ما زال العمل الحكومي مُكبّلاً، إلى حد ما، في ظل الانكباب السياسي على إنتاج قانون انتخاب جديد، يسمح بعودة انطلاقة العمل السياسي في البلد على قاعدة سليمة، تحوز على ثقة المواطن بالدرجة الأولى. وفي ظل التقدم الحاصل على صعيد هذا القانون المُنتظر الإفراج عنه في مهلة يبدو أنها قريبة، بحسب القراءات السياسية، ينتظر الحكومة عمل لا تقل أهميته عن قانون الانتخاب، عمل يتثمل بمعالجة العديد من القضايا، وعلى رأسها الموضوع الأمني الذي حقّقت الحكومة من خلاله قفزة نوعية من خلال المؤسسات الأمنية كافة، بالإضافة إلى الانتهاء من مشكلة ملفَّي النفايات والكهرباء. وهذا ما آلته حكومة الرئيس سعد الحريري على نفسها منذ تشكيلها.
وفي سياق تأكيده على السير في طريق الإنجازات والإلتفات إلى معاناة الناس الذين عاهدهم في البيان الوزاري بالعمل على إنجاز المشاريع العالقة التي يطالبون بها، كان طلب الرئيس الحريري من وزراء حكومته، إرسال مشاريع كانت عالقة في أدراج بعض الوزارات، متعلقة بإنماء العديد من المناطق من أجل الإطلاع عليها وإعداد دراسات مفصلة لها. وحرصاً منه على عدم وضع مسافة بينه وبين الناس، طلب الحريري عقد جلسات في المناطق تصب في اطار اصراره على تحقيق الإنماء المتوازن، هذا الملف الذي لطالما شكّل تفاوتاً بين المناطق لجهة مستوى التنمية. وبناء لنيّته المعقودة على العمل الجماعي، كان الحريري قد طالب بـ «وضع كل ما هو موجود على الطاولة من أجل تحديد الأولويات ووضع مشروع وخريطة طريق تتيح تنفيذ كل المشاريع التي يجب أن تكون مكملة لبعضها البعض».
112 صوتاً كانت كفيلة بمنح الثقة لحكومة «استعادة الثقة» لتبدأ عملها على قاعدة الإنتظام السياسي والأمني والإجتماعي والإقتصادي، وعلى الرغم من عدم وصولها إلى الكمال بمعنى عدم تحقيق كل ما هو مطلوب منها، إلّا أنه يُمكن القول أنها استطاعت تثبيت مجموعة أمور لم تكن تحظى الحكومات السابقة بها، منها على سبيل المثال: النأي بلبنان عن الصراعات المحيطة به وتصحيح العلاقة مع الدول العربية، والملف الأمني حيث يُسجّل للمؤسسات الامنية في ظل عمل الحكومة الامنية، مجموعة إنجازات خصوصاً لجهة اعتقال مجموعات إرهابية وتوقيف أكثر من إنتحاري، بالإضافة إلى المضي بسياسة الإنماء المتوازن في المناطق.
اليوم، يُصر ّ الرئيس الحريري على المضي بالسياسة التي رسمها لحكومته، أي سياسة اليد الممدودة باتجاه الجميع متجاوزاً بذلك الخلافات والمحسوبيّات والحسابات الضيّقة البعيدة كل البعد عن الدور الذي اضطلع به منذ اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبما أن الحرمان في لبنان موزّع بالتساوي بين المناطق والبلدات بحسب التقسيم المذهبي، وبما أن موضوع اللجوء السوري هو قضية بالغة الدقة والحساسية، فقد أعطى الحريري هذه الأمور، الأولوية الكبرى من خلال استحداث وزارات تهتم بكل تفصيل له علاقة بهذه الملفات.
عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب فادي الأعور يؤكد في حديث إلى «المستقبل» أن «العمل الذي قامت به الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري حتى اليوم، هو لا شك عمل جبّار يستدعي الوقوف عند الإنجازات التي قامت بها وعلى رأسها إستعادة ثقة الدول بلبنان والعمل الدؤوب على تحقيق الإنماء المتوازن بين المناطق. ومع ذلك، يبقى هناك الكثير من الأمور التي تنتظر المزيد من العمل على الملف الإقتصادي الذي يُعتبر الأبرز كونه مرتبطاً باوضاع الناس. ومن هنا نتمنّى ان تمر أزمة قانون الإنتخاب على خير لكي ينتظم العمل الحكومي بطريقة جيدة لكي تتفرّغ حكومتنا لحاجات الناس وإعادة برمجة العمل على مستوى المؤسسات جميعها، وعندها لا يعود هناك إعتقاد بتحسين مستقبل اللبنانيين، بل جزم وتأكيد على أن الأمور كلها سوف تتحسّن».
أما بالنسبة إلى بعض المعوقات التي تمنع الحكومة من تحقيق تقدم ملحوظ في بعض الأمور والملفات والعالقة، فيأمل الأعور يإزالة هذه المعوقات «خصوصاً وأن الحكومة وضعها مقبول بنسبة عالية. لكن المهم اليوم هو الخروج من الأزمة القائمة حول قانون الإنتخاب وبالتالي كل اللبنانيين وضعوا آمالهم بهذه الحكومة وينتظرون منها أن تبدأ بمرحلة جديدة على مستوى يطال طموحاتهم. وانا باعتقادي أن الحكومة لديها الكثير من الملفات والمشاريع التي تنتظر الإنتهاء من إنجاز قانون الإنتخاب من أجل الذهاب إلى تنفيذها. وكما قلنا يأتي الإنماء المتوازن وإطلاق المشاريع الإنمائية والاجتماعية والاقصادية، في طليعة عمل الحكومة وتطلعاتها».
من جهته، يرى عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ميشال موسى أن «الأهم في المرحلة الحالية هو الإنتهاء من إنجاز قانون إنتخابات وبعدها الذهاب إلى تحقيق المشاريع وإطلاق سراح الملفات العالقة خصوصاً تلك المتعلقة بشؤون البلد والمواطن. ومن جملة ما ينتظر الحكومة الموازنة التي تُعتبر أساس إنطلاق المشاريع، لان من دونها لا يُمكننا التقدم بأي مشروع مهما كبر حجمه أو صغر»، لافتاً إلى «أننا بالطبع نطمح إلى موازنة تقوم بحسب الأصول والقوانين وأن يكون فيها تطلع وبرنامج إقتصادي واجتماعي من دون إغفال الرؤية التي تعبر عن برنامج واضح لفترة زمنية معينة ولو أن الموازنة ستكون لمدة عام واحد. هذا هو المهم وهذا ما يجب الإنكباب عليه بعد إنجاز قانون الإنتخاب».
ويشدد على أنه «من الواجب التمسك بالعلاقة بين لبنان وبين الدول العربية خصوصاً وأن اقتصادنا يتأثر بما يجري من حولنا. ويجب ألا ننسى ان الحرب في الدول العربية، قد أثرت بشكل سلبي علينا كلبنانيين على كافة الصعد وخصوصاً لجهة ضآلة كميات واحجام المداخيل»، لافتاً إلى أنه «من اختصاص مجلسي النواب والوزراء، تحديد الرؤى المستقبلية للبلد وبمعنى اصح أن العمل المؤسساتي يجب أن يحكم»، مؤكداً ان «التوافق السياسي بين الرؤساء امر جيد ومطلوب ويُضفي جواً إيجابياً من شأنه تفعيل المناخ في البلد وينعكس إيجاباً على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد، بالإضافة إلى العمل السياسي الذي ومن يُمكن خلال أن تتم ترجمة بقية الملفات».
بدوره، يلفت عضو كتلة «المستقبل» النائب رياض رحال إلى أن «الرئيس الحريري أخذ على عاتقه منذ أن أصبح رئيساً للحكومة، النظر بأوضاع المواطن والوقوف عند هواجسه الأمنية والاقتصادية، فكان همه الأول تثبيت الأمن والإستقرار وهذا ما نلاحظه من خلال العديد من العمليات الأمنية التي قامت بها كافة اجهزة الدولة من دون تمييز بين هذه المؤسسة او تلك. وبالطبع فان هذه الإنجازات ما كانت لتحصل لولا التوافق الحكومي القائم»، لافتاً إلى أن «هذه الإنجازات لا تتوقف عند هذا الحد، بل أن هناك العديد من الأمور التي يجب أن تتابعها الحكومة أيضاً في الملف الأمني والإقتصادي وصولاً إلى تبديد هواجس المواطن المتعلقة بعيشه الكريم».
وعن نيّة الرئيس الحريري عقد جلسات حكومية في عدد من المناطق اللبنانية والمحافظات والتي ستكون مخصصة لبحث أوضاع وشؤون كل منطقة ومحافظة حيث تعقد الجلسة، أكد أن «هذه الخطوة إنما تصب في إطار إصراره على تحقيق الإنماء المتوازن. إذ لطالما شكل التفاوت في أوضاع المناطق في مستوى التنمية، احدى السمات المعيقة لتطور الاقتصاد، ولتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لهذه المناطق».
أما عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب شانت جنجنيان فيُشدد على أن «هناك الكثير من المشاريع التي تنتظر البلد بعد الإنتهاء من إنجاز قانون الإنتخاب على رأسها الوضع الإقتصادي والحد من الهدر والفساد والعودة إلى العمل كلبنانيين وليس كمجموعات. وهذا الأمر يحتاج إلى تكاتف بين السياسيين والمجتمع المدني، علماً ان هذه الحكومة قادرة إلى حد ما، على تحقيق العديد من المشاريع وهي قامت بالفعل بذلك في عدة محاور، لكن ما ينقصها هو الإرتياح السياسي الذي يجب ان يؤمن لهذه الحكومة لكي تنطلق بورشة عملها التي وعدت بها في بيانها الوزاري»، لافتاً إلى أن «هناك العديد من السياسيين الذين يعملون بجد وبتفان عال وبضمير وأخلاق في سبيل الوطن، لكن المؤسف أن البعض يأخذ الصالح بطريق الطالح».
ويوضح أن «ما ينقص الحكومة اليوم لكي تقوم بنهضة قويّة ومؤثرة في البلد، هو وجود أخصائيين يُدركون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، من دون الإغفال أن حكومة الرئيس الحريري تضم نخبة عالية من هؤلاء يمكن الإعتماد عليهم في مراكزهم والمسؤوليات التي يتحملونها. لكن مثلاً عندما نتحدث عن قانون إنتخابات، يجب أن يكون هناك أخصائيون وليس أشخاصاً يفصلون البلد على قياسهم»، داعياً إلى «الاقتداء بالقطاع الخاص الذي نجح في معظم القطاعات لا سيما المصرفي. وهنا لا بد من التأكيد على ان الرئيس الحريري يمتلك الكثير من المزايا التي تُعطيه الخصوصية والحيثية. أولاً لجهة عمره وثانياً لجهة قربه من الناس. وهو شخص متجدد على الدوام ومواكب للعصر والتكنولوحيا، ولا ننسى اليوم الذي طلب فيه وجبات الطعام خلال جلسة الحكومة عبر تطبيق أندرويد».
من جانبه، يعتبر عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو أن «من مصلحة الجميع تسهيل العمل السياسي في لبنان وقد مررنا بمراحل أصعب من تلك التي نمر بها اليوم. وبالطبع فمن أولويات العمل الحكومي مستقبلاً سيكون الملف الصحي والاجتماعي والبيئي وكل ما يمس بحياة المواطن»، مشيراً إلى أن «التكاتف الحكومي سواء اليوم او بعد إنجاز القانون الإنتخابي، يجب أن يمثل الهم الأبرز لكل السياسيين ومن هنا تبرز أهمية الموازنة التي يجب أن تُقر بعد 11 عاماً تقريباً».
ولفت إلى أن «العلاقة مع دول الخليج يجب أن تأخذ الحيّز الأهم في العمل الحكومي فهناك خمسماية الف لبناني يعملون في هذه الدول وأصبحوا عوناً للبلد ولذويهم. لا شك أن العلاقة مع الدول العربية هي علاقة أخوية وترتبط بحضور لبنان بالجامعة العربية وبالتالي نحن ضمن هذا العالم العربي وعلينا ان نراعي أمورنا بشكل جيد بما يكفل وضعية مستقرة للبنان على المستوى السياسي العام في عالمنا العربي وعلى مستوى لبنان»، مؤكداً أن «اسم سعد الحريري يمنح الثقة للبنان وهو الذي يحوز على الثقة الكبرى خصوصاً وأنه يمتلك روح الشباب والقدرة على العمل على كل المستويات».
(المستقبل)