سقط خبر زيادة رواتب الأساتذة بعد إقرار السلسلة، كالصاعقة على رؤوس اهالي طلاب المدارس الخاصة، إذ بات الراتب الأدنى في الدرجة الأولى للأستاذ 895 ألف ليرة بعدما كان 640 ألف ليرة، والدرجة الأعلى أكثر من 5 ملايين، بعدما كانت 3 ملايين، ما يعني حتماً زيادةً على الأقساط.
نقمة، سخط، تخوّف، وغيرها من المشاعر تغمر صفوفَ الأهالي الذين يجدون أنفسَهم «أكلوا الضرب»، بعدما سجّلوا أولادهم في مدارس تُناسب قدرتهم المعيشية، وحجزوا لهم مقعداً دراسياً للعام المقبل، وصَلتهم رسائل عن زيادات محتّمة مطلع العام الدراسي، ما يعني تغييراً في الأقساط التي على أساسها سجّلوا أولادهم وفضّلوا هذه المدرسة عن تلك.
في التفاصيل…
بعد ساعات معدودة على صدور سلسلة الرتب والرواتب، اجتمع اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان، الذي يحتضن أكثر من 65 % من التلامذة، موزَّعين على المدارس الكاثوليكية، المقاصد، العرفان التوحيدية، المبرّات الخيرية، أمل التربوية، المهدي… وحذّرَ «من تداعيات هذه السلسلة على الأقساط المدرسية وعلى قدرة الأهل في تعليم أبنائهم»، مطالباً «الدولة بتحمّلِ مسؤوليتها في تأمين الزيادات الناتجة عن السلسلة». تحذير لم يَستسِغه الأهالي، بل «دبَّ» الخوف في نفوسهم، وبدأوا يفكّرون جدّياً في تغيير مدارس أولادهم.
«وين بيصرفوا تحميل الدولة المسؤولية؟»، صرخة مدوّية تُطلقها نغم، والدةٌ لثلاثة أولاد، اختارت إحدى المدارس الخاصة التي تتوافر فيها المختبرات التطبيقية اللازمة إلى جانب المستوى التعليمي المرموق. فتُعبّر عن سخطها لـ«الجمهورية» قائلةً: «هل المطلوب «نْقَطِّع لحمنا ونبيعو لنعلّم ولادنا؟… ترتفع الأقساط سنوياً وزادت السلسلة الطين بلّة، كيفَ أوفّر هذه الزيادة في وقتٍ لم يَزد راتبي «ولا ليرة»، نظراً إلى أنّني أعمل في القطاع الخاص!».
أمّا رياض فوصَف أيّ محاولة لرفع «الأقساط» على أبواب فصل الخريف «عملية غدرٍ للأهل ولأولادهم». ويضيف متأسّفاً: «غالباً ما تُكرّر الإدارة على مسامعنا، بعد كلّ استفسار كبير أو صغير، «موسيو إذا مِش عاجبك شيل إبنك!». ويتابع والغصّة تخنق صوته: «ما مِن مدرسة تستقبل أبناءَنا في اللحظة الأخيرة، إلّا «المدارس الدكّانة» حيث ترتفع فيها نسبُ الرسوب في الامتحانات وتكثر فيها البازارات، وهذا ما لن نرضى به لأولادنا».
لا عداوة مع الأساتذة ولكن…
«مشكلتُنا ليست مع الأساتذة، ولكن مع انعكاس السلسلة على الأقساط المدرسية». بنبرة غاضبة تتحدّث رئيسة اتّحاد لجان الأهل ميرنا خوري، لـ«الجمهورية»، محاولةً التعبير عن نقمة الأهالي، قائلةً: «بعد 7 سنوات من العمل المتواصل وإطلاق الصرخة في كلّ مرّة يُفتح نقاش سلسلة الرتب والرواتب من منطلق انعكاسها على الأقساط وليس من منطلق معاداة الأساتذة، وقعنا للأسف بما سبقَ وحذّرنا منه». وتضيف: «قبل إقرار السلسلة عددٌ كبير من الأهالي كان يعجز عن تسديد القسط، كيف بالحريّ الآن في ظلّ الوضع الاقتصادي والزيادات؟
لذا كان من الأولى قبل إقرار السلسلة تأمين دعمِ قطاع التعليم الخاص وحمايتُه، سواء عن طريق البطاقة التربوية التي تؤمّن التعليم المجاني لأيّ تلميذ في أيّ مدرسة حتى الصفّ السابع».
وتلفتُ خوري إلى تداعيات السلسلة التي لن ترحم الأساتذة، قائلةً: «لا شكّ في أنّ عدد التلاميذ في المدارس الخاصة سيتراجع، بالتالي الإدارات ستلجأ إلى التخلّي عن أساتذتها، لذا لو تمَّ الإصغاء للأهل منذ البداية لكانَ المعنيّون بالتوازي مع السلسلة أوجدوا وسائلَ دعمٍ أقلُّه للمدارس التي لا يتجاوز عدد التلاميذ فيها ألف تلميذ».
لجنة الأهل: حديثنا مع النوّاب
تتّسع نقمة الأهالي تدريجاً بعدما بدأوا يدركون تباعاً حجم الزيادات التي ستلحق بالأقساط، لذا يستعدّ اتّحاد لجان الأهل للقيام بجولةٍ على الكتل النيابية مطلعَ الأسبوع المقبل.
كذلك سيجتمعون مع وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده، «لننقلَ له صرختَهم ووجعهم»، وفق ما تؤكّده خوري، مشيرةً «إلى أنّ هذا الوضع من المستحيل أن يستمرّ وفق ما هو عليه، لا بدّ من دعم الدولة»، محذّرةً، «من خضّةٍ كبيرة بداية العام الدراسي».
الأب عازار
مخاوف الأهل وهواجسُهم حملتها «الجمهورية» إلى أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، الذي يَعتبر «أنّ هذه السلسلة هُرِّبت تهريباً، لم يتسنَّ للمؤسسات التربوية ولا لجان الأهل الاطّلاع عليها، وهما الطرفان المولجان تسديد مفاعيلها للمعلّمين. لذا أتعجّب كثيراً من السرّية التي تمَّ اعتمادها والسرعة المتسرّعة التي أدّت إلى إصدار السلسلة».
ويؤكّد عازار «إنّنا كمدارس كاثوليكية لا نعارض سلسلةً عادلة ومتوازنة وممكنة للمعلّمين، لأنّه يهمّنا أن يعيشوا بكرامة، لكن أسفي أنّ المشرّعين لم يفكّروا في الطبقة المتوسّطة والفقيرة من الأهل الذين إختاروا تعليم أولادهم في المدارس الخاصة من اللحم الحيّ، كيف سيستطيعون أن يكملوا تعليم أولادهم».
حجم الزيادة؟
يأبى الأب عازار الدخولَ في تحديد حجم الزيادات المرتقبة على الأقساط، والتي لن تكون موحّدةً بين المدارس، إنّما تختلف بحسب عددِ الأساتذة فيها، أقدميتِهم، والدرجاتِ المخصّصة لهم، وحسب طبيعة الخدمات التي تؤمّنها المدرسة للتلميذ.
ولكن يَستند عازار إلى دراسة سابقة، قائلاً: «في دراسة أجريناها تبيّنَ لنا أنّ الزيادة قد تتراوح بين 27 و35 في المئة، حينها خاف الأهالي، لذا اعتبَرنا من واجبنا توعيتهم قبل أيّ زيادة مرتقبة، ولكنّ السلسلة وعشوائيةَ إصدارِها غافلت الجميع». هل يمكن استرجاع رسوم التسجيل في حال وجَد الأهل أنفسَهم مجبَرين على تغيير مدرسة أولادهم؟ يجيب عازار: «بموجب القانون الداخلي لا يُسترجع رسم التسجيل».
الحلّ؟
تضمّ المدارس الكاثوليكية نحو 630 ألف تلميذ، و45 ألف أستاذ، أسفَ عازار لإصدار السلسلة، «بعدما تسجّلَ الطلّاب للعام الدراسي 2017-2018، وارتبَطت إدارات المدارس مع معلّمين جُدد، ما وَلّد ارتباكاً ولغطاً لدى المؤسسات التربوية، وضبابيةً في المشهد».
والحلّ؟ يجيب عازار: «كان مطلبنا أن يُطبَّق القانون في السنة التالية، ليتمكّن جمهور المدرسة من الاستعداد، لأنه لا يمكن التعاطي مع الأمور التربوية بطريقة عشوائية، كان يجب درسُ مفاعيل السلسلة وتحديد الدرجات، وعدم تطبيقها قبل فترة إعدادية للأهالي والإدارات لتسديد الزيادات».
ويضيف مطالباً المعنيين: «كما اجتهدوا لتأمين واردات وإيرادات لتمويل السلسلة عليهم الاجتهاد لتأمين إيرادات للمعلّمين كمساعدات للتعليم الخاص».
وسألَ عازار: «لماذا لا تدفع الدولة لمعلّمي التعليم الخاص، فقد كان هناك مرسومٌ إشتراعيّ (95) تمّ إلغاؤه، يعود للعام 1983، مفادُه أنّ الدولة تدفع الراتبَ للمعلمين في المدارس الخاصة، عندما فقط سيَهبط القسط ويقتصر على تكبيد الأهل فقط المصاريف التشغيلية في المدارس».
ختاماً، لا شكّ في أنّ السلسلة أثلجَت صدورَ من انتظروها طويلاً، إلّا أنّها خَلقت هاجساً أكبر لدى المواطنين: «عطونا ياها بيد وأخَدوها من التانية».
(الجمهورية)