أعلن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في تصريح على لسان المتحدث باسمه العقيد ريان ديلون، الثلاثاء، أن هناك المئات من عناصر التنظيم وصلوا إلى مناطق قرب العاصمة دمشق، من خلال نقاط خاضعة لسيطرة جيش النظام السوري.
ولفت في كلام ديلون، قوله إن “داعش” نقل عدداً من عناصره إلى جنوب غربي سوريا، وشمال غربي سوريا، بعد فترة “تمويه” قضاها التنظيم في الفرات الأوسط، استعداداً لهذا الانتشار في المنطقتين المذكورتين، وهما اللتان شملتا باتفاقي خفض تصعيد، في وقت سابق.
داعش يعبر بآلياته الثقيلة مناطق النظام
وسبق وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقارير مختلفة له، عن تحركات لعناصر تنظيم داعش تحت عين النظام السوري، وفي مناطق سيطرته. وقال المرصد في تقرير له في التاسع من أكتوبر الماضي، إن “تنظيم الدولة يعبر بآلياته الثقيلة مناطق النظام”.
ويذكر أن منطقتي جنوب غرب سوريا، وشمال غربي سوريا، مشمولتان باتفاقي خفض تصعيد. الأول أعلن عنه في يوليو الماضي، باتفاق روسي أميركي أردني، ثم قامت الأطراف الثلاثة بجعله مذكرة رسمية في الثامن من نوفمبر الماضي.
وفيما دب خلاف روسي أميركي بشأن “تفسيرات” اتفاق خفض التصعيد في جنوب غربي سوريا، إذا ما كان يفترض طرد الميليشيات والعناصر الإيرانية لمسافة “آمنة” بعيداً من الحدود الأردنية، بغية منع التمدد الإيراني في تلك المنطقة، رفض نظام الأسد الإعلان عن إبعاد تلك الميليشيات، ولم تبد طهران تأييداً عملياً لهذا الاتفاق، خصوصاً كونه يشير إلى نزع ميليشياتها الموزعة في تلك المنطقة، فسعت للالتفاف على الاتفاق بطرق مختلفة، منها محاولة تأسيس فصائل مقاتلة من سوريين موالين لها.
مصلحة إيرانية في إعادة انتشار داعش
وتتواجد ميليشيات إيران، بكثافة في جنوبي دمشق، متخذة من “السيدة زينب” محوراً رمزياً لحشد المقاتلين الشيعة من مختلف أنحاء العالم، للقتال في دمشق لصالح نظام الأسد، تحت عنوان “الدفاع عن المراقد المقدسة”.
وتأتي المنطقة الثانية التي أشار إليها المتحدث باسم التحالف الدولي كمكان وصل إليه عناصر داعش، وهي منطقة شمال غربي سوريا، حيث تكون محافظة إدلب في قلبها، حيث شملت الأخيرة باتفاق خفض تصعيد بين رعاة “أستانا” الروس والإيرانيين والأتراك، في جولته السادسة التي انعقدت في شهر سبتمبر الماضي.
وتشمل منطقة شمال غربي سوريا، مناطق حدودية مع تركيا في محافظة حلب الشمالية، كمنطقة عفرين، بما تعنيه بصفة خاصة بالنسبة للأتراك وعلاقتهم المتوترة مع الأكراد هناك.
وهاجم النظام السوري تركيا، بعد إعلانها نشر قوات في مناطق شمال غربي سوريا، معتبراً أن قواتها في المنطقة احتلال، مطالباً بسحب قواتها على حد ما قالته خارجية النظام في أكثر من بيان، وتبعاً لتصريحات لرئيس النظام، أكثر من مرة.
وردّ الجانب التركي على نظام الأسد بأن نشر قواته في شمال غربي سوريا، جزء من اتفاق أبرمه مع حليفيه الإيراني والروسي.
أكثر من عين على شمال غربي سوريا
الهدف التركي المعلن من نشر القوات في منطقة شمال غربي سوريا، لا يخفي نيته مما يسميه القضاء على “ممر الإرهابيين” قرب حدود البلاد، مهدداً بشن عملية عسكرية في إدلب وفي المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في جزء من شمال غربي سوريا التابع لمحافظة حلب، وتحديداً منطقة “عفرين” التي يشير إليها الجانب التركي بصفتها معقلاً لخصومه المتمثلين بوحدات حماية الشعب الكردي أو قوات سوريا الديمقراطية.
وتشكل عفرين الكردية أقصى النقطة الشمالية الغربية من حدود سوريا مع تركيا.
ويظهر من خلال تسلل عناصر داعش وإعادة انتشار لبعض عناصره، التركيز على مناطق شملت بخفض تصعيد، بعضها لم يرق للنظام السوري وإيران، كجنوب غربي دمشق، وبعضها الآخر عبّر عن تفاهمات تركية روسية يؤمن للأولى غطاء محاربة الوحدات الكردية. الهدف الذي لا تخفيه تركيا في تصريحات كبار مسؤوليها.
مصلحة مشتركة لداعش ونظام الأسد
ويرسل نظام الأسد قواته العسكرية إلى حدود محافظة إدلب التي شملها اتفاق خفض التصعيد، منذ فترة، في خرق واضح لهذا الاتفاق. وعملياته العسكرية في حدود المحافظة تكاد تكون على مدار الساعة في الآونة الأخيرة، كما تنقل الأخبار الواردة من المنطقة.
ويؤكد المحللون العسكريون أن حروب النظام السوري شمال محافظة حماة، جزء من استراتيجيته العسكرية باتجاه إدلب.
إلى ذلك، فإن تبايناً في الموقف العسكري على الأرض، جرى بين الروس ونظام الأسد، بخصوص ما اعتبرته موسكو هزيمة لداعش، إذ أعلن رئيس النظام السوري أن خطر داعش لم ينته، ورفض الاشتراك مع الروس بـ”احتفال” النصر الذي أعلنته روسيا من طرف واحد.
ويمثل بقاء داعش، بالنسبة لنظام الأسد، خصوصا في مناطق خفض التصعيد التي وافق عليها بضغط روسي، كجنوب غربي دمشق وإدلب، مبررا له لتوسيع عملياته بمحاربة فصائل المعارضة السورية التي تقاتل داعش في جنوب غربي سوريا ومحيط دمشق ومناطق أخرى بطبيعة الحال. وقامت المعارضة السورية، بدعم من القوات الأميركية، بصد هجوم لداعش في الأيام الأخيرة، بعدما عبر مناطق تحت سيطرة النظام السوري، وهاجم منطقة “التنف” على حدود الأردن.
وقيام عناصر من “داعش” بالعبور من مناطق يسيطر عليها النظام، وصولاً إلى منطقة “التنف” التي شملها اتفاق خفض التصعيد، يمثل بالنسبة لإيران، كذلك، بالنسبة لمحللين، هدفاً استراتيجياً بتبرير تواجدها العسكري في تلك المنطقة وسحب الذرائع من المطالبين بإبعاد ميليشياتها من هناك.
ضعف جيش الأسد يسهّل إعادة انتشار داعش وتنظيم صفوفه
وفي الاتجاه ذاته، تعكس التقارير الميدانية، ضعف القدرة العسكرية لنظام الأسد وعجزه عن الإمساك بالأرض في كثير من مناطق سوريا، الأمر الذي يكمن وراء اتفاقات الهدن المؤقتة التي يعلن عنها بين الحين والآخر. وكذلك خسارته مناطق كان سيطر عليها في وقت سابق، ثم استعادته لها، مثلما حصل في تقدم قوات داعش في منطقة مخيم التضامن المحاذي لمخيم اليرموك، جنوب دمشق، منذ أيام.
ونقلت الأنباء تمكن داعش من احتلال عدد من النقاط بعد الهجوم الذي شنه على نقاط لجيش الأسد في حي التضامن.
ويسيطر داعش، جنوب العاصمة دمشق، على حي اليرموك والحجر الأسود وأجزاء من حي التضامن والعسالي، فضلا عن امتلاكه أكثر من معبر في المنطقة المشار إليها.
داعش يتحرك تحت عين النظام إلى وجهة مجهولة
وتحدثت مصادر سورية معارضة، في وقت سابق، عن تمكن عناصر من داعش من الخروج من مناطق النظام في جنوب دمشق، إلى مدينة درعا التي هي جزء من منطقة خفض تصعيد جنوب غربي سوريا.
وحددت تلك المصادر مجموعتين تابعتين لداعش، خرجتا عبر مناطق تخضع لنظام الأسد، إلى “جهات مجهولة”، الشهر الجاري. وربما تكون هي المجموعة الداعشية التي شنت هجوماً على المعارضة السورية في منطقة “التنف”.
وسعى نظام الأسد، للفت الأنظار عن عملية انتقال داعش عبر مناطقه التي يسيطر عليها، بالقول إن “داعش” أصبح “داعشَين” اثنين، تبعاً لما نقلته “الوطن” التابعة له في وقت سابق، تبريرا منه للتحركات العسكرية التي يقوم بها التنظيم جنوب دمشق، والتي تبدو “متناقضة”، بينما الجزء الغامض في تلك التحركات، والتي أرجعها النظام إلى كون التنظيم أصبح تنظيمين، بحد زعمه، يكمن في تفاهمات “تسهّل” انتقال داعش من مناطقه إلى مناطق شملت بخفض التصعيد، كجنوب غربي دمشق التي تفترض إبعاد ميليشيات إيران، وكشمال غربي سوريا الذي أصبح هدفاً لأكثر من طرف، على رأسهم نظام الأسد.