شَهدَ لبنان ومنذ السابع عشر من شهر تشرين الأول من العام المنصرم، إنتفاضة شعبية، أقفلت الطرقات، واحتلّت الساحات، وخَلُصَت إلى المطالبة بإنتخابات نيابية مُبْكِرة.
صمّت السلطة آذانها، مُعْتَبرةً ما يجري، لا يستأهل حتى التفاعل معه، أو الإنصات إليه. فأخذت تُخوِّن الحراك، وتُلبِسه رداءات إستخباراتية عدّوة، هدفها ضرب لبنان، وأمْنِه وإقتصاده وسلامة أراضيه.
لم تُدْرِك السُلطة أنّ مَن افترش الطرقات هُمْ أبناء الوطن، جاعوا، يئسوا، باعوا كل ما لديهم، بإستثناء كرامتهم، أطلقوا العنان لأوجاعهم، ولا مِنْ مُجيب.
صَرَخوا وبصوت واحد، مُطالبين بإنتخابات نيابية مُبْكِرة، ولا حياة لِمَنْ تُنادي.
تذرّعت السُلطة أن الإنتخابات النيابية الأخيرة (أيّار 2018) لم تُطْفِئ شمعتها الثانية، وبالتالي، لا داعيَ لإنتخابات جديدة ومُبْكِرة على الإطلاق.
تأزّم الشارع، وانفَرَطَ العقد، واستقالت حكومة الرئيس الحريري، وبِتْنا على قاب قوسين أو أدنى من فتنة مذهبيّة مُحَتّمة، والسُلْطة لمّا تزل تعتبر، أن ما يجري غيمة صيف وستمُرّ.
في شهر أيّار من عام 1968، شهدت فرنسا إضطرابات وإعتصامات، شلّت فرنسا، وخصوصاً العاصمة «باريس» وطالب المحتّجون بإجراء إنتخابات نيابية مُبْكِرة. فما كان من الرئيس شارل ديغول وبالإتّفاق مع رئيس وزرائه جورج بومبيدو، إلّا أن حلّ الجمعية الوطنية (مجلس النوّاب الفرنسي) وأجرى انتخابات نيابية مُبْكِرة، في شهر حزيران من العام نفسه، أي بعد شهر واحد من الإنتفاضة.
من الثابت، وعودةً إلى أحكام الدستور، سيما الفقرة «د» من مقدّمته، أن الشعب هو مصدر السُلطات وصاحب السيادة، يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
وثابت أيضاً، أنه وعملاً بأحكام المادة/16/ منه، إن مَن يتولّى السُلطة التشريعية حصرياً، هو مجلس النوّاب، دون سواه من المؤسسات.
وبالتالي، تُعتبر السُلطة التشريعية دستوراً، هي أمّ السُلطات، ومنها تنبثق كامل السُلطات دون استثناء.
وللذهاب إلى انتخابات نيابية مُبْكِرة، تعدّدت السيناريوات واختلفت. منهم مَن اعتبر أن استقالة أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي يؤدّي حُكماً إلى انتخابات نيابية مُبكرة…كذا…. ومنهم مَن اعتبر أن مشروع قانون أم إقتراح قانون بتقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، يَفي بالغرض….كذا….
وبالعودة إلى أحكام الدستور، نَلْحَظ الآتي:
لم يتضمّن الدستور أي نص على الإطلاق، يتعلّق بتنظيم مرحلة الفراغ بين سلطة تشريعية مُنقضية أم مستقيلة، وسلطة تشريعية منتخبة، أي ليس هناك في الدستور، ما يُنظّم هذه العلاقة بين السلطات.
والنّص الوحيد والذي تطرّق فيه الدستور إلى الشغور هو نص المادة/41/ منه. والتي نصّت على ما حرفيّته:
«إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في انتخاب الخَلَفْ في خلال شهرين…».
بالتالي، لم يُعالج الدستور حالة إستقالة أكثر من نصف أعضاء مجلس النوّاب، ولم يرتّب على ذلك أي آثار، إنما شدّد على وجوب إنتخاب الخَلَفْ في خلال مهلة شهرين من تاريخ الشغور.
مما يُفيد، أنه حتى ولو استقال أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي، فعلى الحكومة تنظيم انتخابات فرعية للمقاعد الشاغرة، خلال مهلة شهرين من الإستقالة.
وجُلّ ما ينتُج عن هذه الإستقالة الجماعية، تعطيل دور مجلس النوّاب موقّتاً، حتى إعادة تشكيله، كون المادة/34/ من الدستور نصّت على عدم جواز إجتماع المجلس قانوناً، ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه…. كذا…. .
فيما الدستور نصّ في المقابل على اعتبار الحكومة مستقيلة، إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدّد في مرسوم تشكيلها (المادة/69/ الفقرة «ب») ونظّم المُشرِّع الدستوري مرحلة الفراغ حتى تشكيل حكومة جديدة، بمنحها صلاحية تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق (المادة /64/ الفقرة «2»)، وبجعل مجلس النوّاب بحالة إنعقاد حُكميّة حتى تأليف الحكومة العتيدة ونيلها الثقة (المادة /69/ البند «3»).
وبالتالي، نصَّ الدستور ونظّم مرحلة الفراغ بالسلطة التنفيذية، خلافاً لما هو الحال مع السُلطة التشريعية.
كذلك نَظّمَ الدستور حالة فراغ أو خلوّ سدّة الرئاسة الأولى، بأن أَناطَ صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء (المادة /62/ من الدستور) وفَرَضَ على مجلس النوّاب الإجتماع الفوري لإنتخاب البديل (المادة /74/ منه).
مما يفيد، أن الدستور نظّم مرحلة الفراغ الرئاسي، خلافاً لما هو الحال مع السُلطة التشريعية.
مما يَعني، أن الوسيلة الناجعة للذهاب إلى انتخابات نيابية مُبْكرة، تبقى توقيع اقتراح قانون مُعجّل مُكرّر بتقصير ولاية المجلس النيابي الحالي حتى مطلع شهر أيلول من العام الجاري، خلافاً لأحكام المادة الأولى من قانون الإنتخاب 44/2017، وإلزام الحكومة بإجراء إنتخابات نيابية مُبْكرة قبل هذا التاريخ.
أمّا لجهة القانون والذي على أساسه يجب إجراء الإنتخابات، فلا سبيل إلّا إتمامها سنداً للقانون الحالي 44/2017، حيث لا إمكانية لإقرار قانون إنتخابات جديد، ضمن هذه المهلة المقصرّة، وليس من المُفيد فتح باب هذا النقاش راهناً، علماً، أن القانون الحالي لم يزل صالحاً، ولا يجوز دستورياً إقرار قانون لكل جولة إنتخابات، عملاً بقاعدة «الإستقرار التشريعي».