باتريسيا جلاد
المطروح حكومياً: وعود ومقترحات ترقيعية
حسم موظفو القطاع العام الذين يشلّون مفاصل الدولة بالإضراب الذي ينفّذونه، بسبب عدم كفاية رواتبهم، قرارهم: لن نفكّ الإضراب قبل تحقيق مطالبنا، وتحسين الرواتب وزيادة بدل النقل. هذا القرار النهائي والحاسم جاء بعد تداول معلومات عن تحسين رواتب القضاة وفق سعر 8000 ليرة للدولار. فأي حلول يمكن أن تطرح لتحسين الرواتب، وبالتالي عودة الموظفين الى عملهم في ظلّ عدم المساواة في تحصيل حقوقهم؟
نحو 15 ألف موظف في المؤسسات والإدارات العامة ينفّذ عدد كبير منهم إضراباً عاماً شاملاً، انضمّ اليهم الأسبوع الماضي موظفو الوكالة الوطنية للإعلام التي توقفت عن العمل منذ يوم الخميس الماضي، وفنيو مصلحة الإرصاد الجوية ليوم واحد ومتقاعدي القطاع العام.
صحيح أن اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام الأخير برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، توافقت أخيراً على احتساب المساعدة الإجتماعية ضمن الراتب وزيادة بدل النقل الى 95 ألف ليرة، إلا أن تلك الجعجعة لم تترجم بعد على أرض الواقع. حتى أن مرسوم اعتماد بدل النقل بقيمة 64 ألف ليرة لم تفتح له الإعتمادات بعد ، فـ»الرواتب لا تزال نفسها وبدل التنقلات ذاته المعتمد قبل تدهور الليرة الوطنية كما أوضح لـ»نداء الوطن» أحد الموظفين.
ويقول الموظف نفسه والذي يعمل باللحم الحيّ ولا يزال يتوجّه الى عمله 3 أيام اسبوعياً، أن «راتبه بات يساوي 60 دولاراً وبدل النقل اليومي 8000 ليرة، فكيف يتوجّه الى عمله ويعيش في ظلّ تفاقم أسعار المحروقات والسلع الغذائية والمعيشية وكلفة اشتراك المولّد…؟».
اجتماع اليوم
ومن المتوقع أن تلتئم بعد ظهر اليوم اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام بهدف البحث في مجموعة من الاقتراحات المتّصلة بإنهاء إضراب موظفي القطاع العام، واتخاذ القرارات المناسبة في شأنها. فهل يرضخ الموظفون للحلول الإستنسابية والفضفاضة التي «تخيّط»على حساب كل فئة أو درجة في الوظيفة العامة، أم ان اللجنة ستتمكن من إرضائهم؟
رابطة موظفي الإدارة العامة مصرّة على موقفها الرافض للعودة الى العمل في ظل التمييز بين المستخدمين العامين في تحسين قيمة الرواتب لموظفين دون سواهم، واللجنة الوزارية تتجاهلها ولا تعترف بمطالبها ولا تضمها الى الإجتماعات للتفاوض معها.
وتوضح رئيسة الرابطة نوال نصر لـ»نداء الوطن» أن مطالبنا ليست صعبة علماً أننا تنازلنا عن حقوقنا، لكن المسؤولين مصرّون على عدم استمرار عمل الإدارة العامة، فالدولة لديها واردات ولكنها لا تريد استخدامها وترفض اعتماد مبدأ المحاسبة لتحسين وضع الموظفين».
وأضافت: «ما طالبنا به لتحسين قيمة الراتب منحوه للقضاة وللمدراء العامين والنواب والضباط. أما الموظفون فمن غير الجائز أن يحصلوا على هذا الحق؟ علماً أن المسؤولين غير آبهين إذا فتحت الإدارة العامة أبوابها أم لا، بل جلّ ما يهمهم فتح المؤسسات أبوابها ولو ليومين لتسيير أعمالهم”.
مطالب رابطة موظفي الإدارة العامة
وعدّدت نصر مطالب الموظفين وهي «الحدّ الأدنى من حقوقهم وحاجاتهم الأساسية» لفكّ الإضراب كما يلي:
– «التغطية الصحيّة، طبابة واستشفاء ودواء، بعد أن أمّنت هذه التغطية بـ»الفريش» دولار لأولي القرار.
– تصحيح الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية وتعويضات الصرف وفق ما قدمناه من تنازلات لغاية الربع من قيمة رواتبنا (احتسابها على منصة الدولار المصرفي 8000 ليرة) في حين ننفق على اساس سعر السوق السوداء.
– تزويدنا بقسائم بنزين تحتسب كمياتها وفق المسافات التي يقطعها كل موظف».
وفض العلاقة بين الموظفين والمصارف اللبنانية بما يختص بمستحقاتهم الوظيفية كافة، وإعادة تسديد هذه المستحقات لدى محاسبي الإدارات او لدى محتسبيات وزارة المالية.
ما هو الحل الجذري؟
لكن التصحيح الذي تقوم به الدولة لرواتب البعض، ليس سوى حلّ آني من شأنه أن يفاقم التضخّم ويزيد من طباعة العملة الوطنية على المدى الطويل. ويعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني خلال حديثه الى «نداء الوطن» عن الحلول التي يراها مناسبة وكيفية تحسين وضعية الموظفين العامين، ان «الدولة بكل بساطة لا تملك قدرة مالية لارضاء الموظفين، وهذا وجه من أوجه فشلها».
وبرأيه «إن الحلّ الفعلي يبدأ بالإصلاح الشامل أولاً وبتقليص حجم القطاع العام ومن ثم النظر برواتب من يتبقى من الموظفين الذين لا يُعدّون من الفائض».
وأضاف: «يمكن للسلطة التنفيذية عدم تجديد عقود كل الذين اعتبروا من قبل التفتيش المركزي وديوان ومجلس الخدمة المدنية انهم وظفوا خلافا للقانون، ومن ثم يطرح موضوع التسريح الطوعي لمن يرغب من الموظفين. كما يجب الغاء عدد من المؤسسات الحكومية التي لم يعد لها حاجة، وتفعيل مقاربة شاملة لإدارة مؤسسات الدولة وابعاد كلفتها عن الخزينة بجعلها مستقلة عن الادارة العامة وبالشراكة مع القطاع الخاص لاحقاً كجزء من حلول الأزمة، إضافة الى تحديد سعر صرف موحد في الموازنة العامة واقرارها».
من هنا يشير حاصباني الى أنه «بعد القيام بهذه الخطوات، يمكن اعادة النظر بالرواتب. أما مقاربة القطاعات كل على حدة من باب اعادة النظر بسعر صرف الدولار فهي عملية مدمّرة وسيكون مفعولها سلبياً على التعافي وستخلق عدم مساواة بين الموظفين وتسرّع في فقدان ما تبقى من السيولة. عدا طبعاً عن اعتباره هرطقة، كون رواتب القطاع العام بالعملة الوطنية وليست بالعملات الأجنبية كي تتغير بحسب سعر الصرف».
مناوبات في وزارة الصناعة
إلا أن وزارة الصناعة تبقى المرفق الوحيد الذي لا يزال يعمل معتمدة نظام المناوبة، علماً أن الموظفين يزاولون العمل حضورياً ثلاثة أيام أسبوعياً نظراً الى الضرر الذي قد ينجم عن إضراب المستخدمين فيها على القطاع الصناعي والإنتاجي ككل، وتهديد معيشة آلاف عائلات تعمل في هذا القطاع وزيادة الأسعار في السوبرماركات.
ماذا يقول القانون بشأن الإضراب وتعطيل المرافق والمصالح؟
يقول المحامي د. بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية لـ»نداء الوطن» إن «قانون العمل اللبناني للعام 1964 كان صدر نتيجة الاضراب الذي أعلنه اتحاد النقابات المستقلة للمطالبة بحقوق العمال وحمايتها. إلا أن قانون الموظفين اللبناني الصادر العام 1959 حظر إضراب الموظف العمومي في القطاع العام ونصّت المادة 15 منه على أنه «يحظر على الموظف ان يقوم بأي عمل تمنعه القوانين والانظمة النافذة، ولا سيما… ان يضرب عن العمل او يحرّض غيره على الاضراب …».
ويضيف «كما أنّ المادة 340 من قانون العقوبات اللبناني الصادر في العام 1943 نصّت على أنه: «يستحق التجريد المدني الموظفون الذين يربطهم بالدولة عقد عام إذا أقدموا متفقين على وقف أعمالهم، أو اتفقوا على وقفها أو على تقديم استقالاتهم في أحوال يتعرقل معها سير إحدى المصالح العامة».
مما يشير إلى أنّ القانون اللبناني يحظّر ويمنع الاضراب لا سيّما الذي يؤدي إلى عرقلة سير المصالح العامة. الا أنه، في المقابل، على صعيد المعاهدات الدولية، لا سيما التي ابرمها لبنان أصبحت متقدمة على قانونه الداخلي، اذ نصّت المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، والتي صدّق عليها لبنان العام 1972 على حق الاضراب «ضمن ضوابط قانونية» في البلد. وأجازت المادة 6 من الميثاق الاجتماعي الأوروبي للعام 1999 للعمال حق اللجوء الى الاضراب».
ولا تنحصر الأمور عند هذا الحد، اذ تبيّن المادة 12من الاتفاقية العربية رقم 8 للعام 1977 بشأن الحقوق والحريات النقابية بحسب مرقص أن «للعمال حق الإضراب دفاعاً عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية بعد استنفاد طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه المصالح.
كما أنه يعدّ الحقّ في الإضراب في فرنسا حقًا ذا قيمة دستورية، استناداً دائماً الى مرقص الذي يوضح أنه «في ديباجة دستور العام 1946 التي استندت إليها ديباجة دستور العام 1958 أكّدت لأول مرّة أن «الحق في الإضراب يمارس في إطار القوانين المنظمة له»، ولكي يتمكن عمال القطاع العام من الإضراب، من الواجب عليهم تقديم إشعار إضراب من قبل النقابة. كما أن الدستور الإيطالي الصادر العام 1947 نصّ على حق الاضراب وكذلك الدستور البلجيكي، لكن بعض الدول منعت الاضراب، كإسبانيا والبرتغال وغيرهما».
اذاً، كخلاصة، إن القانون اللبناني المعتمد قديم ويجدر تطويره وهو لا يجيز الاضراب عموماً «خصوصا ذاك الشامل والعام والمستمر الذي يشل القطاع العام حتى في الظروف الاستثنائية التي نعيشها رغم صعوبتها» يؤكّد مرقص. لافتاً الى أن «المعاهدات الدولية نفسها تحترم ضوابط المنع التي يأتي عليها القانون الداخلي بالخصوص».
وبالتالي يشير الى أن «للموظفين الحقّ بالاضراب من دون شلّ المرفق العام على نحو تكتيكي من شأنه أن يحقق مطالبهم من دون وقف الخدمات العامة. الا أن الأهم في كل ذلك، أن تتقدم الحكومة منهم باقتراحات حلول واقعية ومدروسة، وإن كانت متدرّجة، في اطار خطة استراتيجية اقتصادية منتظمة لا أراها لغاية الساعة».