البطريرك الراعي: بصلاتنا وإتحادنا بالله وصمودنا بالإمان والرجاء والمحبة نحن أقوى من كل أسلحة البلدان وأسلحة الشعوب
توج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إحتفاليات عيد القديس شربل في بقاعكفرا مسقط رأسه حيث ترأس القداس الإحتفالي على مذبح أعد خصيصاً للمناسبة في مذبح الملعب الرياضي في البلدة. وعاونه كاهن الرعية الخوري ميلاد مخلوف وحشد كبير من الكهنة والرهبان وحضر القداس منسق القوات اللبنانية في القضاء النقيب جوزيف إسحق ممثلاً النائب ستريدا جعجع، محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، وزيرة السياحة الأردنية لينا عناب، قائمقام بشري ربى الشفشق، قائد منطقة الشمال في الجيش اللبناني العميد الركن أمين بو مجاهد، العميد رينه معوض،آمر مفرزة طرابلس القضائية العقيد نديم عبد المسيح مدير مصلحة مياه بشري شربل بشارة، رئيس إتحاد بلديات الجبة إيلي مخلوف وعدد من رؤساء البلديات في المنطقة ومخاتيرها، مأمور نفوس بشري جان إيليا،منسق اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي الاسلامي جوزيف محفوض منسقو القوات في القضاء وحشد كبير من المؤمنين من كل المناطق اللبنانية. وخدمت القداس جوقة رعية بقاعكفرا والتينور الفنان غبريال عبد النور.
في بداية القداس ألقى الخوري أنطوان سركيس كلمة أعرب فيها عن فرح وإعتزاز بقاعكفرا وكهنة رعيتها وفعالياتها بحلول النعمة والبركة بشخص غبطة البطريرك وأضاف: في زمن تشن حروب عنيفة على المسيحية والمسيحيين من قبل جهات متطرفة وإيديولوجيات مناوئة للمسيحية في بلدان جذورها منغمسة في الإنجيل يصرحون بوقاحة أن الإنسان في نظرهم قادر وبإمكانياته العلمية والتقنية أن يسيطر على الكون دون العودة الى الله.
وتابع: كم نشعر في هذه البقعة الفريدة بتاريخها وتراثها بالحاجة الى الإلتفاف حولكم يا صاحب الغبطة وأنتم الأب الساهر على رعيته لنعلن من على مشارف وادي القديسين وبإيمان كبير ولاؤنا لكنيستنا ومسيحنا سائلينه أن يحمي خرافه من الذئاب وينفخ فينا من روحه كي نبقى في هذا الشرق المعذب مع أصحاب الإرادة الطيبة أياً كان ولاؤهم وإنتماؤهم.
وختم: سنسمع منك دائماً كلمة الحياة لنبقى شهد قيامة ومحبة ورجاء.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى البطريرك الراعي عظة روحية تناول فيها سيرة القديس شربل وعجائبه وقال: حينئذ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم. الشمس تغيب عنا، لكن شمس القديس شربل لا تغيب أبداً هذا هو كلام الإنجيل الذي تحقق فيه يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت الله، وأصبح معروفاً أن شمس القديس شربل التي لا تغيب ولا تعرف مغيب تشمل الكرة الأرضية كلها. ذلك أنه على الأرض عاش نوراً مخفياً لعيون الناس ولكن معروفاً من الله. وبعد حياة خفية عاشها هنا في قريته بقاكفرا وفي الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة وفي دير مار مارون عنايا ثم في الصومعة حياة خفية بعيدة عن جميع الناس قريبة من الله بعمق شاء الله أن يكون القديس شربل شمساً تتلألأ على الدنيا كلها. فلا يوجد بقعة على وجه الأرض لا تعرف القديس شربل، لا يوجد إنسان إلا ويعرف القديس شربل، نحن الليلة في بلدته في بقاعكفرا نستظل نوره، نور فضائله، نور إيمانه ورجائه ومحبته، نور تواضعه نور بساطته، نور فقره نور طاعته وعفته، نور إنسلاخه الكامل عن هذه الدنيا ليكون لله فجعله لجميع الناس.
وتابع: أقول هذا لأننا وقد أتينا في زيارة تقوية الى بقاعكفرا فلكي نلتمس نعمة الإقتداء به وأن نعود الى بيوتنا وحاملين ولو قبس من فضائله ومن شخصيته لكي كل واحد منا في مكانه وحيث هو في مسؤوليته كبيرةً أم صغيرة وفي حالته الشخصية أيةً كانت أن نكون قبساً من نور الله في هذا العالم. المسيح الرب يقول لنا أنا نور العالم جئت لكي يستنير كل إنسان ويوجه كلامه الى الناس كل الناس فليضئ نوركم أمام الناس ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السماء. نعم العائلة والمجتمع والدولة ومكان العمل كل واحد منا يستطيع ومدعو أن يكون قبساً من نور، نور الحقيقة نور محبة نور عدالة نور خير نور سلام هذه هي الأعمال الصالحة التي ينتظر من كل واحد منا أن يكون قبساً من هذا النور لم يعتد يوماً القديس شربل أن يكون نوراً، لم يعتد يوماً انه هو نور، لكنه عاش في الخفاء وكان يعتبر نفسه أحقر الناس وأخطأ الناس وأبعد الناس لكن نور الله هو الذي كان يشعله من الداخل.
وأضاف: أيها القديس شربل أيها النور الساطع على الكون نحن نسألك هذه الليلة أن تجلبنا بنور الله، لكي نكون أبناء النور ونعيش أبناء وبنات نور ولن يكون فينا ظلمة أو ظلام. نحن في بقاعكفرا، نحن على تلة الوادي المقدس، القديس شربل إين هذه البيئة أبوه من هنا أنطون زعرور مخلوف أمه بريجيتا الشدياق من بشري على مشارف هذا الوادي وتقاليد هذا الشعب الذي عاش هنا، عاش أميناً ملخصاً للتاريخ وللتقليد وللأرض فتقدس. شربل لم يسقط من السماء لم يهبط كمظلة لكنه إبن شعب سار هنا في هذه البيئة، شعب عاش الإيمان والصلاة والتأمل وأستطيع أن أقول لكم إنه ذروة وقمة مسيرة شعبكم من جيل الى جيل في هذه البيئة المقدسة ما يعني أننا نحن كلنا مدعوون لأن نواصل خط هذا الشعب.
وتابع: وهذه هي المسؤولية التي نحملها لا أحد منا عمره يبدأ يوم مولده لكننا عندما نولد نحمل تراثاً كبيراً تراثاً دينياً وتراثاً وطنياً، تراثاً ثقافياً، تراثاً حضارياً كل واحد في وطنه وبيئته وبين شعبه ولذلك بروح المسؤولية التي تميز بها القديس شربل روح المسؤولية وروح الإلتزام كل واحد منا مدعو أن يعيش ملتزماً بالخط الذي سبقه فلا يعبث بالتاريخ، فيحلو أن يقال أن كل إنسان يشكل حلقة في مسيرة من سلسلة طويلة وينبغي أن لا تنكسر الحلقة مع أحد. مار شربل لم يكسر الحلقة بل شددها وقواها ويقول لنا أن نكون نحن أيضاً حلقى متينة نعيش ظرفاً صعباً ودقيقاً نوه إليه حضرة الخوري أنطوان أشكره على كلمة الترحيب الغنية بالمعاني الروحية واللاهوتية.
وأردف: نحن في هذا المشرق كلنا نعيش ويلات حروب ونزاعات ودمار، ويلات خراب وتهجير وقتل، وكأن لغة هذا المشرق الذي شهد على أرضه كل التجليات التصميم الخلاص الإلهي وكأن هذه الأرض المقدسة والوسيلة تأتي من أرض مقدسة بشكل مميز وبإمتياز وكأنه يراد أن هذه الأرض المقدسة تكون أرض حديد ونار، أرض المحبة يريدونها أرض حقد، أرض الحياة أرض موت، أرض السلام أرض حرب، أرض الأخوة أرض عداء. نعيش هذا الظرف الصعب، لأقول أن القديس شربل يخاطبنا اليوم أن نكون صامدين كما صمد هو، هنا صمد بأعلى قرية من لبنان صمد هنا بالإيمان، صمد بالصلاة، وكان أجدادكم يسمونه الشب القديس وهو يعيش هنا هذه القداسة ثم على قمة أخرى قمة عنايا راح يعيش ويصمد يصلي ويتحد بالله ليقول لنا ليوم أننا نحن بصلاتنا وإتحادنا بالله وصمودنا بالإمان والرجاء والمحبة نحن أقوى من كل أسلحة البلدان وأسلحة الشعوب مهما كانت سوفيستيكية كما يقولون الإيمان أقوى والحب أقوى والصمود أقوى فلا تخافوا. هذا ما أعتقد أنه يقوله لنا اليوم القديس شربل لكي نواصل صمودنا ونبني تاريخنا ونوسع حضارتنا وثقافتنا. وأنتم أيها الأحباء وبخاصة أبناء هذه المنطقة حافظوا على تقاليدكم حافظوا على خطكم الذي القديس شربل أعطاه المزيد من القيمة والقداسة.
وختم: معكم نرفع صلاتنا إليه: أيها القديس شربل أنت بحبك العظيم لله وبإيمانك الثابت والصامد كصخور هذا الوادي المقدس أنت تجذرت هنا في الإيمان وإرتفعت الى أعالي السماء وإذ تتلألأ كالشمس في الملكوت السماوي إسأل لنا من المسيح الفادي أن يصبغ علينا من أنواره لكي ندرك من جديد أن طبيعتنا طبيعة النور وأننا مدعوون لنكون نوراً في كل مكان وكل زمان وكل ظرف ونرفع معك ومع القديسين نشيد المجد والتسببيح للآب والإبن والروح القدس الآن والى الأبد آمين.
وبعد القداس ألقى رئيس بلدية بقاع كفرا إيلي مخلوف كلمة رحب فيها بالحضور وقال: يسعدنا ويشرفنا أن تمنحونا يا صاحب الغبطة بركتكم الأبوية في ذكرى عيد مار شربل من كل سنة. وبركتكم هي زاد الطريق في معابر الحياة ومعاييرهان كأنكم يا صاحب الغبطة على خطى المعلم الأول، أتيتم لتكون لنا الحياة وتكون لنا أوفر. تكون لنا أوفر بمبادرتكم الهادفة الى نهضة روحية، رسولية تؤسس لمستقبل موعود من الله بأن لا تقوى عليه أبواب الجحيم. بهذا الرجاء والثقة نتطلع إليكم يا صاحب الغبطة ترعون القطيع، الذي أوكلته العناية الإلهية إليكم، بروح الشراكة والمحبة. إن هذه الروح التي رفعتموها شعاراً لخدمتكم البطريركية هي الكفيلة بأن تجعل الحياة لنا أوفر. وإننا فيما نجدد المحبة لشخصكم الكلي الطوبى نؤكد العمل الدؤوب من أجل هذه الحياة التي تريدونها لنا. وهذه تقتضي بأول شروطها عبر المحبة الإنجيلية والشهادة لقيمها فوق أرض مقدسة شاءنا الله فوقها لنؤدي الرسالة. وهذا ما نؤكد العوم عليه لجهة الإحاطة بكل حاجات إنساننا الروحية والمادية. وإنسان هذه المنطقة، منطقة الأرز والوادي المقدس، هو الذي صنع تراثها الفريد، وحصل لنا هوية فريدة، وهو الجدير المستحق المستأهل كل عناية ودعم يحررانه من كل معوقات نموه، ومن الحرية المحجوبة عنه بعوامل الفقر والحاجة والإهمال والإستغلال.
وأضاف: إن إصغائنا الى كلماتكم، يا صاحب الغبطة، هو إصغاء لصوت الحق والعدالة، وهو دعوة لنا لمواجهة هذه العوامل المذكورة. ومن غير الكنيسة بمعلمها الأول، وبراعيها الصالح، كان ورراء تحرير الإنسان والجماعة؟ وما تنادون به هو إمتداد لصوت المحرر الأول، الذي أتى لتكون لنا الحياة أوفر. إنكم تكملون هذه المسيرة وتسعون بتعليمكم وبأعمالكم الى هذا التحرير الكامل للإنسان. والمدخل الى ذلك تنشئة روحية تقوم على نشر ثقافة الإنجيل حاملة الأجوبة على إنتظارات العدالة والإنماء والسلام وكرامة الشخص البشري. وإذا كنا نتمسك بهذه التنشئة الروحية، فنظراً لثمارها الطيبة التي نعررفها في رعايانا، ورعية بقاعكفرا واحدة منها بإهتمام خادمها الخوري ميلاد مخلوف، ولثمارها الطيبة أيضاً نجنيها من عناية وسهر من ينوب عنكم في رعاية نفوسنا في هذه المنطقة، وبالأمس ودعنا راعياً صديقاً طيباً هو سيادة المطران مارون العمار، وقد سلم الأمانة لسيادة المطران جوزيف نفاع، فللمطران العمار محبتنا ووفاؤنا لماض جميل عشناه معاً، وللمطران نفاع ثفة وأمل بمستقبل واعد نقوى فيه بإيماننا على كل العقبات والصعوبات.
وتابع: وفي مجالات التنمية البشرية نجدد عهود الإلتزام بمتابعة ورشة التنمية هذه من خلال بلدياتنا كل واحدة منفردة ومن خلال إتحادها أيضاً، محاولين مقاربة كل الملفات الإنمائية الملحة على قاعدة الإفادة من المقدرات الطبيعية التي أنعم الله علينا بها مع المحافظة على خصوصياتها وفرادتها، هذه المحافظة التي لا تعني تحت أي إعتبار تجميداً وأمانة للحياة في هذه الخيرات الطبيعية. إننا في سعينا الإنمائي هذا نلتقي مع مساعي وبدعم سعادة محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا رمز الشفافية ونائبي المنطقة سترريدا جعجع وإيلي كيروز اللذين يمدان جهدنا بأسباب الدعم والنجاحن في ظل غياب لأجهزة الدولة الرسمية، المعنية غياباً شبه تام عن حاجاتنا وعن خطة إنمائية في أرضنا هنا بتاريخها وتراثها ودروسها الماضية كل أسباب القوة النابعة أولاً وأخيراً من الإيمان تجسده روحانية الشركة والمحبة.
وختم: قبل أن أنهي أريد أن أشكر كل من ساهم في إنجاح الإحتفال خاصةً كاهن الرعية الصديق الخوري ميلاد مخلوف، أعضاء المجلس البلدي فرداً فرداً وأكيد لولا التضامن لما وصلنا الى هنا، والمخاتير ومكتب منسقية القوات في بقاعكفرا التي هي منا ونحن منها وكل عيد وأنتم يا صاحب الغبطة ونحن أعمق محبة لشخصكم وأشد ولاء لمقامكم الروحي والوطني.
ثم أطلقت الأسهم النارية أقيم عشاء تكريمي في قاعة الرعية على شرف البطريرك والمشاركين.