وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حدّاً نهائياً للتحليلات والتأويلات التي ترافقت مع التحضير لمشروع قانون العفو العام طوال الفترة الماضية والذي كان يؤمل صدوره قبل الإنتخابات النيابية، وذلك عندما أعلن أخيراً أنّه لن يوقّع على أي قانون عفو عمّن أُدين أو سيُدان بقتل عسكريين حتى إصدار القانون، انطلاقاً من حرصه على الوفاء لشهادة العسكريين الذين استشهدوا في سبيل الحفاظ على الإستقلال والسيادة والكرامة الوطنية.
وعلى ما يبدو، فقد أُسدل الستار عن إبصار قانون العفو العام النور قبل السادس من أيّار المقبل، ونحن على قاب قوسين من هذا التاريخ، رغم أنّ أهالي الموقوفين العسكريين لم يُعجبهم هذا الإستثناء الذي تحدّث عنه الرئيس عون، وهدّدوا باستمرار تصعيدهم وبقطع الطرقات لا سيما طريق طرابلس، وصولاً الى التهديد بإفشال العملية الإنتخابية فيها يوم الإنتخاب، في حال لم يتمّ العفو عن أبنائهم. في الوقت نفسه، فإنّ أي مسودة نهائية بشأنه لم تصدر بعد، علماً أنّ وزير العدل سليم جريصاتي قد أعدّ قانون عفو منذ العام الماضي، ورفعه الى كبار المسؤولين المعنيين إلاّ أنّه لم يتلقَ منهم أي إجابة حتى الآن.
ولأنّه لا يجوز سلق قانون من هذا النوع، على ما أكّدت أوساط سياسية مواكبة، ولا حتى صدوره تحت الضغوطات ولا سيما منها تهديدات أهالي الموقوفين الإسلاميين، فضلاً عن عدم ربطه بالمصالح الإنتخابية، تقرّر تأجيل البتّ به الى ما بعد الإنتخابات سيما وأنّه يحتاج الى دراسة معمّقة نظراً لما يتضمّنه من تعقيدات كثيرة. فبين أهالي العسكريين الذين يتمسّكون بحقوق أولادهم الشهداء الذين قدّموا حياتهم ثمناً للدفاع عن الوطن، وبين مطالبات أهالي الموقوفين الإسلاميين بأن يكون العفو شاملاً رغم تعدّي أبنائهم على عناصر الجيش اللبناني، تبيّن للمسؤولين أنّ أي قانون يُتخذ اليوم لن يصبّ لا في مصلحة البلد ولا في مصلحة أي كان في الإنتخابات.
إلاّ أنّ التأجيل لن يجعل المستحيل واقعاً، على ما أضافت الاوساط، إذ أنّه على المطالبين بأن يشمل العفو المجرمين الذين اعتدوا على الجيش أو على أمن الدولة، وارتكبوا القتل المتعمّد بحقّ العسكريين أو المدنيين، أو المتورّطين بالتفجيرات والإغتيالات السياسية وبتزوير العملة وترويجها وغير ذلك، أن يعلموا منذ الآن أنّ مشروع العفو لن يشمل هؤلاء الى أي طائفة أو حزب أو تيّار انتموا. كذلك فثمّة وزير جديد للعدل سيبتّ بشأنه، فضلاً عن الحكومة الجديدة والمجلس النيابي الجديد الذي سينبثق عن الإنتخابات المرتقبة.
ولهذا فإنّ التهديد باستمرار الضغط في الشارع، لن يُصدر قانون العفو لا قبل الإنتخابات ولا بعدها، على ما أكّدت، لأنّ الهدف الأساسي من العفو العام ليس الإفراج عن مرتكبي الجرائم وعدم محاسبتهم على أفعالهم، إنّما طيّ صفحة الماضي الأليم وعدم العودة اليه نظراً لما تسبّبه من جرائم ومآسٍ على الجميع. كما أنّ أي عفو غالباً ما يكون مشروطاً بعدم تكرار ما قام به المعفى عنهم في السابق وذلك خلال فترة معيّنة يُحدّدها القانون.
وعن تسبّب تهديدات أهالي الموقوفين بإفشال العملية الإنتخابية، إمّا بقطع الطرقات، أو بالإحجام عن الإقتراع، أشارت الى أنّ الأمور لا تُحلّ بهذه الطريقة إنّما بالوسائل القانونية. فقانون العفو يحتاج الى استشارة كبار المحامين والقضاة ووزير العدل المختص قبل إقراره، ولهذا فإنّ التهديدات قد تُعقّد السير به بدلاً من تسهيل صدوره، حتى ولو بعد 6 أيار المقبل.
أمّا الخلاف بين الرؤساء اليوم فليس على ما استثناه الرئيس عون، إذ سبق لرئيس الحكومة سعد الحريري أن أعلن في وقت سابق أنّ القانون سيشمل الذين لم يتورّطوا بالدمّ في أحداث عبرا وطرابلس، ويُوافقه في هذا الموقف رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. غير أنّ جوهر الخلاف فهو على ضرورة اعتماد قاعدة 6 و6 مكرّر في قانون العفو على غرار بقية القوانين، وهذا ما قد يُعرقل إقراره لوقت طويل بعد.
علماً أنّه يصعب تحديد الجرائم التي تستفيد من قانون العفو العام ما لم يتمّ وضع معايير قانونية لها، وهذا ما سيحصل لكي تُصبح كادراً قانونياً بالإمكان تطبيقه كلّما دعت الحاجة اليه. فالتوسّع بمساحة العفو لتشمل آلاف مرتكبي الجرائم الإرهابية أو الذين قاموا باعتداءات على المؤسسة الأمنية أو القوى الأمنية، على ما أوضحت الأوساط نفسها، لا يُمكن أن تحصل لأنّ ثمّة معايير متبعة من قبل القضاة لا بدّ من أخذها بالإعتبار. فالعفو العام لا يعلو على القوانين، إنّما «يُسامح» بعد مرور فترة زمنية محدّدة على ارتكاب الجنح حصلت ضمن ظروف سياسية معيّنة.
وللتمييز بين الجرائم البسيطة والخطيرة لا بدّ من تسريع المحاكمات بالنسبة للموقوفين الإسلاميين، كما عقّبت الاوساط، وتأمين محاكمات عادلة لكي لا يبقى الأبرياء في السجون، ولمعرفة أي أشخاص يشملهم قانون العفو العام، وأي منهم لا يحقّ للسلطة الإفراج عنهم. كما يُمكن الوعد بتخفيض العقوبات للذين ارتكبوا جرائم بسيطة لا تتعلّق بالمسّ بالجيش أو بمساعدة الإرهابيين والمتطرّفين في التفجيرات والإغتيالات السياسية.
وذكرت الاوساط بأنّ الفقر غالباً ما يدفع ببعض الشباب الى القيام بأعمال مخالفة للقانون بغية الربح المادي، لهذا فإنّ القانون لا بدّ وأن يقترن بخطة إصلاحية وإنمائية تشمل المناطق كافة، لا سيما منها تلك الحدودية من الشمال والجنوب. مع الإشارة الى ضرورة أن يشمل العفو اقتراحاً شاملاً لتحسين وضع السجون الكارثي في لبنان بحيث يوضع الموقوفون بمفردهم في أماكن خاصة بالتوقيف لفترة قصيرة وليس لأشهر وسنوات قبل أن تتمّ محاكمتهم، والمحكومون في زنزانات خاصة على حدة.
(الديار)