د. عامر مشموشي:
بدلاً من أن ينصرف الرؤساء الثلاثة إلى تذليل عقبات تأليف الحكومة التي برزت خلال المشاورات التي أجراها الرئيس سعد الحريري مع الكتل النيابية بعد تكليفه وقبيل زيارته العائلية إلى الرياض، بحيث تبصر الحكومة النور في أسرع وقت وفق ما توافق الرؤساء الثلاثة، واجمعت عليه الكتل النيابية تحول اهتمام الترويكا إلى معالجة مرسوم التجنيس الذي وقعه رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف ووزير الداخلية المختص بعد تحول هذا المرسوم إلى قضية رأي عام شغلت كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية.
وبدلاً من أن يخصص اجتماع الرؤساء الثلاثة الذي عقد في القصر الجمهوري غداة عودة الرئيس المكلف من المملكة العربية السعودية للبحث في حلحلة العقد التي ظهرت في وجه الرئيس المكلف، وتقريب المسافات بين المطالب التي رفعتها الكتل النيابية، وبين الشروط والشروط المضادة التي ظهرت من هنا وهناك، والتي تحد من اندفاعة الرئيس المكلف لإغلاق هذا الملف وقيام حكومة العهد الأولى آخذة على عاتقها تنفيذ الاصلاحات المنشودة، ولا سيما منها محاربة الفساد وإصلاح الوضع الاقتصادي المتردي باعتراف المسؤولين أنفسهم ومعهم المجتمع الدولي الذي عبر عن ذلك في مؤتمر سيدر الذي خصص لمساعدة لبنان في إعادة بناه التحتية ودفع الاقتصاد الوطني إلى الامام بما يؤمن فرص عمل للشباب اللبناني العاطل عن العمل بعد تراجع النمو الاقتصادي بشكل مخيف بدلاً من أن تكون كل هذه الملفات، مدار اهتمام الرؤساء الثلاثة، أصبح كل ما يعنيهم هو التغطية على فضيحة مرسوم التجنيس الذي اثار ضجة واسعة في صفوف معظم الكتل النيابية، وطرح الكثير من علامات الاستفهام حول أداء العهد ومدى صدقيته في ما وعد به قبل الانتخابات النيابية وبعدها بأن يكون أولى أولويات حكومته التي ستشكّل بعد الانتخابات هي تحقيق الإصلاحات التي ينشدها جميع اللبنانيين ونقل الاقتصاد من اقتصاد عيني إلى اقتصاد منتج، وذلك من خلال خطة إصلاحية شاملة.
وقد جاءت كل التصريحات التي أطلقها الرئيس المكلف قبل التكليف وبعده تؤكد على ان اهتمامه والحكومة التي ستنبثق عن مجلس النواب ستتركز على الشأن الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد ووضع الخطط السريعة لذلك بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع الدولي الذي عبر في مؤتمر سيدر وفي كل المؤتمرات الدولية التي عقدت لدعم لبنان ومساعدته على النهوض إذا عرف كيف يستجيب لمتطلبات هذا المجتمع وفي أول القائمة خفض الانفاق وهدر المال العام واجتثاث الفساد المستشري في جسم الدولة اللبنانية من جذوره من خلال اتخاذ إجراءات عملية وجذرية من قبل أركان السلطة.
ان الوضع الذي يعيشه لبنان هذه الأيام على وقع ما يسميه صفقة التجنيس نسف كل الآمال التي علقها اللبنانيون على العهد وعلى حكومته الأولى، وبات من الصعب بمكان على هؤلاء اللبنانيين ان يصدقوا كل ما يقوله أركان السلطة وما يطلقونه من وعود حول عزمهم على الاصلاح وحزمهم في محاربة الفساد، وقطع دابر المفسدين في كل إدارات الدولة وزواياها، ومن الطبيعي أن يؤثر كل ذلك على عملية تشكيل حكومة العهد الأولى، ويضع المسؤولين كافة أمام مراجعة جديدة لحساباتهم وفي المقدمة كيفية إقناع الرأي العام اللبناني بإعادة ثقته بهذه الطبقة.