يتأكد يوما بعد يوم ان الانسحاب الاميركي من سوريا يشكّل جزءا من خطة اقليمية شاملة وضعتها واشنطن، للتحرك وفقها في المنطقة، في المرحلة المقبلة. وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية غربية مطّلعة لـ”المركزية”، ستتظهر معالم خريطة الطريق هذه تباعا، الا ان ما خرج منها الى الضوء حتى الساعة، بناء على التطورات الميدانية والسياسية التي أعقبت قرار الرئيس دونالد ترامب باعادة جنوده من سوريا الى بلادهم، يقود الى الاستنتاج بأن هذا الانسحاب يعتبر تكتيكا أميركيا جديدا يخدم أهمّ اهداف البيت الابيض: تسوية النزاع السوري ومحاربة التمدد الايراني في الشرق الاوسط.
فخلافا لما اعتقده البعض للوهلة الاولى، ان ترامب اخلى الساحة في سوريا والمنطقة لمحور الممانعة، المدعوم من قبل الروس، تبيّن ان الاميركيين أرفقوا انسحابهم العسكري، بإناطة مهمة تحقيق “التوازن على الارض” مع ايران، الى الاتراك من جهة (شمالا) والى العرب ايضا، عبر تحفيزهم على العودة الى دمشق. فكان ان اعلنت عواصم خليجية عدة عن استئناف نشاطها الدبلوماسي في سوريا، أبرزها الامارات والبحرين، وقد اكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش ان “قرار دولة الامارات العربية المتحدة بعودة عملها السياسي والدبلوماسي في دمشق يأتي بعد قراءة متأنية للتطورات ووليد قناعة أن المرحلة القادمة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري حرصا على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها”. وأضاف “الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي”.
الى ذلك، تتابع المصادر، من المرجح ان يكون الانسحاب منسقا مع الروس ايضا، بحيث يساعد موسكو على مضاعفة ضغوطها على طهران لاخراج مقاتليها والفصائل المدعومة من قبلها، من سوريا، بعد ان كان الكرملين ربط مرارا عمله على هذا الخط، بضرورة خروج الاميركيين ايضا من سوريا.
أما على صعيد المنطقة ككل، فسجّل حرص اميركي على تأكيد مواصلة المواجهة مع ايران رغم الانسحاب. فقد أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الخميس، ان “النظام الإيراني هو الراعي الأكبر للإرهاب في العالم”، مشيرا الى ان “الولايات المتحدة لن تقف موقف المتفرج وتشاهد السياسات المدمرة للأنظمة الإيرانية وهي تعرض الاستقرار والأمن الدوليين للخطر”. وطالب بومبيو ايران في بيان “بوقف أي أنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية”. وحذر النظام الإيراني، من المضي قدما في عمليات إطلاق صواريخ مزمعة إلى الفضاء وطالبها بوقف كل الأنشطة المرتبطة بالصواريخ الباليستية”. وتابع “ننصح النظام بإعادة النظر في عمليات الإطلاق الاستفزازية تلك، ووقف كل الأنشطة المرتبطة بالصواريخ الباليستية لتجنب مزيد من العزلة الاقتصادية والدبلوماسية”.
ويبدو ان الاسلوب الاميركي الجديد في المنطقة، دفع بايران الى رفع السقف. اذ اعلن نائب قائد البحرية الإيراني الجمعة إن طهران سترسل سفنا حربية الى غرب المحيط الأطلسي بدءا من آذار، ساعية الى مد نطاق عمل قواتها البحرية بحيث يصبح على مقربة من الولايات المتحدة.
وبعد سرد هذه المعطيات، تقول المصادر يبقى رصد ما سيتحقق عمليا؟ فهل تؤتي الخطة الاميركية ثمارها؟ أم تنجح ايران عبر أذرعها الكثيرة في المنطقة في إبقاء التوازن قائما وتمنع تحجيم نفوذها الاقليمي؟
“المركزية”