بعد نحو شهر عن حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند يوم 28 حزيران 1914، غاصت القارة الأوروبية بأهوال الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من 4 سنوات وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 20 مليون ضحية بين قتيل وجريح. ومع تفعيل سياسة التحالفات وجدت الإمبراطورية الروسية نفسها، إلى جانب الفرنسيين والبريطانيين، في مواجهة الألمان والنمساويين على الجبهة الشرقية.
وبسبب امتلاكها لأكبر جيوش العالم من حيث العدد، آمن الجميع في البداية بقدرة الإمبراطورية الروسية على سحق الألمان والنمساويين. لكن بعد مضي عام واحد، ذهل الجميع عند سماعهم لأرقام الخسائر البشرية الروسية وتقهقر الجيش القيصري الروسي على الجبهة الشرقية.
خلال شهر أيار 1915، أطلقت دول الإمبراطوريات الوسطى العنان لهجوم مكثف على المواقع الروسية بالجبهة الشرقية. وفي خضم هجوم غورليس تارنو (Gorlice–Tarnów)، تمكن الألمان والنمساويون من استرجاع الجزء الأكبر من أراضي غاليسيا التي فقدوها بالعام السابق كما دفعوا خلال الفترة التالية بالعديد من قواتهم نحو أنهار هنيلا ليبا (Hnyla Lypa) وزولوتا ليبا (Zolota Lypa) وبوغ (Bug) بين بولندا وأوكرانيا حالياً.
وخلال هجوم بوغ ما بين شهري حزيران وآب 1915، تمكن النمساويون والألمان، بقيادة الجنرالين أوغست فون ماكينسن (August von Mackensen) وإريش فون فالكنهاين (Erich von Falkenhayn)، من تكبيد الروس خسائر جسيمة مجبرين إياهم على التراجع نحو ضفاف نهر بوغ.
وبسبب ظهور الكوليرا والتيفوس في صفوفهم، أخر الألمان هجومهم حول الأراضي البولندية. ومع تداركه للوضع، استعد الجيش الألماني مطلع تموز 1915 لشن هجوم آخر واسع النطاق على المناطق الروسية ببروسيا الشرقية وشمالي بولندا. ومع المقابل، حاول الروس نقل أكبر عدد ممكن من العتاد العسكري لقواتهم التي عانت من انهيار معنوي ونقص حاد في الذخيرة والسلاح والمؤونة.
منتصف شهر تموز 1915، باشر الجيش الألماني بمهاجمة المواقع الروسية ببروسيا الشرقية وشمال بولندا. وخلال أسابيع وجيزة، خسر الجيش الأول الروسي حوالي 80 بالمئة من جنوده الذين سقطوا بين قتلى وجرحى وأسرى بقبضة الألمان. وأمام هذا الوضع، اتجهت القوات الروسية للتراجع تاركة مواقعها التي كسبتها بالعام الفارط للألمان. وأثناء انسحابهم، لم يتردد الروس في تفجير الجسور ومخازن الذخيرة وحرق المحاصيل لتجنب وقوعها بيد الألمان.
وخوفاً من محاصرته من قبل الألمان والنمساويين، فضّل الجيش الثاني الروسي التخلي عن مواقعه بوارسو والانسحاب، رفقة أعداد كبيرة من السكان ذوي الأصول الروسية، نحو الأراضي الروسية. وبمساعدة حلفائهم الألمان، تمكن النمساويون من طرد الروس من مناطق شرق غاليسيا. وبحلول أواخر آب 1915 سيطرت قوات القيصر الألماني فيلهلم الثاني على مناطق برست ليتوفسك (Brest-Litovsk) وفيلنيوس (Vilnius) التي غادرها الروس عقب تكبدهم خسائر فادحة.
لقبت فترة الهزائم الروسية المتتالية ما بين شهري حزيران وأيلول 1915 بالانسحاب الكبير. وخلالها، خسر الروس 15 بالمئة من أراضيهم بأوروبا و10 بالمئة من خطوط السكك الحديدية، إضافة لما يزيد عن مليوني جندي سقطوا بين قتلى وجرحى وأسرى بقبضة قوى الإمبراطوريات الوسطى. من ناحية أخرى، غادر نحو 4 ملايين شخص المواقع التي سيطر عليها الألمان ليتجهوا نحو الداخل الروسي متسببين في أزمة لاجئين لروسيا التي عجزت عن توفير الكميات الكافية من الغذاء لمواطنيها.
كرد على هذه الفضيحة العسكرية، أقصى القيصر الروسي نيقولا الثاني الدوق نيقولا نيقولايفيتش (Nicholas Nikolaevich) من قيادة الجيش. وبالفترة التالية، اتخذ نيقولا الثاني قراراً سيئاً أعلن من خلاله نفسه قائداً للجيش. وأثار هذا القرار قلق العديد من أقربائه ووزرائه الذين عارضوا بشدة توليه لهذا المنصب بسبب افتقاره للخبرة العسكرية.