«الثورة» إلى وهْجها الأوّل، وتأليف الحكومة إلى مربّعه الأول. معادلةٌ ارتسمتْ أمس في لبنان مع استعادةِ «انتفاضة 17 اكتوبر» زمام المبادرة على الأرض وتفعيلها مجدَّداً «سلاح» قطْع الطرق في «تدشينِ» ما بدا أنه الجولة «المُزلْزلة» من حِراكٍ جاءت أيامه الـ 90 الأولى بمثابة «هزةٍ تمهيدية»، فيما مسارُ تشكيل الحكومة عاِلقٌ عند «الطريق المسدود» الذي بَلَغه عشية دخول تكليف الدكتور حسان دياب شهره الثاني.
ومن خلف دخانِ الإطاراتِ المشتعلة التي أُقفلتْ بها الطرق الرئيسية في بيروت وجبل لبنان ومناطق عدة في الشمال والبقاع والجنوب في اليوم الأول من «أسبوع الغضب» الذي يوجّه عبره الثوار «الإنذارَ الأخير» للسلطة بوجوب تأليف حكومة الاختصاصيين المستقلّين التي تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة، تَدافَعَتْ الأسئلةُ القديمةُ – الجديدةُ حول أفق الواقع اللبناني في ضوء تطوريْن متداخليْن: الأول بلوغ الانتفاضة الشعبية مرحلة «اللا عودة» تحت شعار «لم يعد لدينا ما نخسره»، والثاني عدم قدرة الائتلاف الحاكِم على دفْع الملف الحكومي قدماً بفعل تعقيداتٍ معْلنة ذات صلة بالحصص والأحجام، وأخرى مكتومة ترتبط بتهيُّب «إعصار الانهيار» المالي – الاقتصادي الآتي والرغبة في «أرضية تَشارُكية» لتلقّي «صدماته الموجعة» وترْكِ «نافذةِ أمل» بإمكان استدراج دعْم خارجي لن يأتي بحال تَمظْهرتْ «فاقعةً» سيطرةُ «حزب الله» على دفّة القرار المحلي والاستراتيجي في لبنان.
ولم تفاجئ «الهبّةُ الشعبية» المتجدّدة أمس الدوائرَ المراقبة بعدما كان كل أداء السلطة خلال ما يشبه «استراحة المُحارِب» للثورة ينمّ إما عن «سوء تقدير» لحجم الغليان الذي يعتملُ في الشارع بفعل ما أوْصل إليه أطرافُ الحُكْم البلاد من أزمة مالية – اقتصادية ومأزقٍ سياسيّ متمادٍ، وإما عن «سوء نيةٍ» من ضمن استراتيجياتِ «اللعب بالنار» بهدفٍ يراوح بين حدٍّ أدنى هو «حرْق» دياب من فريق تكليف «اللون الواحد» (فريق الرئس ميشال عون و«حزب الله» والرئيس نبيه بري) أو جعْله رئيساً لحكومةٍ بشروط الآخَرين بالكامل، وبين حدّ أقصى هو دفْع البلاد إلى «فم التنين» ربْطاً بمجريات احتدام المواجهة الأميركية – الإيرانية في المنطقة.
وتوقفت هذه الدوائر عند مجموعة مفارقات بارزة طبعتْ «الانتفاضة 2»، أبرزها:
* أن الشارع استردّ ورقةَ قطْعِ الطرقِ التي كانت السلطةُ اعتقدتْ أنها نَجَحَتْ في سحْبها بعد ضغوط هائلة على الجيش اللبناني خصوصاً رافقَها «حضورٌ ميداني» في بعض المَفاصل من مناصرين لـ «حزب الله» و«أمل» لانتزاع نقطةِ قوّةٍ من يد الثوار تشكّل عنصرَ ضغطٍ ثميناً على الائتلاف الحاكِم.
* عودة المناطق ذات الغالبية المسيحية (على طول اوتوستراد بيروت – الشمال خصوصاً) إلى دائرة الضوء كشريكٍ في الانتفاضة بعد انكفاءٍ ولا سيما منذ عزوف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن المضي في السباق إلى رئاسة الوزراء (قبل نحو شهر).
* أن مطالب المُنْتَفِضين بعد 4 أسابيع على تكليف دياب الذي سُجّلت تظاهرة حاشدة عصر أمس في اتجاه منزله في بيروت، راوحت بين المطالبة برحيله وبين إعطائه «فرصة أخيرة» (مهلة 48 ساعة) لتقديم تشكيلة اختصاصيين مستقلّين او الاعتذار، وإذا لم يحصل ذلك «تبدأ مرحلة جديدة» من التصعيد.
وجاءت اندفاعةُ الشارع التي لم تَخْلُ من إشكالاتٍ في بعض نقاط قطْع الطرق سواء مع قوى أمنية أو مع بعض المواطنين الذين علقوا في زحمة السير، بينما كان الائتلاف الحاكم يعمل على مسارٍ مزدوج، أوّله كسْرُ مأزقِ التأليفِ الذي بدا أنه يستنبطُ محاولاتٍ لـ «إغراق» دياب بالشروط ربما لدفْعه إلى الاعتذار أو إلى استيلاد تشكيلة لا تنال ثقة البرلمان (ولكن تصبح هي حكومة تصريف الأعمال)، وثانيه السعي إلى تعويمِ حكومةِ تصريفِ الأعمال عبر ضغوط سياسية على الحريري بما عَكَسَ أن مسار التشكيل عاد إلى نقطة الصفر.وكان لافتاً بحسب أوساط سياسية تَعَمُّد تظهير عامل يثير «حساسيات تلقائية» بوجه دياب ويتصل بدورٍ للنائب جميل السيد (ارتبط اسمه بالنظام الأمني اللبناني – السوري إبان الوصاية السورية على لبنان) في ملف التأليف، وهو ما عبّر عنه صراحةً رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعد زيارته أول من أمس الرئيس بري، ناهيك عن كلامٍ نُقل عن «مرجعٍ» ووصف فيه الرئيس المكلف بأنه «منتج سوري»، وذلك في موازاة تَسابُق بري و«التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية) وآخَرين على «وضْع رِجْل» خارج الحكومة العتيدة التي يُعتبرون «رعاتها»، الأمر الذي فُسِّر على أنه ضمن واحد من 3 احتمالات: إما رفْع الضغط على دياب للسير بشروطِ رئيس البرلمان (لحكومة تكنو – سياسية من 24 وزيراً لا ثلث معطّل فيها للتيار الحر) أو شروط رئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل لتشكيلة «جديرين مجرّبين» تكون له (مع عون) حصة الأسد من الوزراء المسيحيين (7 من 9)، وإما دفْع الرئيس المكلف للاعتذار واستدراج عودة الحريري الذي يتحمّس له بري، وإما جعْل دياب يقدّم تشكيلةً لا يعترض الرئيس عون وصولها إلى البرلمان لتسقط أمامه بامتحان الثقة.
وفيما كان لافتاً أمس إعلان الحريري بعيد عودته إلى بيروت أنه «منذ تقديم استقالتي وأنا أصرّف الأعمال، وسنعمل أكثر، والأساس هو تشكيل الحكومة»، مؤكداً «هم يعرقلون ويتّهمونني بأنّني أعرقل وبأنّني أضع سداً سنياً طويلاً، وأنا أقوم بعملي ونقطة عالسطر وأنا مع تعويم حكومة جديدة وليس حكومة استقالت بعدما طلب منها الشارع ذلك»، شدد عون في كلمة له أمام أعضاء السلك الديبلوماسي على أن ولادة الحكومة «كانت منتظرة خلال الاسبوع الماضي، ولكن بعض العراقيل حالت دون ذلك. وعلى الرغم من اننا لا نملك ترف التأخير، فإن تشكيل هذه الحكومة يتطلب اختيار أشخاص جديرين يستحقون ثقة الناس والمجلس النيابي مما يتطلب بعض الوقت».
وأكد «تمسكنا بالقرار 1701 (…) وبمبدأ تحييد لبنان عن مشاكل المنطقة وإبعاده عن محاورها لإبعاد نيرانها عنه، من دون التفريط بقوة لبنان وحقه في المقاومة وقيام استراتيجية دفاعية تعزز هذه الفرصة بالتفاهم بين كل اللبنانيين».
الراي