راوحَت أزمة توقيع مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994 الذي غاب عنه توقيع وزير المال، مكانها أمس في ظلّ انسداد الأفق أمام إيجاد حلّ لها نتيجة تمسّكِ الأطراف المعنية بها بمواقفها، ما جعلَ البلاد تدخل سَنتها الجديدة مأزومةً. ورفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مستوى المواجهة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من المرتبة القانونية والدستورية والميثاقية إلى المرتبة السياسية، إذ اعتبَر ‘أنّ المقصود من النقاش الحاصل اليوم ليس تحصيل الحقوق، وستُظهر الأيام المقبلة أنّه لا يتعلق بحقوق العسكريين، بل يتعلّق بنزاع سياسي على مواضيع أخرى». فيما خرَج الرئيس سعد الحريري عن صمته، داعياً إلى «التفاهم وعدم تضخيم الأمور”.
ظلّ مرسوم منحِ الاقدميات لضبّاط ما سُمّيت ‘دورة عون” عالقاً في عنق الزجاجة، من دون ظهور أيّ مؤشرات تشي بحلّ الخلاف المستجدّ بين رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب والذي ترجِم أمس تراشقاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري ‘التيار الوطني الحر” وحركة ‘أمل”، ما وسَّع الهوّة بين الطرفين. وإذ تراجعَت حدة المواقف السياسية، ظلّت المساعي مستمرّة على مستويات عدة لكنّها لم تؤدِّ بعد إلى مخرج يشكّل توافقاً بين بعبدا وعين التينة تحديداً .
بعبدا
وقالت مصادر قصر بعبدا لـ”الجمهورية” أن ‘لا جديد على هذا المستوى بعد، وإنّ كلّ شيء مجمّد الى حين”. واعتبَرت ‘أنّ ردَّ وزارةِ المال مراسيمَ ترقيةِ الضبّاط الى وزارة الدفاع إجراءٌ طبيعي بعدما استعاد وزير المال أو سحبَ توقيعَه منها بحجّة أنّ مِن بين الضباط الذين نالوا الترقية ضبّاط استعادوا قسماً مِن حقوقهم في مرسوم تسوية أوضاعهم، ما جَعل جميعَ الضبّاط المستحقين في سلّة واحدة ما سيُرتّب حقوقاً متأخّرة لهم، وعلى من جمَّد هذه العملية أن يتحمّل تبعاتها كاملةً، وهو أمر غير طبيعي على الإطلاق”.
وقالت المصادر نفسها ‘إنّ هذه المواقف دفعت برئيس الجمهورية إلى دعوة قيادة الجيش برئاسة العماد جوزف عون إلى ‘نسيان ما تسمعه في السياسة، فالجيش هو الصامت الأكبر”.
وأكّد أنّه سيواصل السعيَ ‘ليكون منصِفاً دوماً”، مشدّداً على ‘أن ليس من حق أحد أن يَحسم سنتين من حياة الآخر المهنية”، لافتاً إلى أنّه اتّخَذ قرارَه في موضوع مرسوم الأقدمية لدورة ‘الانصهار الوطني” للتعويض ولو جزئياً عن الخلل الذي أصابها. وقال: ‘بعد اليوم لن تكون هناك مخالفات ولن تُهدر حقوق أحد”.
واعتبَر ‘أنّ المقصود من النقاش الحاصل اليوم حول الأمر ليس لتحصيل الحقوق، وستُظهر الايام المقبلة انّه لا يتعلق بحقوق العسكريين، بل إنّ الامر يتعلق بنزاع سياسي على مواضيع أخرى، وما نريده منكم أن لا تعلّقوا على هذه الأمور”.
وفي تفسيرها لإشارات رئيس الجمهورية، قالت مصادر بعبدا ‘إنّ أمام رئيس الجمهورية مجموعة من المراسيم السابقة المشابهة والتي أعادت حقوقاً مهدورة أو ضائعة لضبّاط الجيش أو لأهداف أخرى، واعتمد فيها الأسلوب عينه، خصوصاً بعد ‘إتفاق الطائف”، وإنّ الغوض في بعض الترقيات السابقة لن يكون في مصلحة المعترضين اليوم لأسباب سياسية لا تمتُّ بصلة الى القانون والدستور. وإنّ التلطّي وراء الميثاقية وخرقِ الدستور لن يفيد في شيء متى كُشِفَ المستور، وإنّ التمادي في توجيه مِثل هذه التهَم الكبيرة لن يستمرّ طويلاً، وعلى من لديه ما يثبتُ هذه الاتّهامات الخطيرة أن يتحلّى بالجرأة والمجاهرة بها لتبيان الاتّهامات السياسية من غيرها التي لا تدخل سوى في لائحة التجنّي والظلم وهو في غير زمانه ومكانه”.
وأضافت المصادر أنّ ‘إشارة رئيس الجمهورية امام وفد قيادة الجيش الى خلفيات سياسية لِما يَجري وليست قانونية ولا دستورية ولا ميثاقية، هي خطوة تحذيرية، وإن لم تعالج القضية سريعاً قد يأتي الوقت المناسب للحديث عنها وكشفِها على علّاتها وعيوبها، لأنّ التمادي في الظلم غيرِ المبرّر لن يطول”.
وخَتمت: ‘إنّ التحذير في هذه المرحلة يعني ضرورةَ سحبِ المواقف السياسية من التداول، ومَن سعى الى تحريف خلافٍ قانوني وتقني وتحويله سياسياً عليه التراجع عنه تلقائياً منعاً للتمادي في انعكاساتها السلبية على مرسوم ترقيةِ ضبّاط الجيش وهم جميعاً من مستحقّيها بجدارة، ومَن سعى الى التسييسِ لأسباب مجهولة ـ معلومة عليه أن يتحمّلَ المسؤولية إلى النهاية التي لن يضيع فيها حقّ بعد اليوم”.
الكنيسة
بدورها، أكّدت مصادر كنَسيّة لـ”الجمهوريّة” أنّ ‘كلّ ما يدور من نقاش ونزاع حول المراسيم والصلاحيات هو في غير محلّه ويُعكّر الأجواء الإيجابيّة”، مشدّدةً على أنّ ‘مطالبة أيّ مِن الوزراء بأن يكون توقيعه ملاصقاً لتوقيع رئيس الجمهوريّة يدلّ الى أنّنا نعيش الزمن الرديء”.
وأشارت الى أنّ ‘الدستور واضح جدّاً، ورئيس الجمهوريّة هو رئيس الوطن ورئيس كلّ المؤسسات، والمسّ بصلاحياته أمرٌ ممنوع ويَضرب تركيبة السلطة وهرميّةَ الحكم، ومَن يطرح المساواة بين صلاحيات الرئيس وإمضائه وإمضاء أيّ مِن الوزراء يَهدف الى تقزيمِ رئاسة الجمهورية وجعلِها عاجزةً عن ممارسة أيّ دور”. وطالبَت هذه المصادر بـ”عدمِ تفسير الدستور والقوانين باستنسابيّة والنيلِ من هيبة رئاسة الجمهورية”.
ودعت الى ‘حلّ الخلافات داخل المؤسسات وعدم التصعيد، والإنصراف الى حلّ مشكلات الناس بدلاً من الدخول في معارك جانبية نستطيع حسمها إذا قرأنا الدستور جيّداً وطبّقناه، وأعطينا كلّ ذي حقّ حقَّه وأصلحنا كلّ خللٍ نتجَ من ممارسات المرحلة الماضية”.
الجمهورية