تتجه الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا هذا الأسبوع الى تشديد الضغط الديبلوماسي والاستراتيجي على روسيا كي تنأى بنفسها عن الديكتاتور السوري بشار الأسد وترفع عنه غطاءها في مجلس الأمن الدولي. وفي هذا السياق وجه وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون في مقال كتبه في صحيفة «التايمز» البريطانية اتهاما مباشرا الى روسيا بأنها مسؤولة بالوكالة عن هجوم السارين الذي استهدف خان شيخون الاسبوع الفائت. بينما يتجه وزير الخارجية الاميركي ركس تيللرسون الى روسيا هذا الاسبوع وفي جعبته ادلة دامغة على تورط نظام الأسد في الهجوم الكيميائي ومحاولة الروس التستير عليه. وستشدد واشنطن ولندن لموسكو بشكل محدد وجازم ان الوقت قد حان للتخلي عن الأسد والانضمام الى المجتمع الدولي في صنع السلام واعادة الاستقرار الى سوريا وشعبها.
وأمس القى فالون الضوء بشكل كبير على خلفية الضربة الصاروخية التي نفذتها ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ضد قاعدة جوية اسدية، موضحا الظروف التي تسببت بها والاهداف منها مع تحديد ايضا لأطر الاستراتيجية التي ستنتهجها بريطانيا والولايات المتحدة بعد هذه الضربة. وعنون فالون مقاله كالآتي «ينبغي لبوتين محرك الدمى التخلي عن الأسد والانضمام الينا في صنع السلام»، وكتب فيه «ان هجوم الغاز الوحشي الذي قتل نحو 100 من المدنيين الأبرياء والأطفال في محافظة إدلب السورية الثلاثاء الماضي غير أخلاقي وغير قانوني. فبعد فظائع الهجمات الكيميائية في الحرب العظمى، حظر بروتوكول جنيف استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات في عام 1925. إلا أن نظام الرئيس بشار الأسد له تاريخ في استخدام مثل هذه الأسلحة ضد شعبه. فقد خالف القانون الدولي في عام 2013 من خلال خنقه بالسلاح الكيميائي ما يقرب من 1500 شخص حتى الموت في الغوطة قرب دمشق».
اضاف الوزير البريطاني: «وعلى الرغم من موافقتها في وقت لاحق من ذلك العام (اي 2013) على تدمير أسلحتها الكيميائية، فإن سوريا ضبطت مجددا بالجرم المشهود نفسه (اي استخدام الاسلحة الكيميائية). ونحن لا نستخف بالقصف الجوي الآخر غير الكيميائي وما يولده من قتل ودمار، ولكن الاعتداءات الكيميائية غير مقبولة بتاتا في نظر القانون الدولي. وكان لا بد من عمل شيء لمنع قتل المزيد من الناس. وهكذا، قام الرئيس ترامب، في أول اختبار له كقائد عام، بالخطوة الصحيحة عبر اللجوء إلى عمل عسكري دقيق ومحدد. اذ يعتقد الأميركيون أنه لا توجد وسائل سلمية لوقف الأسد عن استخدام الغاز ضد سكانه. ونظرا للفيتو الروسي المتكرر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد صممت الولايات المتحدة على اتخاذ تلك الخطوة بشكل أحادي».
وتابع فالون: «وباستهداف صواريخ التوماهوك الاميركية المطار والطائرات والمعدات التي يعتقد أنها متورطة في هجوم خان شيخون، أرسلت واشنطن إشارة قوية إلى النظام السوري كي يعيد حساباته مرتين قبل استخدام الكيميائي في المستقبل».
واكد ان «الحكومتين البريطانية والأميركية كانتا على اتصال وثيق على جميع المستويات قبل وبعد الغارات. وقد ابلغت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قبل وقوع الضربة بأنها ستحدث. وقد اتصل بي وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، وتشاورنا سويا في تقويم قدرات النظام السوري. واستعرضنا معا الخيارات التي يفكرون فيها (الأميركيون). ثم اتصلوا بي مجددا في وقت لاحق لإبلاغي بأن الرئيس ترامب وافق على توجيه الضربة وانها ستتم بعد ساعات اي في الساعات الاولى من صباح يوم الجمعة الفائت».
اضاف الوزير البريطاني شارحا الشروط الجديدة التي يجب تنفيذها لإنهاء الأزمة السورية «ان التحرك الأميركي جاء مبررا ومناسبا وكان مدروسا بدقة ليكون محدودا. والآن نحن بحاجة إلى حل طويل الأمد لهذا الصراع. ويعتمد ذلك على ثلاثة شروط: أولا، رحيل بشار الأسد. فبكل بساطة إن الشخص الذي يستخدم شتى انواع القنابل والبراميل المتفجرة والمواد الكيميائية في قتل شعبه لا يمكن أن يكون الزعيم المستقبلي في سوريا. الأسد يجب ان يرحل وعندها يبدأ جلب الاستقرار الى سوريا. ثانيا، اتفاق طارئ على تسوية سياسية جديدة. فقد استمرت هذه الحرب الرهيبة مدة ست سنوات قتل خلالها مئات الآلاف وتشرد الملايين. واليوم ازمة سوريا لا تزال أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفقط الانتقال السياسي التفاوضي يمكن أن ينهي هذا الصراع الرهيب».
وتابع فالون: «طوال فترة الازمة تصدرت المملكة المتحدة جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الجهود الديبلوماسية. وفي الأسبوع الماضي فقط، عرضت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تفاصيل عن تخصيص مليار جنيه إسترليني لخلق فرص عمل وضمان التعليم وتقديم مساعدات إنسانية لدعم أكثر ضحايا النزاع السوري ضعفا. وقد تعهدت المملكة المتحدة حتى الآن بأكثر من 2.4 ملياري جنيه استرليني استجابة للأزمة في سوريا والمنطقة، وهي أكبر استجابة تقدمها بريطانيا في تاريخها لأزمة إنسانية واحدة. واليوم ندعو جميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل الى اتفاق. يجب أن يؤدي هذا الاتفاق إلى حكومة تمثيلية لن يلعب فيها الأسد أي جزء. نعلم ان التوصل الى هذا الامر ليس سهلا لكنه حتما ليس مستحيلا. في العراق توصلنا إلى تسوية سياسية تمثل جميع السكان من شيعة وسنة واكراد. وفي المحادثات الأخيرة، اظهرت جماعات المعارضة السورية قدرا وافيا من الجدية والعزم والبراغماتية. والآن يجب على النظام وداعميه إظهار نفس الالتزام. وهذا يقودني إلى النقطة الثالثة. يجب على روسيا أن تبدي العزم اللازم لإخضاع النظام السوري. الروس لديهم نفوذ في المنطقة. وساعدوا على التوسط في الصفقة الأصلية لإتلاف الأسلحة الكيميائية. وقد حدثت هذه الجريمة الأخيرة من جرائم الحرب في ظل وجود الروس في سوريا. وقد اتيحت لهم مرارا في السنوات القليلة الماضية كل الفرص لتحريك الامور بشكل ايجابي ووقف الحرب الأهلية لكنهم لم يفعلوا».
وختم فالون مقاله مشددا على ان «الأوان آن لروسيا كي تكون جزءا من الحل وتنخرط بشكل بناء في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. معا يمكننا أن نضع حدا لمعاناة الشعب السوري التي لا حاجة لها. لكن الداعم الرئيسي للأسد هو روسيا. وبالوكالة روسيا مسؤولة عن مقتل كل مدني سقط في هجوم الاسبوع الماضي. وفي حال رغبت روسيا تحرير نفسها من المسؤولية عن اي هجمات مستقبلية فإن على فلاديمير بوتين تنفيذ التزامات اتفاق تفكيك ترسانة الاسد الكيميائية واتلافها بشكل نهائي وتام والمشاركة الكاملة فى عملية حفظ السلام التي ترعاها الامم المتحدة. نعم يمكننا إنهاء معاناة الشعب السوري، ولكن هذا يحصل فقط إذا فهمت موسكو أيضا معنى رسالة الضربات الصاروخية التي وجهت ليلة الخميس – الجمعة».
اذا تتجه بريطانيا والولايات المتحدة هذا الاسبوع الى توجيه الاتهام مباشرة الى روسيا بالتواطؤ مع نظام الأسد في الهجوم الكيمائي الاخير، وان الوقت قد حان لكي يسحب الروس السجادة من تحت اقدام النظام الملطخ بالدم.
واكدت صحيفة «التايمز» في تقرير لها من واشنطن ان وزير الخارجية الاميركي ركس تيللرسون سيتجه الى روسيا هذا الاسبوع وفي جعبته ادلة تؤكد ان روسيا كانت علمت بهجوم الأسد الكيميائي وانها حاولت التعتيم عليه. واشارت الصحيفة الى ان التنسيق مستمر على مدار الساعة بين واشنطن ولندن، والطرفان الآن بصدد وضع خطة جديدة مشتركة سيطلبان فيها الى بوتين ان يسحب دعمه العسكري للأسد وينخرط في عملية لنقل السلطة الى نظام جديد. وافادت «التايمز» بان تيللرسون سيتهم روسيا هذا الاسبوع بالفشل في الوفاء بالتزاماتها تجاه اتلاف ترسانة الأسد الكيميائية بشكل تام ونهائي.
والتواطؤ الروسى فى الهجوم الكيمائي الذى وقع يوم الثلاثاء الفائت كما يراه الغرب يرتكز على ان طائرة بدون طيار روسية حلقت فوق خان شيخون قبل وقت قصير من قيام طائرة حربية اسدية من طراز «سو 22» بالقاء قنبلة من غاز السارين مما اسفر عن مقتل حوالى 80 شخصا. كما يحقق الغربيون الآن في ما اذا كانت طائرة روسية قصفت مستشفى محليا في وقت لاحق لمحاولة تدمير الأدلة. وقد شوهدت صورة لحاوية أسلحة كيميائية تعود إلى الحقبة السوفياتية في قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها الغارة.
وكان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الغى زيارة كانت مجدولة اليوم الى موسكو، وشدد على ان «وزير الخارجية الاميركي ركس تيللرسون بإمكانه ايصال رسالة اميركية – بريطانية مزدوجة عندما يزور روسيا التي نشجب تماما استمرارها في الدفاع عن الأسد». وقد اعربت السفارة الروسية في لندن امس عن استيائها من خطوة جونسون وقالت في تغريدة على «تويتر»: «نحن نشجب كيف ان بوريس جونسون اعتبر نفسه غير اهل للتعبير عن الموقف الغربي في سوريا فألغى محادثاته الثنائية مع سيرغي لافروف».
وتعليقا على التهكم الروسي تجاه وزير الخارجية البريطاني، اوضح الملحق الإعلامي في وزاة الخارجية البريطانية امس «ان تيللرسون لم يطلب من جونسون عدم الذهاب الى موسكو. بل رأى وزير الخارجية البريطاني ان من الأجدى ان يوصل وزير خارجية واحد الرسالة التي يجب ايصالها الى روسيا، بينما هو سيخصص كامل وقته من اجل تحضير تحالف دولي كبير يتكلم بصوت واحد ضد السياسة الروسية الداعمة للأسد في سوريا. ينبغي لنا ايجاد طريقة تحفظ ماء وجه روسيا وفي الوقت عينه تسهم في سحب دعمها للنظام السوري».
ووفق مصادر «التايمز» داخل الادارتين الاميركية والبريطانية، يسعى البلدان ابتداء من هذا الاسبوع الى تشديد الضغط على بوتين من خلال محاولة عزله دوليا في حال قرر الاستمرار في دعم الأسد، او منحه طريقا للعودة الى احضان الاسرة الدولية في حال وافق على التعاون من اجل انهاء الحرب السورية.
ويبدو ان هذه الخطة الجديدة ستظهر شروطها رسميا في البيان الختامي الذي سيصدر عن وزراء خارجية مجموعة ال7 الذي يجتمعون غدا الثلاثاء في لوكا بوسط ايطاليا، فبحسب معلومات جمعتها «المستقبل» امس من ديبلوماسيين فرنسي وبريطاني فإن البيان الختامي سيتضمن تشديدا على وجوب رحيل الأسد ووقف العمليات العسكرية الروسية في سوريا وخطة لإعادة اعمار البلد المنكوب.