لا ينوي القضاة التراجع في معركتهم، ولا التنازل عمّا يعتبرونه جزءاً من حقوقهم. يريدون العودة فوراً عمّا أصابهم في قانون سلسلة الرتب والرواتب، سواء لجهة دمج صندوق تعاضدهم مع الصناديق الأخرى وتوحيد تقديماتها، أو لجهة ردم الهوة بين أجورهم وأجور الموظفين الإداريين في الفئتين الأولى والثانية. نجح القضاة حتى الآن بفرض مطالبهم على جدول الأعمال، إلا أن القرار ينتظر وجهة رئيس الحكومة سعد الحريري التي ستظهر اليوم
قصر العدل في بيروت هادئ. قليل من الموظفين والعمل أيضاً. القضاة مستمرون في اعتكافهم للأسبوع الثاني على التوالي، ولا أفق حتى الآن، بانتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت. فقد اجتمع مجلس القضاء الأعلى، الأسبوع الماضي، وأحال على وزير العدل سليم جريصاتي تصوراً للحلّ التشريعي المنشود، الذي يضمن عدم المسّ بصندوق تعاضد القضاة «بما يحفظ كرامة القاضي، ويعامل الأخير كمنتمٍ إلى سلطة»، بحسب مصادر قضائية.
ويقضي هذا الحل «بإصدار قانون من مادة وحيدة، بثلاث نقاط: تعديل سلسلة الرتب والرواتب، بحيث يصبح راتب القاضي يساوي راتب موظف فئة أولى. إسقاط ذكر صندوق تعاضد القضاة من مادة قانون «الإصلاحات الضريبية» (التي نصت على توحيد صناديق التعاضد)، لأن هذا الأمر يتعلّق بشؤون سلطة، وينظمها قانون القضاء العدلي، وتقصير العطلة القضائية». ويطالب المجلس أن «يطرح هذا الاقتراح بصفته اقتراح قانون معجل مكرر». وينتظر بحسب مصادره «موقف الحريري الذي سيتمّ الاجتماع به اليوم الاثنين، ليُبنى على الشيء مقتضاه».
قصّة القضاء لا تقف عند التشريع في نصّ هنا أو نصّ هناك. فكلّما سألت قاضياً أو محامياً أو موظفاً عدلياً، لا بدّ وأن تسمع سردية «إعدام مفهوم السلطة القضائية».
المس بصندوق تعاضد القضاة
هو «أمر خطير ممكن أن يدفع القاضي إلى مدّ يده»
فالمشكلة قبل كل شيء هي في ذهنية السلطة السياسية التي يحاول جزء منها إنكار القضاء بصفته سلطة مستقلّة. لذا «كان لا بدّ من الوقوف في مواجهة البنود المتعلقة بالقضاء والواردة في مشروع سلسلة رواتب الموظفين، ولجهة وجوب عدم المساس بالمقومات اللازمة لنهوض هذه السلطة بدورها ومنها صندوق تعاضد القضاة، وعدم تجاوز راتب الموظف (الفئتان الأولى والثانية) راتب القاضي» كي لا ينسف هذا المفهوم. تعود مصادر قضائية إلى الدستور لتؤكّد على صوابية ما يقوم به مجلس القضاء الأعلى. فالدستور «نصّ على مبدأ فصل السلطات، وليس السلطتين التشريعية والتنفيذية فقط. وبالتالي هو قصد أكثر من سلطتين». وبما أن الدستور في المادة 20 نصّ على أن «القضاء سلطة، فهذا يعني أن ما ذكر في قانون السلسلة ليس دستورياً، لأنه ساوانا مع الموظفين».
نقطتان أساسيتان تتحدث عنهما المصادر قائلة إن لهما «تأثير معنوي على القضاة». الأولى تلك التي تتعلق بإعادة النظر بصندوق تعاضد القضاة وهو «أمر خطير ممكن أن يدفع القاضي إلى مدّ يده»، خصوصاً أن «هذا الصندوق الذي يتمّ تمويله من خلال الرسوم الإدارية والقضائية المفروضة على مختلف المعاملات في القطاع العام، يؤمّن للقاضي الطبابة والتعليم»، وهما «همّان كبيران يعاني منهما أي مواطن لبناني، وبالتالي تأمينهما للقاضي يوفّر له راحة بال. فكيف يمكن لقاض النظر في قضايا ناس وهو غير قادر على تأمين احتياجاته واحتياجات عائلته»؟ أما النقطة الثانية فتلك التي «لم تراع الفصل بين الأنظمة الراعية لعمل القضاة عن الأنظمة الراعية للموظفين وهم يخضعون للهرمية الإدارية». لذا تعتبر المصادر أن ما حصل في السلسلة وقانون الضرائب المقر أخيراً هو «مخالفة لجهة المساواة بين القاضي والموظف الإداري» بعد أن «أصبحت رواتب القضاة تعادل رواتب الموظفين من الفئة الأولى والثانية».
المشاورات بين مجلس القضاء الأعلى والسلطة السياسية لا تتوقف. وقد عُقد أكثر من اجتماع للتوصل إلى حلّ يعالج «الخرق الذي حصل». وبحسب المعلومات «حاولت بعض الجهات الفصل بين ما يتعلق بصندوق التعاضد، ومسألة الرواتب، بحيث تتمّ معالجة مسألة صندوق التعاضد من خلال اقتراح داخل مجلس النواب تشطب وفقه كل ما يتعلق بالقضاء في قانون سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بالموظفين، ومن ثمّ النظر في مسألة الرواتب وسلسلة القضاة في ما بعد داخل الحكومة، عبر مشروع قانون يُمكن أن يأخذ وقتاً طويلاً». غير أن «تمسّك المجلس الأعلى برأيه أدى إلى التوافق حول السير بهما معاً».
«اعتكاف القضاة مستمر، والعدلية رح تضل واقفة» بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن «رئيس مجلس النواب نبيه برّي طلب إلى وفد المجلس الحصول على ضوء أخضر من الحكومة، للسير في اقتراح التعديل في القانون». وبالتالي سيكون «موقف الرئيس الحريري اليوم الاثنين، إما خطوة لضمان استقلالية القضاء وتعزيز مكانة هذه الاستقلالية كأولوية اجتماعية تؤدي إلى تراجع مجلس القضاء عن قرار الاعتكاف، وإما دفعه إلى التصعيد».
ميسم رزق – الاخبار