءاتِه الانتخابية في الإفصاح عن «هواجسه» حول طريقة توزيع «الصوت التفضيلي» في دائرة بيروت الثانية، مصوِّباً بوضوحٍ نحو الهدف: «أتمنّى أن ينتبهَ الينا الرئيس سعد الحريري»!
«بيروتُ الثانية» هي دائرةُ رئيس الحكومة، رئيس «تيار المستقبل»، ورئيسُ أكبر تكتّل نيابي الذي اختبر لتوّه محنةَ الاستقالة الإجبارية ثمّ العودةَ الطوعيّة عنها.
يردّد المشنوق في استمرار أنه سيعطي صوتَه التفضيلي للحريري في الدائرة التي تضمّ ستة مرشحين سنّة، «لكن إذا فعلنا كلّنا الأمرَ نفسَه بتروح اللائحة»!
المسؤولُ التنفيذي الأوّل عن إدارة العملية الانتخابية في كل لبنان لا يتردّد بين الحين والآخر في إطلاق ما يشبه نداءَ إستغاثة «على الحريري الحرصُ على طريقة توزيع الصوت التفضيلي بما «تبقّى» لديه من مجموع الأصوات لكي ينجّح مَن يُفترض أن ينجحَ معه. الناس يصوّتون بعاطفتهم لكن المطلوب الفوز»، معترِفاً بصراحة كلّية «أنها عقدتي».
لا يمكن الجزم بمدى سيطرة «فوبيا» «الصوت التفضيلي» على أولياء قانون الانتخاب الجديد حين قرّروا أن يرهنوا مصيرَهم ومصيرَ أحجام كتلهم النيابية بخيارٍ انتخابي يرتقي الى مستوى المغامرة حتى لو جُرّب سابقاً، بنحو غير مباشر، عبر قوانين الانتخاب القائمة على النظام الأكثري.
لكنّ آليّةَ التصويت وفرزَ النتائج مختلفان تماماً والصناديق ستتكلّم. التجربةُ جديدة ومحفوفة باحتمالات الانتصارات المدوّية أو الباهتة، وأيضاً الخيبة والإحباط، وربما «التدمير الذاتي» لبعض المرشحين!
ما يَخشى منه المشنوق في بيروت الثانية، وعلي عسيران وميشال موسى في الزهراني مع الرئيس نبيه بري، ومروان حمادة ونعمة طعمة وبلال عبدالله في الشوف مع تيمور جنبلاط، وحسن شمس الدين في صيدا مع النائب بهية الحريري، وجوزف اسحاق في بشري مع ستريدا جعجع، واسطفان الدويهي وسليم كرم في زغرتا مع طوني فرنجية… هو واقعٌ أراحَ جبران باسيل رأسَه منه باكراً جداً!
فبخلاف كل «دوائر الزعماء» المكتملة بعدد مرشحيها إختار باسيل أن ينامَ على وسادته مطمئنّاً الى أن لا «أصوات تفضيلية» ستذهب الى شريكه الماروني الثاني على اللائحة.
المعني هو نعمة ابراهيم، عضو هيئة قضاء البترون سابقاً، وأحد مستشاري باسيل ومساعديه. مهمّة ابراهيم بعد تقديم ترشيحه واضحة ومحدّدة: «كمالة عدد» للّائحة في الشكل. أما في المضمون فالتركيزُ سيصبّ على استفادة اللائحة من أعداد المندوبين المحسوبين عليه ومن رفع سقف المصاريف الانتخابية للّائحة.
إذاً، هو من ضرورات المعركة لوجستياً. الأرجح سينال أصوات عائلته وبعض القريبين، وربما سيستفيد من تصويت «النكاية» بجبران لمَن يرغب بتأييد لائحة «التيار الوطني الحر» وحجب «الصوت التفضيلي» عن «معاليه».
النائب بطرس حرب، و«القوات» و»الكتائب» فعلوا الأمرَ نفسَه بتبنّي مرشحٍ واحدٍ عن أحد المقعدَين المارونيَّين في القضاء لدواعي المعركة، لكنّ المفارقة أنّ الساعي لترؤس أكبر كتلة نيابية لتوظيفها في خدمة العهد لا يتردّد في سلوك «الطريق السريع» للفوز عبر الاستعانة بـ«موظّف» على اللائحة يستفيد من خدماته في يوم الانتخاب كُرمى لـ«عدّاد» الأصوات التفضيلية محاذِراً تبنّي مرشح من أصحاب الوزن الانتخابي في دائرة يُغرقها بالخدمات منذ تولّيه أوّل حقيبة وزارية عام 2008.
في دائرة صور- الزهراني لا يُحسد النائب ميشال موسى كثيراً على وضعه. ثمّة قرارٌ باستنفار ماكينة حركة «أمل» و«حزب الله» لتأمين فوز المرشحَين؛ الشيعي علي عسيران، والكاثوليكي موسى الى جانب بري، عبر التوزيع المنظَّم للأصوات، والهدف رفع الحاصل قدر الإمكان لتأمين الفوز الثلاثي مع تسجيل مخاوف حقيقية لدى موسى، نائب «اتّفاق الطائف» منذ 1992، مِن التصويت الجارف لرأس اللائحة، مع العلم أنّ هناك خمسة مرشحين عن المقعد الكاثوليكي وأربعة مرشحين عن المقعدَين الشيعيَّين.
فكيف يمكن إقناعُ المحازبين والدائرين في فلك «الأستاذ» بمنح جزءٍ من «الصوت التفضيلي» لصديقيه وليس له، خصوصاً أن لا أحدَ من القوى السياسية قادر على الجزم بأنّ الالتزام بـ«أوامر» توزيع «الصوت التفضيلي» سيكون كما كُتب على الورقة والقلم!
ولن يكون الوضعُ في زغرتا أفضلَ حالاً. طوني فرنجية يرث مقعدَ والده في الدائرة المعرَّضة، بمقاعدها الثلاثة، للخرق. وهجُ الوريث يكاد يوازي وهجَ والده، والتصويت العاطفي سيحجز مكاناً في صناديق الاقتراع، لكنّ مسؤولي «المردة» يؤكّدون أنّ هناك مساعي حقيقية لتأمين فوز الدويهي وكرم ومحاولة سدّ الثغرات التي تمنع ذلك.
و«مصيبةُ» الصوت التفضيلي بالنسبة الى المرشح جوزف اسحاق في بشري لا تشبه غيرَها. غامر رئيسُ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للمرة الأولى في تاريخ الترشيحات البشرّاوية باختيار مرشح من خارج بشري هو النقيب الأسبق للمهندسين في الشمال ليخوض المعركة الانتخابية الى جانب ستريدا جعجع. اسحاق من بلدة حصرون التي فازت فيها «القوات اللبنانية» في الانتخابات البلدية الماضية بفارق نحو 150 صوتاً عن «مرشح التيار».
خلق الأمرُ نقمةً شمالية فزحفت الوفود من حدشيت (ثاني أكبر قلم بعد بشري) وبقاعكفرا وسائر البلدات تطالب بتبنّي مرشح منها.
الوجهُ الآخر لـ«المصيبة» أنّ اسحاق لم يكن مقاتِلاً سابقاً في «القوات»، ولا بروفيلَ سياسياً له، بل يدور فقط في فلك المؤيّدين لمعراب. ثغرةٌ يقول محازبون في «التيار الوطني الحر» كان يمكن استغلالُها بتبنّي ترشيح وليم طوق في بشري «عندها كنا وضعنا يدَنا ربما على المقعد الماروني الثاني».
لا يبدو أنّ توزيعَ الأصوات التفضيلية، تحديداً في قلعة «القوات»، يقلق معراب بعد الاتّفاق المُبكر على خريطة التصويت. الأهم، أنّ «القواتيين» يشعرون بفائض قوة «بشري تحت السيطرة تماماً، والالتزام بتوزيع «الصوت التفضيلي» سيتأمّن بحدّه المطلوب الذي سيؤمّن فوزاً نظيفاً لنا في القضاء»!
(الجمهورية)