ازمة الثقة التي يمر بها كل من الحزب التقدمي الاشتراكي و«تيار المستقبل» ليست جديدة، فهي انكشفت منذ تحول النائب وليد جنبلاط نحو «الوسطية»، والخروج من14 آذار، بعد احداث 7 ايار 2008، ثم في الاستقالة التي فرضت من قبل 8 آذار على الرئيس سعد الحريري، ولجوء جنبلاط الى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في آذار 2011، ولم تكن الاحداث بدأت في سوريا التي اعاد رئيس «اللقاء الديموقراطي» علاقته معها بعد فراق في العام 2005، اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقبل ذلك في التمديد للرئيس اميل لحود في 2 ايلول 2004.
فالثقة تزعزعت بين المختارة وبيت الوسط، وامتدت الى علاقة جنبلاط مع السعودية ايضاً التي توترت الى حد القطيعة، بسبب «غدر جنبلاط»، الذي اُعطي تبريراً لفعلته الى «خوفه من القمصان السود»، حيث تشير مصادر سياسية متابعة للعلاقة بين الاشتراكي والمستقبل، الى ان جنبلاط فقد بوصلته السياسية مع بدء الازمة السورية، فهو لا يريد اعادة تعكير العلاقة مع دمشق، وفي الوقت نفسه يتعرض لضغوط من قوى 14آذار، ومنهم «تيار المستقبل»، بان ينحاز الى «الثورة السورية»، فتأخر لاشهر، ثم التحق بمؤيديها، ورفع من سقف خطابه ضد النظام السوري، لكن العلاقة لم تتحسن وكان مطلوب منه الاستقالة من حكومة الرئيس ميقاتي، فآثر ان يتخذ هذا لاجراء، في ظل التعقيدات التي رافقت الازمة السورية، ولم تصطلح الامور، الا بعد ان استقال ميقاتي، الذي فُتحت بوجهه عشرين جولة من المعارك بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس مدينته، وتوقفت بعد استقالته، ودخل امراء محاورها الى السجون، ليظهر ان محركيها، هم مسؤولون في «تيار المستقبل»، كما اعلن الموقوفون، وكشف الرئيس ميقاتي عنها، مع شخصيات طرابلسية اخرى.
وبدأت العلاقة تعود تدريجياً بين جنبلاط والحريري، ولو بحذر، لان الاخير لن يسكت على ترك «حليف السراء والضراء» له، وقد حصلت لقاءات عدة بينهما، خففت من التوتر دون ان تلغيه كلياً، وكانت تغريدات جنبلاط تشغله، ومنها قوله عن الحريري «المفلسون الجدد» متهكماً عليه، تقول المصادر، التي تشير الى «حلف الضرورة بينهما»، والذي عاد وتزعزع مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد ان كان الحريري ابلغ جنبلاط ان خياره النائب سليمان فرنجيه، والسعودية لا تمانع، فسار معه في الحملة، وايدهما الرئيس نبيه بري، الذي لم يقتنع حليفه «حزب الله» بانتخاب فرنجيه بدلاً من عون.
هذه الانتكاسة في العلاقة، بين الحريري وجنبلاط، تمت معالجتها، وكادت ان تقع من جديد بينهما بسبب قانون الانتخاب، لكن الاتصالات السياسية، منعت حصولها، وصدر القانون وفق النظام النسبي والصوت التفضيلي، وبدأ الحوار بين الطرفين حول التحالفات الانتخابية، فتم تثبيتها في دوائر الشوف – عاليه، والبقاع الغربي – راشيا وبيروت الثانية، وهي التي تتشابك اصواتهما، في هذه الدوائر بالرغم من ان جنبلاط حاول ان يتحرر من الصوت السني، كما من الصوت المسيحي، بضم عاليه الى الشوف، بدعم من الرئيس بري وموافقة «حزب الله»، ليرفع عدد المقترعين الدروز الى 130 الفاً، ويتحكم في تشكيل اللائحة، الا انه جوبه باصرار المستقبل على ترشيح النائب محمد الحجار من شحيم عن المقعد السني، بعد ترشيح جنبلاط للدكتور بلال عبد الله عن هذا المقعد، وهو من البلدة نفسها للحجار، مما خلق ارباكاً بينهما تقول المصادر، حيث زاد عليه، ترشيح الوزير غطاس خوري عن المقعد الماروني في الشوف، وشعر جنبلاط ان الحريري يريد ان يأكل من حصته، وسيخسر مقعد النائب ايلي عون، وهو ما حصل في دائرة البقاع الغربي – راشيا، اذا طالب الاشتراكي بضم النائب انطوان سعد الى اللائحة، بعد استبعاد تحالف المستقبل و«التيار الوطني الحر» وبالتالي خروج ايلي الفرزلي من اللائحة عن المقعد الارثوذكسي، وقد وضع الاشتراكي «فيتو» عليه، على انه من «الوجوه السورية»، كي يدخل سعد اللائحة، الا ان الحريري كان اتفق مع الدكتور غسان سكاف، وهذا ما شكل مفاجأة لجنبلاط الذي اعاد توتير العلاقة، عندما وصف ما حصل مع سعد، هو «تحالف حيتان المال والمصالح»، ليخرج النائب وائل ابو فاعور، ويعلن عن عدم ثقة موجودة بين حزبه والمستقبل الذي كان يريد وجهاً درزياً من بيروت على لائحته فيها، لكن التفاهم بينهما ثبت فيصل الصايغ على اللائحة، بعد ان امتنع الثنائي الشيعي حركة «امل» و«حزب الله» على تضمين لائحتهما مرشحاً درزياً.
فالثقة المفقودة بين الاشتراكي والمستقبل، هل ستؤثر على تضامنهما في لوائح واحدة في الانتخابات، وخلق مناخاً شعبياً، سلبياً بينهما، ام ترمم العلاقة بنيهما من جديد؟
(الديار)